الغد
يتحدث الجميع عن ضرورة وجود تنظيم لعمل منصات التواصل الاجتماعي خاصة في ظل انتشارها الكبير، وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على الناس، ودخولها في عصب الحياة لمختلف فئات الـمجتمع، والـمشكلة لم تكن في الفكرة، فهي مطروحة بقوة، ولكن فيمن يمتلك الخطة، والقدرة على التنفيذ وجعل الأمر واقعًا تظهر آثاره الإيجابية على الـمجتمعات، ويبدو أننا في الوطن العربي نقترب من هذا الإنجاز، ونتمنى أن يكتمل بالصورة التي نتمناها.
من المفرح أن هناك مقترحاً أردنيًا في هذا المجال قدم لمجلس وزراء الإعلام العرب بدورته السادسة عشرة في الكويت، وجاءت الـموافقة عليه بالإجماع، وقد تضمن هذا المشروع تنظيم «عمل وسائل التواصل الاجتماعي، وقد قدم باعتباره مشروع قانون «استرشادي عربي ينظم عمل وسائل التواصل الاجتماعي ويحمي المستخدمين من المحتوى غير القانوني».
وجاء في الأخبار «اعتمد المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب بدورته السادسة عشرة في الكويت، بالإجماع، الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولية، التي قدمتها المملكة الأردنية الهاشمية خلال اجتماع تشاوري لوزراء الإعلام العرب»، واقترح الأردن خلال ذلك عقوبات يمكن أن تترتب على منصات التواصل الاجتماعي نفسها «تتراوح ما بين 100 ألف دولار و2 مليون دولار أو 6 % من إجمالي عائدات وسيلة التواصل الاجتماعي أيهما أعلى، والحجب المؤقت إلى حين تصويب الـمخالفات».
وعندما نطلع على بنود المقترح الأردني، ونعلق عليه بتجرد، نجد أنه يحقق ما نصبو إليه من ضبط إيجابي لهذه الـمنصات، ولتقليل أخطارها، وتعظيم فوائدها، ولتكون أداة بناء لا هدم في عالمنا العربي الكبير الممتد من الـمحيط إلى الخليج، والملاحظ في هذه الاستراتيجية محاولة حماية القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأطفال والناشئة، وكذلك محاربة خطاب الكراهية، والإخبار الكاذبة.
وتسعى الاستراتيجية الأردنية، إلى حماية القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية من الدعاية السلبية، وحماية الأطفال والناشئة من المحتوى الضار، ومحاربة خطاب الكراهية، والأخبار الكاذبة والاعتداء على الخصوصية، إلى جانب الحفاظ على حق وسائل الإعلام في سوق الإعلان وواجبها في توفير مساحات للنقاش البناء.
وانطلقت هذه الاستراتيجية من أحقية كل دولة بخضوع أي محتوى يبث أو ينشر في فضائها لقوانينها، وهذا حق، ولا يخالف حرية الرأي، فهل إذا بقي الأمر بيد مالكي هذه الـمنصات يحركون العالم كيفما يشاءون وبالطريقة التي يريدونها تبقى هناك مساحة حرية، والتي تبنى في أبسط قواعدها على وجود وسائل إعلام أو بث غير محتكرة في أيدي فئة صغيرة تتحكم بالجميع، وتتمكن من اللعب بالرأي العام كما تشاء بمجرد تغيير بعض خوارزمياتها كما يحدث اليوم في غالبية منصات التواصل الاجتماعي.
أعتقد أن هذه الاستراتيجية ستساعد على ضبط منصات التواصل الاجتماعي، لنصل إلى تعويد الناس على حقيقة أن الـمحتوى مثل الرصاص لا يمكن استخدامه دون ضوابط، وأن من يصنع الـمحتوى الرقمي هو مثل أي إنسان يتحدث أو يتصرف في الواقع، يجب أن تكون لديه حدود، وألا يسيء للآخرين، أو يتصرف وكأنه في برية لا قوانين فيها.
وإذا نظرنا إلى الـمحتوى المخالف، فإننا كإعلاميين سنشعر بالراحة لأن ما تتحدث عنه الاستراتيجية، وما يجب منعه في حالة الـمخالفة، لا يناقض الحريات الإعلامية، فهي مخالفات قانونية مثل الأخبار الكاذبة، وحملات التضليل، ونشر الوثائق الـمزورة، وإقلاق السلم المجتمعي، وتأسيس المنظمات الإجرامية والإرهابية والمتطرفة، وانتهاك الخصوصية بما في ذلك التصوير والنشر، إضافة إلى ما يطالب به الـمجتمع العربي والإسلامي دومًا من منع الـمحتوى الإباحي، أو الاستغلال الجنسي، أو استغلال الأطفال جنسيًا، وفوق ذلك منع الإساءة إلى الحضارة العربية والإسلامية، ناهيك عن عدم ربط الإرهاب بالعرب والمسلمين والترويج للإسلاموفوبيا.
أما الـموضوع الفلسطيني فقد حثت الاستراتيجية على «دعوة شركات الإعلام الدولية المشغلة لوسائل التواصل الاجتماعي للتعاون مع الدول العربية لإنصاف المحتوى الفلسطيني، ومحاربة جميع أشكال الكراهية الرقمية ضد العرب والـمسلمين».
من الواضح أن من قام بكتابة هذه الاستراتيجية راعى ما تحتاجه الـمجتمعات العربية، وحاول التوازن ما بين حرية التعبير والرأي، وما يحمي الناس وخصوصياتها، والأهم من ذلك كله أنه حارب فكرة أن الكيان المحتل له خصوصية تجعله فوق القانون دائمًا، ويعامل بطريقة مختلفة عن الناس الآخرين.
هذه الاستراتيجية قفزة كبيرة للأمام نتمنى أن يتم تطبيقها بعدالة وشفافية، وأن تفرح قلوبنا بهذا التطبيق كما أفرحتنا بمحتواها المريح، أما من يتحدث عن أنها ستكون مثل أي قانون في العالم يتم خرقه بسهولة، فهذا ما لا نتمناه، ونحن ننطلق في مناقشاتنا بما نقرأه، وعند التطبيق لنا حديث آخر، رغم أننا متفائلون بها.
منصات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة لحروب تناحرية لا طائل منها، ويبدو أننا قادمون على أول خطوة تقوم بتنظيمها بطريقة تجمع ما بين متطلبات حرية التعبير، وحاجات الـمجتمعات وأمنها، وهذا بحد ذاته يلبي طموحاتنا إلى حد كبير، ونحن بانتظار التطبيق.