الإسلام السياسي.. السلاح أم الديمقراطية!*محمد أبو رمان
الدستور
شهدت إسطنبول قبل أيام انعقاد ورشة عمل مكثفة نظمها معهد السياسة والمجتمع بالشراكة مع مؤسسات إقليمية، تناولت مستقبل الإسلام السياسي في ضوء التحولات العاصفة التي يعيشها الإقليم منذ 7 أكتوبر 2023، مروراً بحرب الإبادة في غزة، وصولاً إلى صعود هيئة تحرير الشام إلى موقع القوة والسلطة في سورية، والحرب الإيرانية – الإسرائيلية (والأميركية). وقد شارك في الورشة نخبة من الباحثين المتخصصين في حركات الإسلام السياسي من دول عربية عدة (الأردن، مصر، سورية، لبنان، العراق، اليمن، فلسطين).
أحد أبرز الدلالات التي توقف عندها المشاركون هو وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة عبر القوة المسلحة، بعد أن كانت تنظيماً جهادياً تقليدياً. اليوم يمكن وصفها بأنها حركة «ما بعد جهادية» بعدما تخلّت عن العديد من مقولات الأيديولوجيا الجهادية. في المقابل، تتعمّق أزمات تيارات «الإسلام السياسي» السلمي، التي آمنت بالعمل الديمقراطي، في ظل انسداد آفاق التغيير السلمي أمامها. هذا التباين، بالتوازي مع حرب الإبادة وما يرافقها من غضب وإحباط لدى شريحة واسعة من الشباب العربي، يرسل رسالة خطيرة: الطريق الديمقراطي مسدود، بينما القوة والعمل المسلح هما المسار الذي يحقق النتائج.
مع ذلك، أبدت هيئة تحرير الشام قدرة عالية على التحول والبراغماتية السياسية؛ إذ غيّرت كثيراً من ثوابتها الأيديولوجية لصالح انسجام أكبر مع البيئة المحلية السورية وأولوياتها، كما أعادت تعريف علاقاتها الإقليمية والدولية وفق هذه الاعتبارات. هذا التحول البراغماتي يذكّر بتحولات سابقة في الإسلام السياسي الشيعي في العراق، الذي سبق في تجربته نموذج «التكيّف» مع السلطة، إلى درجة طغت فيها الحسابات السياسية على الشعارات الأيديولوجية السابقة. الأمر ذاته قد يشكّل مساراً محتملاً لحركات إسلامية أخرى.
في هذا السياق، دعا باحثون إلى إعادة توجيه النقاش نحو المدخل الجيوسياسي في دراسة الإسلام السياسي. فصعود الحركات الإسلامية أو تراجعها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعوامل الجيوستراتيجية، سواء على مستوى الإقليم أو العلاقات الدولية. من دون هذه الزاوية يصعب تفسير، مثلاً، صعود «داعش» في فترة محددة ثم انحساره، أو تحالفات «حماس» مع إيران ثم تفكك «محور الممانعة»، وكذلك المواقف المتقلبة للحكومات العربية والولايات المتحدة تجاه جماعات الإخوان المسلمين.
على الضفة الأخرى، قدّم أكاديميون وسوسيولوجيون مداخل مختلفة لفهم العلاقة بين الحركات الإسلامية وحواملها الاجتماعية. أولاً: ضرورة دراسة جدلية العلاقة بين الإسلام السياسي والبنى الاجتماعية التي يمثلها، هل هو إسلام أيديولوجي رسالي أم تحوّل أحياناً إلى إسلام مذهبي أو طائفي أو اجتماعي محلي؟ ثانياً: تأثير الصراعات الطائفية والمجتمعية المتفجرة التي تهدد السلم الأهلي ووحدة الدولة العربية، إذ تحوّل الإسلام السياسي في كثير من الأحيان إلى جزء من أدوات الاحتراب الداخلي.
وأثير في الورشة سؤال جوهري: ما هي ماهية الإسلام السياسي اليوم؟ وهل الظروف الراهنة تدفع هذه الحركات إلى مراجعات عميقة لمقولاتها المؤسسة؟ في ضوء تجارب مثل هيئة تحرير الشام أو حتى الإسلاميين في العراق، تبدو كثير من الشعارات القديمة – مثل «الدولة الإسلامية» بوصفها دولة مثالية – أقرب إلى «يوتوبيا مستحيلة». هذا الوهم السياسي غذّى خيال أجيال من الإسلاميين، بينما الواقع يشير إلى أن النماذج الوحيدة التي اقتربت من تطبيقه كانت أقرب إلى أنظمة متشددة ومعزولة، مثل طالبان أو داعش، لا تتسق مع روح العصر ولا مع ضرورات الدولة الحديثة.