عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Apr-2021

الدستور والإصلاح السياسي.. دروس أزمة عابرة*سامح المحاريق

 الراي

عاش الأردنيون وقتاً عصيباً واتخذوا مواقف بعضها متحفظ وآخر يفرط في الحماس، وكثير من هذه المواقف لم تكن تظهر فهماً حقيقياً للتاريخ وطبيعة المحددات الدستورية والقانونية، وتداخلت العوامل العاطفية والانفعالية في قضية كان يفترض أن أصبحت في عهدة الأجهزة الأمنية المختصة، ومع أن الحكومة عادةً ما تعلن حظر النشر في كثير من القضايا إلا أنها وربما نتيجة طبيعة المرحلة وحالة الارتباك المرافقة للعديد من الملفات الساخنة تمهلت أكثر مما ينبغي، وتركت المجال مفتوحاً للتأويل والتفسيرات.
 
كان الأمير عبد الله الأول يدرك قضية مهمة بخصوص الأردن تتمثل في ضرورة بناء مؤسسة العرش على أرضية واضحة، وكان يفكر في ولاية عهد رأسية ولذلك كان تقريبه لحفيده الحسين، فعبد الله الأول عايش إشكاليات مسألة ولاية العهد مع وجود تشتت في جيوش الثورة العربية الكبرى وامتدادها، ومع ذلك لم تكن الظروف مواتية دائماً لتجنب ذلك.
 
من حيث المبدأ توجد مشكلة جوهرية في ولاية العهد الأفقية، والأصل في الملكيات أن تكون ولاية العهد رأسية من الأب إلى الابن أو الإبنة البكر كما في الملكيات الغربية، وهكذا، وقراءة تاريخ الأنظمة الملكية يدلل على إشكالية الولاية الأفقية، ففي دول مثل السعودية والمغرب ظهرت هذه المشكلة من وقت إلى آخر، ووجدت المملكة العربية السعودية نفسها أمام إشكاليات عميقة استلزمت تشكيل هيئة للبيعة تجمع أمراء العائلة المالكة.
 
أزمات الولاية الأفقية في الأردن ليست جديدة، ومنها محاولة الأمير نايف بن عبد الله الأول أن يطرح نفسه خلفاً لشقيقه طلال، وبعد ذلك ولاية العهد الممتدة للأمير الحسن، وهي ولاية العهد التي اتخذت في مرحلة تاريخية معقدة كان الملك الحسين خلالها من أكثر الشخصيات المستهدفة على المستوى العالمي، وكان ولي العهد في ذلك الوقت، الملك عبد الله الثاني، بعد عقود من الزمن، في الثالثة من عمره، بمعنى عدم قدرته على الاضطلاع بمهامه الدستورية في حالة وفاة الملك الحسين، وتم تعديل الدستور الأردني لإضافة عبارة: «على أنه يجوز للملك أن ?ختار أحد إخوته الذكور ولياً للعهد وفي هذه الحالة تنتقل ولاية الملك من صاحب العرش إليه»، وأدرك الأمير الحسن ما لم يدركه كثيرون ممن تابعوا المشهد، أن للعرش صاحباً من الناحية الدستورية، وأنه أدى دوره على الوجه الأكمل للوطن، ولذلك جرت ترتيبات ولاية العهد بصورة تليق بالأردن وسمعته وتقاليده.
 
تكررت مسألة الأمير الصغير في السن مع الملك عبد الله الثاني والأمير الحسين والأمير حمزة، وبنفس الانفتاح جرت مسألة إعادة ولاية العهد للأمير الحسين، وذلك حسب النص الدستوري، ولكن كثير من الناس لا يقرأون الدستور، وللأسف بعض المتابعين والسياسيين والإعلاميين مقصرون في قراءة الدستور وفي الإطلاع على تاريخ التعديلات الدستورية وأسباب حضورها.
 
مثلاً، ومعذرة على الاستطراد، كان تعيين مدراء الأجهزة الأمنية بإرادة ملكية منفردة تمهيداً لحكومة برلمانية في ظل اعتبارين رئيسيين، الأول، أن هذه الحكومة ستكون تجربة حديثة ويجب العمل على إنضاجها، ويفضل أن تكون الأجهزة الأمنية في هذه الحالة في عهدة الملك بوصفه حامياً للدستور والدولة، والاعتبار الثاني، حالة السيولة المرتبطة بـ«الربيع العربي» ومفاجآت الديمقراطية، ومع تفاقم الأزمات وخروج الثورة السورية عن مسارها الطبيعي وتحول المنطقة إلى مركز للجماعات المتطرفة والمرحلة الترامبية بكل صفقاتها وجنونها، تأجلت الحكومة?البرلمانية.
 
ما الذي حدث عصر السبت الماضي؟
 
تحركت بعض الأطراف لاستغلال أنشطة الأمير حمزة لترويجها بين الأردنيين، دون أن يدركوا أصلاً أن الولاية الأفقية التي عاينوا المشهد من خلالها ليست الأصل في الأردن كما هي في دول أخرى، بل وهي تدبير استثنائي كان التعديل الدستوري سنة 1965 ذكياً في صياغته، ولذلك كانت الأزمة من ناحية الأمير تتراجع مع وضع الحقائق على الطاولة، فالأمير ليس في محيط المعلومات الاستخبارية أو الأمنية، ويدرك بعض الصورة ويغيب عنه بعضها، شأن جميع الأشخاص خارج الحلقة الضيقة للمطبخ الأمني، وبذلك تنتهي الأزمة على مستوى الأسرة الهاشمية، ولكنها لا ?نتهي على المستوى الوطني.
 
يطرح الإصلاح السياسي نفسه بصورة جدية على الساحة، والحكومة عليها أن تتحمل مسؤولياتها وألا تدخل في لعبة كسب الوقت، فكل تجربة ناجحة لحكومة برلمانية من شأنه أن يختصر الكثير من الوقت، وأن ينعكس على الدستور بناء على الثقة المتراكمة في التجربة السياسية.
 
كما ويجب أن يتوقف النقاد من خارج الصورة ممن تنقصهم المعلومات وتغيب عنهم التفاصيل عن ممارسة التنظير، وفي حكومات سابقة تجارب لوزراء أتوا من صفوف المنتقدين وخرجوا وهم يدركون مدى التفاوت الهائل بين ما يرونه من بعيد والصورة من الداخل، ولا يجب أن يفهم ذلك بأنه توقف عن النقد، فالنقد ضروري من أجل أن ينفتح الحوار وأن يتواصل وأن يخرج بنتائج، أما النقد الذي يستهدف فقط الظهور والاستيلاء على الأضواء فهو آخر ما يحتاجه المواطن الأردني اليوم.
 
وأخيراً يجب أن تتواصل التحقيقات مع جميع الأشخاص الذين حاولوا أن يستغلوا الموقف لتوتير الساحة الأردنية وزراعتها بألغام الخلاف والشقاق، وأن تكون محاسبة على قدر كبير من الشفافية والشجاعة.