داعش.. دولة الوهم: كتاب جديد للراحل محمد السيد
الغد
صدر حديثا، عن دار عمار للنشر والتوزيع، كتاب للأديب الفلسطيني محمد السيد، بعنوان: داعش.. دولة الوهم. والكتاب من القطع المتوسط، وقد جاء في مائة وثلاث صفحات.
وتضمن الكتاب سبعة مباحث، أورد فيها المؤلف وقائع وحقائق موثقة، وسياقات نصية على ألسنة أصحابها، تؤكد ما ذهب إليه المؤلف من قناعات. المباحث جاءت كالآتي: مقارنات، السلفية في سورية، مشروع دولة العراق والشام (داعش)، تفاصيل دولة العراق والشام (داعش)، صورة عن (داعش) في وسائل الإعلام، أبرز ممارسات (داعش)، كيف تعامل (داعش) مع السكان؟.
ويؤكد المؤلف أن مفهوم الدولة الذي أرادته هذه الفئة المشبوهة (داعش)، مشروع يحاول الانقضاض على إرادة الشعب في ثورته على العصابة الحاكمة في سورية، وإرادة التخلص من الاستبداد والظلم والفساد، والانتقال إلى دولة حديثة، ينعم فيها الشعب السوري بأطيافه ومكوناته كلها، بالكرامة والحرية التامة، "ساعيا إلى التقدم والتعايش والتعددية، وتداول السلطة بسلمية وسلاسة شعبية حرة كريمة".
ويذهب السيد إلى أن (داعش) "دولة بالإكراه، والذي يخالف رأيها وأوامرها وتعليماتها، فهو كافر مستحق للقتل، ولو صام وصلى ونطق الشهادتين وعمل بهما".
ويقف المؤلف على تاريخ هذه الجماعة، فيصل إلى أن نهجها إنما هو تجديد "لمنهج وفكر وسلوك غلاة الخوارج وعتاتهم، بل ولأكثرهم انحرافا ودخولا في باحة الآخرين، من خلال (دولة) ليس لها أرض ولا حاضنة، ولا عقل أو منطق تستطيع به التعايش والتعامل الإنساني والتنظيمي، والتفاهم الإيجابي مع المحيط الذي تعيش فيه".
وهذا الذي قرره المؤلف، لم يأت من فراغ، إنما رأى أن هناك سمات مشتركة بين الخوارج وداعش، فللسيد كتاب صدر سابقا بعنوان (الفِرق في الإسلام في مائة سؤال وجواب.. جذورها وحاضرها)، درس فيه الفرق الإسلامية، ووقف على جذورها وحاضرها، فربط بين الماضي والحاضر، وبين كيف أن المسميات هي ما اختلف لا غير، أما السمات فواحدة، من مثل ما اتسموا به من "علم ضحل، وفقه بلا نظر ولا بصيرة، وخروج بعضهم إلى حد ارتكاب المحرمات المتفق على حرمتها، ومفارقة المجتمع ومحاربته ومحاولة تدميره"، وغيرها من السمات التي أوردها الكاتب.
وتناول السيد كيفية نشوء هذه الجماعة وأسباب نشوئها، مشيرا إلى ارتباط النصرة في سورية بدولة العراق، وقائدها أبو بكر البغدادي، وبالقاعدة، منتهيا إلى أن "داعش، تشكيل ظرفي توظيفي، تشتري قياداته العليا (أجندات) طامعة، ذات برامج ومشاريع كبرى في المنطقة، تمولها وتسلحها وتغدق عليها بذلك". فيدخلون فجأة على الحراك الشعبي، مدهشا الناس في البداية بما يمتلك من إمكانيات وأعمال مدعمة بالسلاح الجيد والمال الوفير، والمظاهر الدينية الجذابة، والإقدام المبهر، فينجذب الشباب المخلص، متطوعا في صفوفه، قبل أن يكتشف البعض منهم أنه غرر به من قبل هؤلاء الطواغيت، الذين يحملون برامج تخريبية للثورة والثوار، وللاعتصامات.
وهذا الدخول المتأخر –بحسب السيد- للتنظيم على مقاومة العراقيين للاحتلال الأميركي، وعلى ثورة السوريين على حكم العصابة الاستبدادية، بعد تقدم الثورتين، "إنما يثير الشبهة؛ لأنه دخول على نجاح عملوا على تقويضه بعشوائيتهم وعملياتهم غير المنضبطة، وقيامهم في العديد من الأحداث بالسطو على منجزات الثائرين وقتل قياداتهم بلا رحمة، والقيام بأعمال التفجيرات التي تستهدف العزل من الأطفال والنساء، والقتال من أجل احتلال الأماكن المحررة من قبل الثوار في سورية... وأكثر ما يثير الشبهة بهم وبأهدافهم، توقف جيش العصابة الحاكمة عن قصف الأماكن والمدن والأرياف التي كانوا يستعيدونها من أيدي كتائب المجاهدين والجيش الحر، في حين كان القصف يهز تلك المناطق بالليل والنهار، قبل أن يستحوذ الداعشيون عليها". فـ"عمل داعش يمثل دعما وعضدا للنظام الأسدي المجرم، فهو يقوم بقتل الناس الرافضين للحكم المستبد، المطالبين بالحرية والكرامة، ويعدم الأطفال والنساء والنشطاء والثوار بعد تعذيبهم".
وانتهى المؤلف هنا، إلى أن "الأنظمة العربية والإسلامية التي عجزت عن استيعاب برامج الحركات الإسلامية المعتدلة، الواعية الساعية بجد ونشاط وصدق إلى الإصلاح والنهوض بالأمة، وبناء استقلال حقيق لها، تحوطها فيه الحرية والتميز، وتقديم الإضافة الناضجة لمسيرة عصرية راشدة... اتجهت إلى صناعة البدائل من الذين يلبسون لبوس الدين والجهاد، وتعويمهم في السوق، كي تتفادى بهم اجتياح المعتدلين من أصحاب المشاريع السديدة، الساحات الشعبية والسياسية والاجتماعية".
ليصل السيد إلى التساؤل حول هذه الفئة: هل من تنظيم إسلامي حقا، وهل من دولة أم وهم دولة؟ هل هو متبع الشريعة الإسلامية كما يدعي؟ أين نضع هذا التنظيم بين فصائل الثوار؟ وغيرها من التساؤلات. مبينا أن المراجع التي يمكن الاستفادة منها في إيجاد إجابات تشفي غليل الباحث المدقق، قليلة، إنما الباحث لا بد له من التحليل وربط الأحداث بعضها ببعض، وسبكها جنبا إلى جنب مع الزمان والمكان. فيأتي هنا على أقوال ناس منهم، بل من قادتهم الذين انشقوا عنهم وتركوهم بعد أن أدركوا غلو هذه الجماعة ومآربها الخبيثة، ويكفي أن ننقل قول كبير منهم كان قد انشق عنهم، هو أبو عبدالله "محمد المنصور" الذي كان أميرا في جيش المجاهدين في العراق، إذ قال: (إنه لا شك عندي أنهم في كثير مما وقع فيه الخوارج من الغلو في التكفير والقتل بغير حق، وواقعهم العملي يثبت ذلك، فهم يكفّرون الأعيان بمسائل خلافية، كما يكفرون بالظنون والأوهام).
من هنا، يذهب المؤلف إلى أن هذه التنظيم، يقوم في سورية بما قام به في العراق، من محاولات لحرف الثورة التي هبّت عفويّا، مطالبة بالحرية والكرامة، ومشاركة المواطنين جميعا على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم في صنع القرار في بلادهم، متسائلا حول نص أورده لأحد كتابهم الذي أطلق على نفسه (الموحد))، وهو اسم مستعار، يتحدث فيه عن الزرقاوي وجماعة التوحيد والجهاد، التي شكلها ورعاها، فيقول: (فالتوحيد والجهاد تعني على الواقع: كتاب يهدي، وسيف ينصر أي دعوة وبيان وسيف وسنان، وهذه هي لغة الشرع وسياسته التي أمرنا الله بها في كتابه وسنة نبيه كي نوصلها إلى الناس). فيرد السيد على هذا بسؤال استنكاري: "لمن السيف والسنان؟ هل هما للمتسوقين في الأسواق التي فجروا فيها السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة؟ أم هي تلك الأحزمة التي فجرت خيام العزاء؟ أم هي قطع رؤوس من يخالف أوامر الدولة وقراراتها الكركوزية، التي لا يحق لها أصلا فرضها على الناس؟ وهي في الحقيقة لم تأت في الزمان والمكان والظروف المناسبة، ولم تأت من صاحب صلاحية أقر له المجتمع بها، وعلى الأخص أن كثيرا من عناصر هذه الفئات ليسوا من أهل البلاد، ولم يطلب أهل البلاد نصرتهم"
* تقديم الدكتورة تمام السيد