عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Nov-2025

"الحوكمة الحزبية".. هل تسهم بصمود الأحزاب؟

 الغد-جهاد المنسي

 أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب عن اعتماد معايير جديدة للحوكمة الحزبية، بهدف تعزيز المؤسسية والشفافية داخل الأحزاب.
 ومع ذلك، يطرح الشارع السياسي تساؤلات حول مدى قدرة هذه الخطوة على دعم صمود الأحزاب واستدامتها، خاصة في ظل الانسحابات والاندماجات المتكررة التي تشهدها الساحة الحزبية، والتي تعكس هشاشة في البنية التنظيمية وضعفا في الحضور الشعبي.
 
 
وأوضحت الهيئة أن معايير الحوكمة تمثل "خريطة طريق لتصويب أوضاع الأحزاب" وتستند إلى مبادئ الإدارة الرشيدة والشفافية المالية والديمقراطية الداخلية.
وتتضمن المعايير جملة من الضوابط، أبرزها إلزام الأحزاب بوضع أنظمة داخلية واضحة، وتنظيم انتخاباتها الداخلية، وتشكيل هيئات للفصل في النزاعات، بالإضافة إلى تعزيز تمثيل النساء والشباب وذوي الإعاقة في مواقع صنع القرار.
وأكدت الهيئة أن الهدف من هذه المعايير هو تحويل الأحزاب من كيانات شكلية إلى مؤسسات سياسية فاعلة، قادرة على إدارة شؤونها بوضوح ومساءلة، بما يتماشى مع الرؤية الملكية للتحديث السياسي التي تشدد على ضرورة بناء حياة حزبية حقيقية تقود الحكومات البرلمانية مستقبلا.
ويرى مراقبون أن العديد من الأحزاب ما تزال تعاني ضعفا في الهياكل الداخلية وغياب النشاط الميداني، إلى جانب شح الموارد المالية وضعف الثقة الشعبية، وهي عوامل تجعل تأثير معايير الحوكمة مرهونا بقدرة تلك الأحزاب على التكيف مع متطلبات الإصلاح الحقيقي.
ويرى الدكتور زيد العتوم، القيادي في حزب مبادرة، أن معايير الحوكمة تمثل أحد أهم مفاتيح الإصلاح الحزبي الحقيقي.
 وأشار إلى أن "أحد أهم أسباب الانسحابات التي تشهدها الأحزاب وفقدان الثقة بها هو غياب معايير الحوكمة والشفافية والرقابة المتوازنة داخلها".
 ويضيف أن "غياب هذه المعايير يؤدي غالبا إلى تسلط مجموعة محددة على عملية صناعة القرار، وهو ما يتنافى تماما مع الغاية من وجود الأحزاب التي يُفترض أن تقوم على القيادة الجماعية والتشاركية".
 وأشار إلى أن "حزب مبادرة من أوائل الأحزاب التي تبنّت معايير صارمة في الحوكمة لضمان التوازن وفصل السلطات داخل الحزب، ولتجويد عملية اتخاذ القرار، بما يجعل القرارات نابعة من رأي جماعي وجهود مشتركة بين القيادات، ويخفف من حدة التجاذبات الداخلية ويحد من ظاهرة الانسحابات".
يؤكد النائب السابق والقيادي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الدكتور أمجد آل خطاب، أن تطبيق معايير الحوكمة "يُمثّل خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية والديمقراطية وترسيخ العمل الحزبي المؤسسي".
 وأشار إلى أن الإصلاح الحزبي لن يتحقق دون تطوير آليات اتخاذ القرار وتقوية الرقابة الداخلية.
 ويعد آل خطاب أن المعايير الجديدة خطوة مهمة لتنظيم العمل الحزبي، لكن نجاحها يتطلب شراكة حقيقية بين الهيئة والأحزاب.
 وأوضح أن الرقابة ضرورية لضمان النزاهة، لكن الأهم هو أن تشعر الأحزاب بأنها شريك في صياغة المستقبل السياسي، وليس مجرد طرف خاضع للمراقبة.
 وشدد على أن تطبيق الحوكمة يستلزم وعيا حزبيا ومناخا عاما يدعم التعددية ويشجع العمل الجماعي.
ويرى رئيس كتلة حزب الميثاق الوطني النيابية، النائب د. إبراهيم الطراونة، أن "العمل ضمن معايير الحوكمة خطوة إيجابية تصب في مصلحة الأحزاب والعملية السياسية ككل".
 وأشار إلى أن "الانسحابات أو الاستقالات حالة ديمقراطية طبيعية تحدث حتى في أعرق الديمقراطيات حول العالم، لكن المهم هو أن تبقى الأحزاب قادرة على تجديد نفسها والمحافظة على التوازن الداخلي".
ورغم أهمية هذه الخطوة، يواجه المشهد الحزبي تحديات جوهرية؛ فبحسب مصادر سياسية، تزايدت حالات الانسحاب من بعض الأحزاب خلال الأشهر الماضية، بينما لجأت أخرى إلى الاندماج لتقوية حضورها القانوني والتنظيمي.
وتؤكد الهيئة المستقلة للانتخاب أن هذه المعايير جاءت لتعزيز الثقة العامة بالأحزاب، وتوفير بيئة تتيح لها العمل بشفافية واستقلالية، مشيرة إلى أن "تطبيق مبادئ الحوكمة من شأنه أن يرسّخ الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، ويمنح أعضائه شعورا بالمشاركة الحقيقية، ما يسهم في الحد من الانقسامات والانسحابات".
 وينظر الكثيرون إلى المعايير الجديدة باعتبارها ستضع الأحزاب أمام اختبار حقيقي: إما أن تتحول إلى مؤسسات ديمقراطية فاعلة، أو أن تكشف ضعفها البنيوي.
ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تبدو معايير الحوكمة بمثابة اختبار مبكر لقدرة الأحزاب على الصمود والتأقلم؛ إذ يبقى نجاح هذه الخطوة مرهونا بمدى الجدية في التطبيق، وبقدرة الدولة والأحزاب معا على توفير بيئة سياسية داعمة تكرّس الثقة العامة بالأحزاب، كركيزة أساسية في مشروع التحديث السياسي الذي تمضي به المملكة بثبات.