تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2018 يحمل انتقادات شديدة لـ«القيود الفروضة على الصحافة وحرية التعبير» في المغرب
محمود معروف
الرباط – «القدس العربي»: ما إن تنتهي مواجهة للمغرب مع هيئة أو منظمة حقوقية إلا ويجد أمامه تقريراً دولياً جديداً يحمل انتقادات قاسية لتدبير السلطات لملفات حقوق الإنسان والحريات والصحافة وترسم صورة سوداء حول الوضع القائم الذي لا يراه المسؤولون المغاربة، بل والمراقبون المحايدون، بهذه السوداوية، وإن كانت هناك مخاطر حول انتاكاسات وتراجعات قد تعرفها خلال السنوات القادمة على ضوء ما كانت عليه بعد الانفتاح المغربي الواسع ونصفية تركة سنوات (1958-1999) التي يطلق عليها «سنوات الرصاص» وما تعرفه البلاد منذ عدة سنوات من انتهاكات، وإن كانت ليست ممنهجة لكنها تهدد ما حققه المغرب نظرياً (نصوصاً قانونية ودستورية أو توقيع اتفاقيات دولية).
آخر التقارير الذي «سود» الصورة المغربية كان تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، وذلك بعد تقارير منظمات «هيومان رايتس»، و»العفو الدولية» (امنستي)، و»هيئة مناهضة الاعتقال التعسفي» التابعة للأمم المتحدة.
وحمل التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2018 انتقادات شديدة لـ»القيود» المفروضة على الصحافة وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي بالمغرب ومحاربة الفساد.
*فرض عقوبات
وقال التقرير الذي جاء في 38 صفحة، إنه بالرغم من تنصيص الدستور المغربي على حرية التعبير، لكن التعاطي مع بعض المواضيع الحساسة مثل الإسلام والملكية يمكن أن يجر صاحبه إلى القضاء، حيث تتراوح العقوبات بين الغرامات والسجن، ذلك أن السلطات تستخدم مجموعة من الآليات المالية والقانونية لمعاقبة الصحافيين المنتقدين، حيث «تم تغريم اثنين من الصحافيين بموجب قانون الصحافة خلال العام الماضي، مقارنة بثلاثة في عام 2017، فيما توبع بالقانون الجنائي الصحافيان توفيق بوعشرين (مؤسس ومدير صحيفة «أخبار اليوم» المحكوم عليه بالسجن 12 سنة نافذة، وحميد المهداوي مدير موقع «البديل» المتوقف عن الصدور، المحكوم عليه بالسجن 3 سنوات»، وقالت الخارجية الأمريكية، في تقريرها، إنه في 26 حزيران/ يونيو، حكمت المحكمة الجنائية في الدار البيضاء على حميد المهداوي رئيس تحرير موقع «بديل»، بثلاث سنوات سجناً وتغريمه 3000 درهم (315 دولاراً) لعدم الإبلاغ عن تهديد للأمن القومي، على خلفية حراك الريف و»على الرغم من أن المهداوي كان صحفيًا معتمدًا، فإنه حوكم وفقًا لقانون الجنائي وليس بقانون الصحافة»، حيث زعمت السلطات أن المهداوي تلقى معلومات من شخص كان ينوي تهريب الأسلحة إلى المغرب لاستخدامها في الاحتجاجات، لكن المهداوي لم يبلغ، فيما نفى دفاع المهداوي هذه التهم والادعاءات، وقال إنه حتى ولو حدث أن المهداوي توصل بهذه المعلومات، فإنه ليس هناك حاجة للإبلاغ لأن المهداوي كان يعلم أن حدوث تلك الأفعال مستحيل، لتهريب الأسلحة».
واستند التقرير إلى أرقام صادرة عن وزارة الاتصال أشارت فيها إلى أن 28 صحفياً واجهوا تهمًا خلال عام 2018 بموجب قانون الصحافة، ويعود ذلك في معظمه إلى الشكاوى المتعلقة بالتشهير ونشر معلومات كاذبة وعدم احترام الحياة الخاصة.
وانتقد التقرير الحكم الصادر ضد محامي معتقلي حراك الريف «عبد الصادق البوشتاوي» الذي حكمت عليه المحكمة الابتدائية في الحسيمة بالسجن لمدة 20 شهرًا ، بتهم إهانة المسؤولين وممثلي السلطة أثناء تأديتهم لواجبهم، والتحريض على ارتكاب جرائم، والتحريض العلني عبر Facebook للمشاركة في الاحتجاجات والمشاركة في الاحتجاجات غير المصرح بها.
وتطرق إلى أوقات الانتظار الطويلة التي يحتاجها الصحفيون للحصول على الاعتماد بموجب قانون الصحافة لعام 2016، معتبراً أن الصحافيين المقربين من الحكومة والقصر» تلقوا بطاقة الصحافة في وقت قصير مقارنة مع الصحافيين المستقلين مثل موقعي «يا بلادي» و»لوديسك» اللذين حرم مدراؤهما من البطاقات الصحافية التي تأخرت لمدة سبعة أشهر، وبعد إثارة الموضوع عبر تغريدة على “تويتر” أصدرت الحكومة بطاقات لهم بعد يومين عندما تدخل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني واجتمع مديرا الموقعين بمسؤول بوزارة الاتصالات وحل بعدها المشكل.
وأشار التقرير إلى الحكم الصادر ضد «عبد الكبير الحر» مؤسس ورئيس تحرير موقع “رصد”، والذي أدين بالسجن أربع سنوات بتهم مختلفة من بينها التحريض على مظاهرات غير مرخصة، وإهانة السلطات العمومية، حيث أكدت السلطات أن الحر لم يكن صحفياً مسجلاً في عام 2017 أو 2018 وحاكمته بموجب القانون الجنائي.
التضييق على الصحافيين الأجانب
وأكد التقرير أن السلطات فرضت إجراءات صارمة اتجاه الصحافيين الأجانب الذين يحتاجون إلى موافقة وزارة الاتصال للدخول والعمل في البلاد، لكنهم لم يحصلوا عليها دائمًا، حيث طردت السلطات 3 صحافيين دوليين على الأقل خلال العام الماضي بسبب عدم توفرهم على اعتماد.
وتطرق التقرير إلى محاكمة أعضاء «الجمعية المغربية للصحافة التحقيق» (امجي)، ومن بينهم هشام المنصوري والمعطي منجب، اللذان تتأجل محاكمتهما منذ عام 2015، وتم اتهامهم بتلقي أموال أجنبية مخصصة لأعمال تهدد الأمن الداخلي والسلامة الإقليمية للمغرب، وإدارة جمعية تمارس أعمالًا غير مصرح بها، وقبول أموال أجنبية غير مصرح بها، وبالرغم أن أعضاء الجمعية ظلوا أحرارًا ولكنهم أبلغوا عن مصاعب عديدة تعرضوا لها بسبب القضية التي ما زالت مفتوحة.
وأكد التقرير أن بعض الصحافيين أقروا بتعرضهم للمضايقة والترهيب، بما في ذلك محاولات لتشويه سمعتهم من خلال شائعات ضارة عن حياتهم الشخصية وأن الرقابة الذاتية والقيود على المواضيع الحساسة تبقى عقبات خطيرة أمام تطوير صحافة حرة ومستقلة بالمغرب، فيمكن للسلطات أن تصادر المنشورات التي تنتهك ما يسمى بالنظام العام أو تنتقد الإسلام أو المؤسسة الملكية، حيث فرضت غرامات باهضة على بعض وسائل الإعلام.
وأشار التقرير إلى قيام وزارة الثقافة والاتصال بسحب 25 كتابًا من المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، بدعوى أنها تضمنت محتوى يسيء إلى الأديان، أو لأنها تضمنت صوراً وخرائط مجتزأة للمغرب ولم تضمنها «الصحراء الغربية» كجزء من البلاد.
وشدد على أن السلطات لم تعرقل الوصول إلى الإنترنت، لكن تسمح بعض القوانين، مثل قانون الإرهاب، في تصفية بعض المواقع الإلكترونية، إضافة إلى أن صرف أموال الإشهار والإعلانات يتم بطريقة غير عادلة، والرقابة الذاتية والمحاكمات المستمرة للصحافيين حالت دون ظهور بيئة إعلامية نشطة على الإنترنت بالمغرب إلى جانب محاكمة الأفراد بسبب تعبيرهم عن آراء أيديولوجية معينة عبر الإنترنت، خاصة فيما يتعلق بالاحتجاجات في منطقة الريف.
حرية التجمع السلمي
وأكد التقرير أن السلطات المغربية حدت من حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وتدخلت قوات الأمن في بعض الأحيان لفض بعض المظاهرات واعتبر المسؤولون أنها تشكل تهديدًا للأمن العام. إذ بالرغم من أن القانون ينص على الحق في التجمع السلمي، تحتاج مجموعات من أكثر من ثلاثة أشخاص إلى إذن من وزارة الداخلية للاحتجاج علانية، واشتكت بعض المنظمات غير الحكومية من أن السلطات لم تعط عملية الموافقة بشكل ثابت واستخدمت التأخيرات الإدارية وغيرها من الوسائل لقمع أو عرقلة التجمع السلمي غير المرغوب فيه، وإنه بالرغم من أن السلطات سمحت بالعديد من الاحتجاجات للمطالبة بالإصلاح السياسي والاحتجاج على تصرفات الحكومة، ولكن في كثير من الأحيان فرقت الاحتجاجات السلمية بالقوة أو منعت المظاهرات.
وانتقد التقرير طريقة التعامل مع الاحتجاجات في جرادة التي نظمت فيها 300 مظاهرة وشارك فيها حوالي 55000 شخص، وأدى التدخل الأمني فيها إلى إصابة 29 مدنياً و247 من أفراد قوات الأمن في أعمال عنف اندلعت خلال التدخلات، بما فيها دهس قاصر عبر سيارة شرطة والتسبب له بجروح خطيرة، إضافة إلى اعتقال 94 شخصاً على خلفية احتجاجات جرادة من ضمنهم قاصرون، والحكم عليهم بأحكام سجنية نافذة.
وتطرق التقرير إلى الأحكام الصادر في حق معتقلي حراك الريف، التي وصلت كما هو الحال مع قائد الحراك ناصر الزفزافي وثلاثة من رفاقه، إلى عشرين سنة سجناً نافذاً والتضييق على الجمعيات، وأنه بالرغم من أن الدستور ينص على حرية تكوين الجمعيات، فإن السلطات تقيد هذه الحرية في بعض الأحيان، إذ منعت العديد من الجمعيات من وصول التأسيس، إلى جانب القيود المفروضة على التمويل؛ فالرغم من أن السلطات لا تقيد مصدر تمويل المنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد، لكنها تلزم التي تتلقى تمويلًا من مصادر أجنبية بالإبلاغ عن المبلغ وأصوله في غضون 30 يومًا من تاريخ الاستلام، كما عاقبت السلطات العديد من الجمعيات التي تنتقدها من خلال حرمانها من الوصولات، وأعطى التقرير المثال بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
التعذيب
وكشف تقرير الخارجية الأميركية وقائع استمرار اتهام رجال الشرطة بالتعذيب، واتهامات باعتقال أشخاص لاعتبارات سياسية، وتجريم إثارة مواضيع مرتبطة بالثوابت، فضلاً عن تجريم المثلية الجنسية. ورغم نفي السلطات المغربية وقوع عمليات تعذيب، إلا أن التقرير الأمريكي نقل أن إدارة الشرطة أقرت بالتحقيق في 3 اتهامات لرجال شرطة بالتعذيب خلال العام الماضي.
وقالت الخارجية الأمريكية إن حالة حقوق الإنسان في المغرب «شملت مزاعم بالتعذيب من قبل بعض الأفراد على الرغم من أن الحكومة أدانت هذه الممارسات وبذلت جهوداً كبيرة للتحقيق في التقارير التي تصدرها المنظمات غير الحكومية قصد معالجتها»، وأن «أمثلة متابعة أو مقاضاة المسؤولين المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان تظل قليلة في المغرب، سواء في أجهزة الأمن أو في أي مواقع حكومية أخرى؛ وهو ما يسهم في انتشار حالات الإفلات من العقاب».
واستدل التقرير، على الرغم من أن القوانين المغربية والدستور يمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بتصريحات صادرة عن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، عن وقوع حالات التعذيب في البلاد دون موافقة الحكومة عليها.
وقالت الخارجية الأمريكية إن المغرب لا يعترف بوجود سجناء بناء على مواقفهم السياسية، بناء على معطيات صادرة عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول سجن أشخاص بسبب مواقفهم السياسية أو معتقداتهم الدينية تحت غطاء التهم الجنائية، واتهمت السلطات المغربية بالتدخل التعسفي وغير القانوني في خصوصية الأفراد والبيوت والمراسلات، «على الرغم من إقرار الدستور المغربي بأن منزل الفرد مصون وأنه لا يجوز إجراء أي بحث إلا بموجب أمر تفتيش، فقد دخلت السلطات في بعض الأحيان إلى المنازل دون إذن قضائي، أو تتم مراقبتها دون إجراءات قانونية، أو مراقبة التنقل الشخصي والاتصالات الشخصية، بما في ذلك البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو غيرها من الاتصالات الرقمية».
من جهة أخرى، قال التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2018 ، إن الفساد مستمر في المغرب والإجراءات المتخذة للقضاء عليه غير كافية، وأضاف أنه بالرغم من تنصيص القانون على عقوبات جنائية في قضايا الفساد، لكن السلطات المغربية لم تطبق القانون حيال قضايا الفساد بشكل فعال، ذلك أن عدة مسؤولين متهمين في قضايا فساد يبقون بدون عقاب. وقال إن الفساد مشكلة مستمرة في المغرب مع عدم كفاية الضوابط والإجراءات المتخذة للحد منه.
وقدم التقرير أرقاماً ومعطيات لوزارة العدل، تشير فيها إلى اتهام 134 موظفًا حكوميًا بالفساد خلال العام الماضي، حيث تم التحقيق مع 121 منهم وأدين 13 بتهمة الفساد نقلت عن وزير العدل محمد أوجار أنه بين خلال الربع الثالث من 2018 أدى الخط الساخن للنيابة العامة إلى الكشف عن أن 31 قضية فساد تم إدانة بعض المتورطين فيها بعقوبات سجنية، وأن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أكد إلقاء القبض على مسؤولين في الدولة بعد أن أطاح بهم الخط الساخن لتورطهم في قضايا الفساد والاختلاس.
وأوضح التقرير أنه في عام 2015، اعتمد البرلمان قانونًا يمنح المجلس الأعلى للحسابات سلطة إلزام المؤسسات الحكومية بالامتثال لتحقيقات مكافحة الفساد، كما يشترط القانون على القضاة والوزراء وأعضاء البرلمان تقديم بيانات حول ممتلكاتهم الخاصة إلى مؤسسة التدقيق العليا، ووفقًا لتقارير مجموعة من المنظمات غير الحكومية ، فإن العديد من المسؤولين لم يقدموا هذه التصريحات، كما لا توجد عقوبات جنائية أو إدارية فعالة اتجاه رافضي التصريح بالممتلكات.