عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-May-2019

بوتقة الصهر انتصرت - رامي لفني
ھآرتس
 
بسبب الفجوات غیر المحتملة التي فتحت بینھم، حسب رأي روغل الفر، ھو یدعو دولة تل ابیب
الى الانفصال عن دولة اسرائیل والاستقلال عنھا (ھآرتس، 5/19 .(ھو لیس الوحید الذي طرح
افكارا كھذه عن الاستقطاب الذي یصعب جسره بین قسمي المجتمع الاسرائیلي – الیمین المتدین
المحافظ والیسار العلماني – اللیبرالي، وھو وضع وجد مصادقة نھائیة في الانتخابات.
عند قراءة ھذه الامور لا استطیع عدم التساؤل ھل الفر وأنا نعیش في نفس المكان، أن اسرائیل
التي اعیش فیھا، وكلما مر الوقت لا سیما في سنوات نتنیاھو – الذي لم یفھم في أي یوم لماذا
یقولون إنھ مسؤول عن تحریض مجموعات ضد بعضھا – تتحول لتصبح بالذات متجانسة اكثر
ومتماسكة اكثر وموحدة. الفروق بیننا تتضاءل. بوتقة الصھر انتصرت. صحیح أنھ لیس فرن صھر
لحركة العمل الذي اراد تعالیا وتغییرا ذاتیا رادیكالیا، بل فرن الصھر الحقیقي الذي فیھ كل الطبقات
جذبت الى القاسم المشترك الاصغر الذي یتمثل بالقومیة المتطرفة – التدین – المال – الثقافة
الھابطة، ایضا ھذا صھر.
الاسرائیلیون تحولوا لیصبحوا متشابھین بصورة مدھشة. والانقسامات الثقافیة التي فرقتھم في
السابق آخذة في التلاشي. لیس ھناك أبدا ما یمكن مقارنتھ بعمق الانقسام السیاسي والتوتر
الاجتماعي بین الیمین والیسار، بین العلمانیین والمتدینین، بین الاشكناز والشرقیین، بین النخب
والجمھور، التي كانت ھنا في التسعینیات مثلا حول اتفاقات اوسلو مع الانقسام الذي یوجد في
ایامنا. في ذلك الوقت اسرائیل في الحقیقة كانت تنقسم الى معسكرین متخاصمین، الذي انتھى كما نذكر، بقتل رئیس الحكومة.
انتخابات 2019 التي تنافس فیھا الیمین ضد الوسط – یمین عبرت عن تشابھ ایدیولوجي تاریخي
بین الكتل، كبر غطاء الاجماع والغاء أي نقاش حقیقي في مسائل ذات یوم قسمت المجتمع مثل
النزاع مع الفلسطینیین أو تجنید الحریدیین. جمیعھم (تقریبا) یعتقدون أن اسرائیل لا یجب علیھا
السعي الى اتفاق سلام في المدى القریب. جمیعھم (تقریبا) على قناعة بأنھ لا یوجد شریك. جمیعھم (تقریبا) یؤیدون سیاسة صقوریة ضد ایران وضربات شدیدة على غزة، ویعتقدون أن اوروبا
لاسامیة ویؤیدون ترامب. جمیعھم (تقریبا) مع اخراج مواطني اسرائیل العرب من اللعبة السیاسیة.
وفقط قلائل، رغم صرخات الیسار، مصدومون من تھدیدات سحق الدیمقراطیة. جمیعھم بالاجمال
یعتقدون أن نتنیاھو رئیس حكومة جید، باستثناء الرشوة. ھذا لا یعتبر شرخا، ھذا تقریبا انسجام.
ھویتنا ایضا تحولت لتكون موحدة أكثر ومتصالحة اكثر. الصراع النظري القدیم بین الیھودیة والاسرائیلیة آخذ في التلاشي لصالح صیغة تربط بین الیھودیة والاسرائیلیة – الامر الذي لا یناقض بالضرورة اللیبرالیة. ھناك ابحاث تظھر بشكل واضح أن الاسرائیلیین، بمن فیھم المتدینون وقسم من الحریدیین اصبحوا اكثر لیبرالیة في كل ما یتعلق بحریة الفرد ومكانة المرأة والمثلیین وما أشبھ. وفي نفس الوقت المجتمع الاسرائیلي جمیعھ اصبح أقل علمانیة في كل ما یتعلق بجذور ھویتھ وطبیعة الدولة.
إن ما یطفو على السطح كفروق عمیقة بین قسمي الجمھور ھو بدرجة كبیرة فروق دقیقة وجذریة.
ازالة العبء عن العلمانیین الذین یرفضون الوضع القائم، الذي رتب العلاقة بین الدین والدولة (فتح
الدكاكین ایام السبت) ھو صورة تظھر الفوضى الحریدیة فیما یتعلق بالمملكة. سیاسة الھویات
العصریة في تل ابیب ھي انعكاس لما بعد الحداثة لقبلیة المحیط. كل القطاعات لدیھا أمور مزعجة
الى درجة الھوس في الأكل، سواء قدیمة مثل الأكل الحلال، أو جدیدة مثل النباتیین. ولكنھم جمیعا
متأكدون أن الطعام ھنا رائع. جمیعھم یشاھدون نفس المسلسلات ویتحدثون نفس اللھجة. جمیعھم
أصیبوا بالجنون من الاورفزیون لأن الابتذال لیس عكس العرقیة المركزیة، بل ھما انعكاسان متكاملان. جمیعھم مدمنون على اغاني الواقع والرقص الشرقي. جمیعھم نسوا منذ زمن ما ھي الموسیقى الحقیقیة. وجمیعھم یوافقون على أن الاكثر اھمیة ھو أن تفرح وتنفعل.
صورة اسرائیل واضحة ومتماسكة أكثر من أي وقت مضى. دولة غربیة من حیث مستوى الحیاة،
وشرقیة في الثقافة وترتیبات الحكم. ھذا ما اختاره الشرقیون، وغالبیتھم الساحقة مسرورة من اختیارھا. تل ابیب لا یمكنھا أن تنفصل عن بئر السبع وعن القدس، لأنھا ھي بئر السبع والقدس التي تنقصھا المسارات للدراجات.