الراي
الشرق الأوسط في غرفة العمليات بعد استكمال التجهيزات والحروب التمهيدية،التي تسمح من وجهة نظر الفاعلين بإجراء عمليات العزل والفصل والاستئصال والزراعة، وبالتأكيد إعادة ضبط المصنع لبعض الحالات، وهذا يعني أن من يقوم بإجراء هذه العملية / العمليات ليس الشرق الأوسط نفسه، فهو تحت التخدير، فقد أثخنته الجراح المزمنة والأزمات المركبة والحروب الطاحنة، حتى سار بقدميه نحو قسم العمليات الكبرى، وهو يعي أنه لن يخرج منها كما دخلها، هذا كله ضمن سياق رسم منذ ثلاثة عقود تقريبا، وعبّر عنه بسلسلة من المصطلحات: الشرق الأوسط الكبير، الفوضى الخلّاقة، الشرق الأوسط الجديد، تغيير وجه الشرق الأوسط، هل نحن في اللمسات الأخيرة؟ إن لم نكن فيها فنحن على تخومها، ما لم تحدث مفاجأة كبرى، تربك المشهد وتكسر مسارات المخطط، فلا أحد يعرف تماما ما وراء الأكمة.
هنا في هذا الزمن الصعب لا جامع مانع للعرب، فجامعتهم – جامعة الدول العربية – تتحول مع الأيام وضمن سياق الأحداث إلى حالة رمزية تشاورية غير فاعلة، وكثيرا ما يغيب عنها الانسجام العام منذ هبوب رياح الربيع العربي، دول انكفأت على نفسها وفقدت إيمانها بها، وجمدت فعليتها في مؤسسات الجامعة العربية، وأخرى غرقت في دوامة مشاكلها الداخلية، وحروبها الأهلية وإنقساماتها المؤلمة، ودول أخرى وجدت ضالتها في التنسيق الإقليمي الأصغر والتحالفات المناطقية، وبرز أكثر تأثير التفاهمات الثنائية، كل هذه العوامل والمستجدات نهشت في جسد الجامعة العربية، وتراجعت قوتها وضعفت وتيرة وحضور مؤتمرات القمة وخف أثرها، وصارت الجامعة العربية مساحة لوزراء الخارجية والمندوبين الدائمين، وهذا كله انعكس على منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي بدأ ينحني نحو المنصب الفخري، في ظل هذا التحولات الكبرى.
السؤال الملح إذا كنا ندرك حجم التغيرات، ونعي هذه السياقات الجديدة، أليس من المنطق والحكمة أن نستجيب لها ونتفاعل معها؟ وأن يتجلى ذلك في إعادة تأهيل جامعة الدول العربية برمتها، من حيث المبادئ والبنية التشريعية، والدور المناط بها، وإعادة هيكلتها وتنظيم مؤسساتها، وإكساب قراراتها صفة القوة لخلق حالة من الوحدة والتضامن العربي بحكم إلزامية وفعالية هذه القرارات عربيا وإقليميا وعالميا، وإخراج الجامعة من الدور التشاوري والقرارات التي تصاغ على شكل توصيات. كلنا نرى أن الوقت قد حان، وأن الحاجة ماسة لجامع جديد وعلى أسس جديدة، وبهيكليات جديدة، تخرج المنطقة العربية من حالة الثنائيات والزوايا الإقليمية، في ظل حركة تغيير جذرية هوجاء تضرب الشرق الأوسط بمقتل.
العالم لديه تجربة مشابهة، حين تم تأسيس عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وكانت مؤسسة تقف على قدم واحدة، هيمن فيها المنتصر، وكان هدفها الأسمى منع الحروب، وإقامة السلام في العالم، غير أن هذا كله لم ينجح، فقد نتج عن الخلل البنيوي لعصبة الأمم أن قامت حرب عالمية ثانية أشد فتكا وأكثر شراسة، وأعمق أثرا، مزقت العالم وخلفت ملايين الضحايا والمشردين، وقضت على دول وأسست أخرى، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يكن من المنطقي استمرار عصبة الأمم، فحُلت وأنشئت مكانها هيئة الأمم المتحدة، التي ما زالت قائمة حتى اليوم، لكن حالها الآن لا يختلف كثيرا عن حال جامعة الدول العربية، فلا بد من حركة كبيرة عربيا وأخرى عالمية لإعادة تأسيس منظمات وهيئات بديلة، أو إعادة تأهيل جريئة لهذه المؤسسات تتلائم مع هذه التحولات الكبرى إقليميا وعالميا، وإلا بقيت المنطقة والعالم دون بوصلة تقودنا – نحن العالم – خلال المئة سنة القادمة على الأقل.