الدستور -
كانت الشعوب البدائية تفسّر ظاهرة خسوف القمر بأن حوتاً ضخماً غير مرئي يبتلعه حين يكون بدراً مكتملاً شهيّاً مثل رغيف ساخن؛ ولهذا كانت تقرع الطبول والأواني والصواني في محاولة دبّ الرعب في نفس الحوت؛ كي تجبره على لفظ القمر، وكانوا ينجحون.
تذكرت بحزن حوت القمر البريء؛ حين نفق 280 حوتاً في خليج تاسمانيا جنوبي أستراليا، في أكبر موجة من هذه الظاهرة في العقود الأخيرة، وقلت على ما يبدو أن سنة الكورونا لن تكتفي بثقلها على أبناء البر، بل ترميه أيضا على أبناء البحر؛ لتثير فينا مزيداً من الأحزان والأشجان.
يصف الإعلام الظاهرة بأنها انتحار جماعي تقوم به هذه الفصيلة من الحيتان، دون أن يقدم لنا تفسيرا مقنعا، بل يبقى الأمر في دائرة النظريات والتكهنات، أو التعليق على حائط الغموض، فعالمنا يتقبل كل غامض برحابة قهر في أحيان كثيرة.
سألني صديقي: إذا كان الحوت من الثديات، ويتنفس الهواء برئة مثل البشر. فلماذا يموت حين يصل الشواطئ؟، ولأني أعرف صديقي، فهو لا يريد أن يسمع كلاماً من نوع أن الحوت قد يموت جفافاً، أو أن أعضاءه تضغط على بعضها، وتتسبب جروحاً داخلية قاتلة، بل أظنه يريدني أن أطلق على سؤاله سؤالاً من نوع: لماذا إذا لا تجنح حيتاننا البرية الشرهة إلى بحبوحة الماء وتموت أحياناً؟
بعض العلماء يقولون إن الحيتان تتلقى ذبذبات آمرة من قائدها؛ لتجنح إلى موتها هكذا بلا أسباب ظاهرة، وآخرن يقولون إنها تعرف أن قرب الشاطئ أسماك كثيرة؛ فتقترب منها وتعلق بفخ الرمل. فيما يرى آخرون أن الجوع ربما يكون سبباً لهذا، أو أن ضجيج التدريبات العسكرية التي تخوضها الجيوش في أعالي البحار، قد يكون سبباً أقوى. فيما ترى نظرية جديدة أن الحيتان عاطفية بطبعها، وتفضل الموت تضامناً مع موت أحدها إذا ما جنح بالخطأ إلى مقبرة الرمل.
رغم أن الحوت تبرّأ علمياً من أنه لا يبتلع القمر المخسوف، وأن السبب وقوعه في ظل الأرض، وهي تدور حول الشمس. رغم هذا، إلا أن ثمة أشياء في عالمنا لن تترجل ولن تنزل عن حائط الغموض وستبقى قيده، ومنها أن حيتان الحرب العالمية الثانية ما زالوا يتمتعون بحق النقض الديكتاتوري في الأمم المتحدة حتى بعد أن وصلت إلى عيدها الماسي.
ومنها أيضا، عدم تعاطف حيتان البر مع بعضهم، حين يهوي حوت من برجه المالي وتأخذه أمواج الموت. ومنها أمور كثيرة فرضتها علينا أزمة كورونا، لا تفسير لها إلا البقاء معلقة على حائط الغموض العجيب.