ھآرتس
الغد- في بدایة الثمانینیات، بعد الخدمة العسكریة، عملت مدة سنة في موقع للبناء في جنوب تل ابیب. أنا وشاب آخر كنا الیھودیین الوحیدین في المكان. عشرات العمال كانوا من قطاع غزة، أیضا المسؤول عن العمل كان من غزة.
كان ذلك قبل عقد من اتباع إسرائیل لسیاسة تصاریح العمل في المناطق المحتلة، وكان الفلسطینیون یمكنھم العمل ھنا بشكل حر. لم یكن ینقص التوترات والاستغلال، لكن في المدن
الإسرائیلیة لم تتم اقامة ”غیتوات مع اسوار، وحراس من قبل شركات حمایة خاصة“، والتكنولوجیا والتصنیع لھا لم تدمر. المجال كان مفتوحا، ورغم ذلك لم تتحقق نبوءات الغضب التي یحب شاؤول أریئیلي حدوثھا (”الكونفدرالیة ھي كارثة“، ”ھآرتس“، 2/7 ،(اذا انشئت ھنا كونفدرالیة إسرائیلیة- فلسطینیة بین دولتین مستقلتین، بحیث تكون الحركة بینھما حرة.
لا یجب الذھاب بعیدا في الوقت. في كل یوم، أكثر من 100 ألف فلسطیني من الضفة الغربیة
یمكثون في إسرائیلي لغرض العمل. اذا اضفنا الیھم الـ 400 ألف فلسطیني الذین یقیمون في
القدس ویحملون بطاقات الھویة الزرقاء، سنجد أن نصف ملیون فلسطیني من المناطق المحتلة
(بما فیھا شرقي القدس) یتحركون داخل حدود إسرائیل السیادیة كل یوم، ھذا دون أن نأخذ في
الحسبان الـ 8.1 ملیون فلسطیني من عرب إسرائیل، كما كتب اریئیل نفسھ، یعیش الكثیرون في بلدات تنتمي إلى العناقید الاجتماعیة – الاقتصادیة المنخفضة. وما یزال لا یوجد في إسرائیلي ”غیتوات مع اسوار“ ولا أي شيء مما وصفھ أریئیلي.
ولكن إلى جانب محاولات التخویف التي للاسف الشدید ترافق أیضا التشھیر الجماعي بالفلسطینیین، الذین یوصفون كمن سیرفعون بشكل دراماتیكي مخالفات السرقة والمخدرات، یوجد ھنا نقاش جوھري حقیقي بین من یعتقدون أن الفصل الحاد بین الإسرائیلیین والفلسطینیین،
نحن ھنا وھم ھناك، والطرد وما اشبھ، ھو الحل للنزاع وبین من یعتقدون مثلنا في حركة ”ارض للجمیع“ أن الحل یوجد بالضبط في الشراكة بین دولتین مستقلتین، إسرائیل وفلسطین، وبین شعبین یعیشان ھنا.
رؤیتنا لم تولد من الافتراض بأنھ لم یعد بالإمكان اخلاء أكثر من 100 ألف إسرائیلي من الضفة.
نحن، فلسطینیون وإسرائیلیون، انطلقنا لأننا نعترف بأن العرب والیھود یعیشون في امتزاج في كل انحاء البلاد، في إسرائیل السیادیة، في القدس بأجزائھا التي تم ضمھا وفي الضفة. والاھم من ذلك ھو أننا نعترف بأن الشعبین، الیھودي والفلسطیني، نرى في البلاد كلھا، نابلس مثل رعنانا، جنین مثل حیفا، وطنھم. في ھذا الواقع الدیمغرافي والعاطفي الفصل غیر ممكن.
ھو أیضا غیر مرغوب فیھ وھو فقط یعمق خطاب الشك والكراھیة. حتى یوسي بیلین توصل إلى ھذا الاستنتاج: ”الیسار لا یؤید الفصل باعتباره ایدیولوجي“. وقد قال في مؤتمر ”ارض للجمیع“ قبل بضعة اشھر ”بأثر رجعي، أعتقد أن معسكر السلام، ساھم بنصیبھ في زیادة العداء، وفي مقولة ”ھؤلاء أناس آخرون، نحن لا یجب أن نكون اصدقاءھم“.
الحدیث لا یدور عن أمر نظري. فكرة الفصل تجد صعوبة كبیرة في مواجھة ثلاث عقبات ھامة: اللاجئون، المستوطنون والقدس. أریئیلي نفسھ یدرك ذلك. بخصوص اللاجئین الفلسطینیین ھو فعلیا یرفض أي عودة إلى داخل حدود إسرائیلي وبذلك یتصادم مع الروح الاساسیة للحركة القومیة الفلسطینیة. وبخصوص المستوطنین أریئیلي یقول إن لدیھ صیغة لاخلاء ”30 ألف عائلة“، لكن ”صحیح حتى الآن أنھ لا توجد امكانیة سیاسیة لتحقیق سیناریو ُ كھذا“، أما بالنسبة للقدس فیقول إنھ ”ھناك حاجة إلى أن یضم فیھا عدد من العناصر الكونفدرالیة“.
بكلمات اخرى، بالنسبة لقضیة اللاجئین لا توجد لدى أریئیلي اجابة. وبالنسبة لموضوع
المستوطنین لیست لھ اجابة، ولكن لیس لھا احتمالیة سیاسیة. وبالنسبة للقدس – كونفدرالیة ھي
بالذات الحل. ھل ربما یمكن ایجاد حل اكثر اكتمالا، یتعلق بكل المشكلة ولیس فقط بجزء منھا؟
أریئیلي ینھي مقالھ باقتباس من تقریر لجنة الامم المتحدة في العام 1947 ،الذي نص على ”من
بین كل الاقتراحات، التقسیم ھو الاكثر عملیة“. من المؤسف أن أریئیلي لم یواصل الاقتباس من ھذا القرار الذي تم اتخاذه في الامم المتحدة في اعقاب ھذا التقریر، الذي اسمھ الكامل ھو ”خطة
تقسیم واتحاد اقتصادي“. القرار تحدث عن تقسیم سیاسي، لكن أیضا عن دولتین تقیمان بینھما شبكة علاقات وثیقة جدا، بحیث یكون من السھل تسمیتھا كونفدرالیة. مثلا، الدولتان سیكون علیھما انشاء ”اتحاد اقتصادي“، یشمل نظام واحد للضرائب، عملة مشتركة، قطارات، شوارع، موانئ بریة وبحریة، للتمكین من ”حریة التنقل“، في حین تكون القدس ”جسم منفصل“ یدار من قبل حاكم للامم المتحدة وبواسطة انتخابات حرة یشارك فیھا كل سكان المدینة.
فكرة ”ارض للجمیع“ تشبھ جدا الفكرة الموجودة في ”خطة التقسیم والاتحاد الاقتصادي“ التي یمتدحھا أریئیلي. دولتان مستقلتان وسیادیتان، تقیمان بینھما شبكة علاقات وثیقة، مؤسسات مشتركة، حریة حركة وما أشبھ. من اجل ذلك لا حاجة إلى ”معاییر علمیة“، كما یقترح أریئیلي.
من اجل ذلك نحن بحاجة إلى ارادة سیاسیة، فھم الواقع، الایمان والأمل. ھذا ما نقترحھ نحن.