عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Oct-2025

غزة لديها هدنة.. والآن تحتاج فلسطين إلى تقرير المصير

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جون فيفر* - (فورين بوليسي إن فوكَس) 16/10/2025
ستواصل إسرائيل تقويض الأسس المادية لقيام دولة فلسطينية من خلال إقامة مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة، ومنع بروز فاعلين سياسيين موثوقين داخل المجتمع الفلسطيني، والإبقاء على جميع مفاصل القوة الأساسية في يد جيش الاحتلال أو جهات خارجية.
 
 
في الأسابيع الأخيرة، عاد جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء الذين كانت تحتجزهم "حماس" إلى إسرائيل، واجتمع العائدون العشرون بعائلاتهم المنتشية بالفرح. من المدهش أنهم ما يزالون على قيد الحياة بعد أكثر من عامين على قيام "حماس" وحلفائها بأسرهم مع نحو 230 شخصاً آخرين عقب هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وقد نجا هؤلاء من عامين من الأسر، ومن الحرب، ومن الحرمان. نجوا بينما مات رهائن آخرون أثناء الغارات الإسرائيلية. ونجوا في حين قتلت قوات الدفاع الإسرائيلية ما لا يقل عن 67.000 فلسطيني -أكثر من 80 في المائة منهم من المدنيين، وفقاً لمعلومات سربتها مصادر إسرائيلية- خلال عامين من الهجمات الجوية والبرية الوحشية.
صحيح أن بقاء هؤلاء العشرين على قيد الحياة هو شهادة على صمودهم، لكنه يعود أكثر إلى قيمتهم. كان الرهائن هم الأصل الوحيد الذي تستطيع "حماس" مبادلته مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، ووقفٍ لإطلاق النار ينهي الحرب، واتفاقٍ يضمن قيام دولة فلسطينية.
أفرجت إسرائيل عن 2.000 أسير فلسطيني مقابل هؤلاء الرجال العشرين وأكثر من عشرين من جثامين الرهائن القتلى. كما أوقفت قصفها لغزة (على الرغم من أنها ما تزال تقتل أشخاصاً على الأرض بدعوى انتهاك وقف إطلاق النار). وانسحبت قوات الدفاع الإسرائيلية من بعض الأراضي التي كانت تحتلها في غزة. ومع ذلك، ما تزال إسرائيل تقيّد دخول المساعدات إلى القطاع لمعاقبة الغزيين، لأن "حماس" لم تُعِد بعد جميع جثث الرهائن القتلى (التي قد تكون بحوزة فصائل أخرى أو مدفونة عميقًا تحت الأنقاض).
لم يبق لدى "حماس" تقريباً أي شيء. صحيح أنها نجت هي الأخرى، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد وعد بألا ينهي الحرب قبل أن يقضي على "حماس". ولكن، من دون الرهائن كورقة للتفاوض، لم تعد الحركة تملك أي وسيلة ضغط لإجبار الجيش الإسرائيلي على التنازل عن مزيد من الأراضي أو لضمان عدم استئناف الحكومة الإسرائيلية قصف غزة. أما الدولة الفلسطينية فما تزال بعيدة المنال بعد صفقة تبادل الرهائن هذه، كما كان حالها دائمًا منذ سنوات طويلة.
الآن لا يقترب الفلسطينيون خطوة من تقرير مصيرهم. غزة ما تزال خراباً؛ والضفة الغربية يلتهمها المستوطنون الإسرائيليون تدريجياً. وسواء كان الذي سيدير القطاع الحكومة الإسرائيلية، أو قوة دولية لحفظ السلام، أو سلطة إعادة إعمار ما بعد الحرب في غزة برئاسة دونالد ترامب (وهو شيء فظيع حقاً)، فإن مصير فلسطين ما يزال مرهوناً بأيدي الآخرين.
المستقبل القريب
مع أن ترامب، في خطابه الانتصاري أمام الكنيست الإسرائيلي، اعتبر اتفاق السلام أمراً مسلّماً به -وتحدث بتفاخر عن صفقة سلام تشمل المنطقة بأسرها- فإن المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتفقوا بعد على الخطوات التالية بشأن غزة. وليس من المستغرب أن "حماس" تريد البقاء فاعلة سياسياً. ولهذا السبب رفضت التخلي عن أسلحتها عندما لم يتبقَّ من قوتها المتضائلة سوى ذلك. وتريد إسرائيل نزع سلاح "حماس" بالكامل وألا يكون للحركة أي مستقبل سياسي، وهو ما سيجعلها مجرد فرقة كشافة صغيرة. وقد هدد ترامب بنزع سلاح "حماس" بالقوة، وهو ما يبدو أشبه بعودة الصراع المسلح.
ولكن، من هو الذي سيتولى إدارة غزة إذن؟
تتضمن خطة ترامب ما يصفه بأنه "لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية، تكون مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة والبلديات اليومية لسكان غزة". بعبارات أخرى، يريد ترامب تنصيب مجموعة من الموظفين الإداريين الذين لا يطمحون إلى أكثر من جمع القمامة وتشغيل المستشفيات. أما إسرائيل، فلا تريد شيئاً يشبه الدولة الحقيقية التي قد تتحد مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، أو تطوّر اقتصاداً مستداماً حقًا، أو أن تعمل (لا سمح الله) على صوغ سياسة خارجية مستقلة.
تتحرك السلطة الفلسطينية لتأمين دورٍ في إدارة غزة الجديدة على الرغم من أن إسرائيل تريد تهميشها. وفي المقابل، تبدي إدارة ترامب احتقاراً شديداً للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية المرتبطة بها، إلى حد أنها ألغت تأشيرات ممثليهما للمشاركة في اجتماعات "الجمعية العامة للأمم المتحدة" التي عُقدت الشهر الماضي في نيويورك. وما يزال مروان البرغوثي، الشخصية الحيوية القادرة على تولي زمام "السلطة الفلسطينية" وتوحيد الصف الفلسطيني، يقبع في السجون الإسرائيلية.
وبموجب اتفاق السلام، يُنتظر من السلطة الفلسطينية أن "تُكمل برنامج الإصلاح الخاص بها"، والذي يعني عملياً أنها يجب أن تصبح أكثر خضوعاً للمصالح الإسرائيلية والأميركية قبل أن يُسمح لها بالعودة إلى الطاولة. ويشير ما يجري خلف الكواليس إلى بروز تسويةٍ وسطيةٍ، بحيث يغلب أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في اختيار الموظفين المسؤولين عن إدارة غزة وتزويد المعابر الحدودية مع مصر بالحراس.
في كل الأحوال، ستكون السلطة الحقيقية في غزة بيد هيئة دولية تُعرف باسم "مجلس السلام"، يترأسها دونالد ترامب ويديرها -على الأرجح- توني بلير من المملكة المتحدة. وستتولى هذه الهيئة الإشراف على عملية إعادة الإعمار الاقتصادي في غزة. وتتحدث خطة ترامب عن "تشكيل لجنة من الخبراء الذين أسهموا في إنشاء بعض المدن المعجزة الحديثة المزدهرة في الشرق الأوسط". ومن المحتمل أنه يقصد مدن الخليج -مثل دبي والدوحة- مع أن هذه المدن كانت تمتلك بطبيعة الحال ثروة نفطية ضخمة أنفقت منها بسخاء.
في الوقت نفسه، من المستحيل نسيان الاستراتيجية المفضلة لدى ترامب، التي تتمثل في تحويل غزة إلى منتجع ضخم يتمتع فيه الأثرياء من العرب والأميركيين بتجربة "نادي مِد" (1)، بينما يقوم على خدمتهم الفلسطينيون الذين يتبقون بتقديم المشروبات وتنظيف غرف الفنادق.
ولضمان ألا تتمكن "حماس" من العودة مجدداً من خلال الاحتفاظ بمخابئ سرية للأسلحة، من المفترض أن تتولى قوة لحفظ السلام تقودها دول عربية المسؤولية من جيش الاحتلال الإسرائيلي مع انسحابه من الأراضي المحتلة. وبطبيعة الحال، ستكون أي قوة لحفظ السلام أفضل من جيش الدفاع الإسرائيلي، وكانت فكرة القوة العربية جزءاً من العديد من المقترحات الخاصة بغزة على مرّ السنين.
على الجانب الإيجابي، من المرجح أن تمنع مثل هذه القوة طرد الفلسطينيين من أرضهم -لأن الدول العربية في المنطقة لا تريد تدفقاً جديداً للاجئين الفلسطينيين إليها. وعلى الجانب السلبي، من المحتمل أن يسهم هذا الترتيب في تنفيذ خطة تجعل الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية -لأن هذا في الواقع هو ما يتعرضون له غالباً في أماكن أخرى من المنطقة.
كما أن الجيش الأميركي سيشارك في المراحل الأولى من خطة حفظ السلام هذه. ومع تولي توني بلير إدارة هيئة الإعمار، سيبدو كل ذلك وكأنه إعادة إنتاج لما حدث بعد حرب العراق. ولم تكن تلك التجربة جيدة على الإطلاق بالنسبة للعراقيين.
المستقبل القريب
أين يترك ذلك الدولة الفلسطينية؟ كلما زاد دعم الدول الأخرى للفلسطينيين من خلال الاعتراف بدولتهم -على الرغم من غياب هذه الدولة فعلياً- ازداد رفض إسرائيل كما يبدو للإجماع الدولي. قبل اتفاق السلام، تحدث وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عن "السحق الكامل" للسلطة الفلسطينية من خلال ضم الضفة الغربية. وفي دعمه لتوسيع المستوطنات بطريقة تقسم الضفة فعلياً إلى قسمين، أعلن نتنياهو أن "الدولة الفلسطينية لن تقوم أبداً".
على الرغم من أن 11 دولة أخرى اعترفت الشهر الماضي في "الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين"، ظلت إدارة ترامب على موقفها الرافض للانضمام إلى هذا الاعتراف. وخلال خطاب ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا، طُرد نائبان إسرائيليان من الجلسة بعد دعوتهما الولايات المتحدة إلى أن تحذو حذو كندا والمملكة المتحدة و155 دولة أخرى.
نعم، تتحدث خطة ترامب للسلام عن "تهيئة الظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة". لكن ذلك يُدفع به إلى منطقة المستقبل الافتراضي، تماماً كما كان باراك أوباما يدعم فكرة نزع السلاح النووي، وإنما ليس في جيله -أو حتى في جيل أبنائه- بل في مرحلة غامضة ما في المستقبل. ثمة مَن يركل العلبة على الطريق لتأجيل حل المشكلة، وثمة من يركلها إلى خارج الغلاف الأرضي وإلى الفضاء.
في الأثناء، ستواصل إسرائيل تقويض الأسس المادية لقيام دولة فلسطينية من خلال إقامة مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة، ومنع بروز فاعلين سياسيين موثوقين داخل المجتمع الفلسطيني، والإبقاء على جميع مفاصل القوة الأساسية في يد جيش الاحتلال أو جهات خارجية.
الأنظار تتركز على الجائزة
تولى بنيامين نتنياهو قيادة إسرائيل خلال معظم السنوات الثلاثين الماضية (باستثناء فترة قصيرة في أوائل الألفية). وفي كل هذه الفترة أشرف على تحوّل عميق في السياسة الإسرائيلية نحو أقصى اليمين. وقد اختفى اليسار في هذه الفترة عملياً. ومن المفارقات أن أحد القلائل الذين يُعتبرون منافسين حقيقيين لنتنياهو، نفتالي بينيت، يقف سياسياً إلى يمين رئيس الوزراء نفسه.
قد تُغيّر الانتخابات الإسرائيلية في العام 2026 هذا المشهد. حتى مع وجود اتفاق غزة، يواجه نتنياهو احتمالاً حقيقياً بألا يتمكن من تشكيل ائتلافٍ حاكم. فقد بدأت الأحزاب اليمينية المتطرفة التي أبقت حكومته الحالية قائمة تفقد شعبيتها. ووفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، فإن حزب "عوتسما يهوديت" سيحتفظ بمقاعده الستة إذا جرت الانتخابات اليوم، لكن حزب "الصهيونية الدينية" الذي يشغل حالياً سبعة مقاعد لن يتمكن حتى من دخول الكنيست.
مع اقتراب الانتخابات، لن ينسى الناخبون الإسرائيليون -ولن يسامحوا- نتنياهو على الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ورفضه الاستفادة من الفرص الدبلوماسية السابقة للتفاوض بشأن إطلاق سراح الرهائن، فضلاً عن تهم الفساد التي تلاحقه. كما أنهم لن ينسوا على الأرجح عداء اليمين المتطرف لأي وقفٍ لإطلاق النار، وحقيقة أن ترامب اضطر إلى ليّ ذراع نتنياهو لإقناعه بالتفاوض -أخيراً- على صفقة الإفراج عن الرهائن.
بطبيعة الحال، يبقى نتنياهو رجلًا يعرف كيف ينجو. كان رهينة لدى أحزاب تقع أبعد منه على اليمين، ومع ذلك أثبت قدرته على الصمود. وربما يتخلص في نهاية المطاف من تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة ويعثر على أغلبية حاكمة جديدة. وربما، في ولاية أخرى، يعمد إلى التراجع عن أسوأ السياسات المعادية للفلسطينيين -وهو أمر مشكوك فيه. وربما يدفعه الناخبون إلى التقاعد -وربما، مع قليل من الحظ، إلى السجن.
ولكن، أياً يكن من سيبرز من الانتخابات المقبلة، فإنه لن يقبل بقيام دولة فلسطينية ما لم يُجبر على ذلك. وسيكون استحضار مثل هذه الدولة من بين شظايا المجتمع الفلسطيني الممزق أصعب بكثير من التفاوض على صفقة تبادل أسرى -أو حتى وقفٍ لإطلاق النار.
فلننتظر أولاً لنعرف ما إذا كان بالإمكان تحقيق المرحلة التالية من اتفاق غزة -انسحاب إضافي لقوات الاحتلال الإسرائيلية، والتوصل إلى تسوية حول مستقبل "حماس"، وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية الكافية، ونشر قوةٍ لحفظ السلام، وبدء عملية إعادة الإعمار الاقتصادي.
لكننا ينبغي أن نكون واضحين أيضاً: إن هذه الخطوات، في أفضل الأحوال، لن تفعل سوى إعادة غزة إلى ما كانت عليه تقريباً قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وعلى العالم أن يُبقي عينيه مركّزتين على الجائزة الحقيقية. يحتاج الفلسطينيون إلى دولة قابلة للحياة يمكنها أن تتعايش مع إسرائيل وتضمن ألا تتكرر الإبادة الجماعية التي حاولت إسرائيل ارتكابها خلال العامين الماضيين أبداً.
 
*جون فيفر John Feffer: كاتب ومحلل سياسي أميركي، يشغل منصب مدير برنامج السياسة الخارجية في "معهد دراسات السياسة" في واشنطن. يُعرف بكتاباته التي تتناول قضايا السياسة الدولية، وحقوق الإنسان، والعلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. ألّف عددًا من الكتب، منها: Crusade 2.0؛ وAftershock: A Journey into Eastern Europe’s Broken Dreams، بالإضافة إلى مقالاته المنتظمة في موقع "فورين بوليسي إن فوكس". يتميز أسلوبه بالتحليل النقدي للهيمنة الأميركية والعولمة العسكرية، وبدعوته إلى تبني سياسة خارجية أكثر إنسانية وتعاون دولي قائم على العدالة والسلام.
 
هامش المترجم:
(1) شركة "نادي البحر الأبيض المتوسط" Club Med هي سلسلة عالمية من المنتجعات السياحية الفرنسية التي أسسها في العام 1950 جيرار بليتز وغيلبرت تريغانو. وهي من أوائل الشركات التي روّجت لفكرة "العطلة الشاملة"، حيث يدفع الزائر مبلغًا ثابتًا يشمل الإقامة والطعام والأنشطة والترفيه. تنتشر منتجعاتها في عشرات الدول حول العالم، وغالبًا ما تقع في مواقع طبيعية ساحرة مثل الجزر والشواطئ والجبال. تشتهر أجواؤها بالاسترخاء والاختلاط الثقافي والأنشطة الرياضية، وهي موجهة إلى العائلات والأزواج ومحبي السفر الفاخر بأسلوب غير رسمي.