الغد
يجري زميلنا المخضرم الاستاذ سمير الحياري، مقابلة مهمة مع رئيس الوزراء السابق الدكتور بشر الخصاونة، عبر برنامج "المسافة صفر" الذي تبثه إذاعة نون، واللقاء استمر ساعتين يستحق المشاهدة والتدقيق في ما ورائيات الكلام.
هذه من المرات القليلة التي يتحدث فيها رئيس وزراء سابق بعد مغادرته لموقعه بشهور، اذ غالبا ما يتجنب رؤساء الحكومات المقابلات الاعلامية عبر اي منصة كانت خلال الأشهر الاولى للمغادرة لاعتبارات كثيرة، كما ان أغلبهم لا يكتبون مذكراتهم، ولو كتبوها يخفون الكثير من التفاصيل الحساسية، ويتطرقون الى حوادث او معلومات لا يتسبب بنشرها بازمات او ردود فعل صاخبة في عمان.
هذا يعني ان مكاشفة الخصاونة تحسب له في كل الاحوال، واللافت للانتباه امران، اولهما ان الاسئلة كانت جريئة وحادة في بعضها، ولم تتجنب حساسيات كثيرة، ولا تركت المعلومات او حتى الاشاعات، فيما تؤشر التعليقات من مشاهدي المقابلة على مزاج شعبي سلبي تجاه رؤساء الحكومات السابقين بشكل عام، وهذا مزاج يرتبط بوضع الاردنيين الاقتصادي والاجتماعي، وانخفاض منسوب الثقة بالحكومات بشكل عام حيث يعاقب الناس بألسنتهم كل من تولى المسؤولية، حتى تصير كلفة الموقع اعلى بأضعاف من مردود تولي الموقع على المستوى المعنوي والاجتماعي، في مجتمع لا يعتبر الوظيفة العليا مجرد مسؤولية، وقد يراها احيانا تكريما شخصيا، او تعبيرا عن نفوذ، وفي حالات تأتي في سياق توازنات داخلية.
تحدث الخصاونة بشجاعة حول ملفات متعددة وترك فيها إلماحات قابلة للتأويل، من قصة مستشفى السلط التي نفذ الأوكسجين من خزاناته برغم طلبه شخصيا قبل يومين من الحادثة التنبه للخزانات، مشيرا الى أنه لم يتوصل لاستنتاجات أن حادث مستشفى السلط كان مفتعلا، مرورا بفوز الاسلاميين في البرلمان الذي شكل برأيه مفاجأة، وليس صدمة، الى اشهاره ان حكومته تعد الأكثر استدانة من الخارج لأنها الأطول مدة، وإشارته الى ان كل حكومة مضطرة للاستدانة سنويا، بقيمة ملياري دينار وهذا يعني ان المديونية ستواصل الارتفاع ضمنيا خلال عهد الحكومة الحالية، ايضا، وهي ازمة مستعصية على ما يبدو وباتت مزمنة.
يطرح الخصاونة آراء مهمة من ابرزها انه ضد إلغاء وزراء الإعلام، وهذا رأي مهم، لأن الإلغاء فعليا لم يحقق أي غاية، بل انفرطت الى مؤسسات مختلفة، ومرجعيات متناقضة احيانا، كما ان الرئيس يتطرق الى ملفات قابلة لمعاندة المراقبين والمحللين من حيث التحليل وخصوصا ما يتعلق باكتمال الولاية العامة وامتلاك الحكومة لها، وما يرتبط بالسؤال الموجه اليه حول تجنبه الظهور في الازمات حيث يقول ما معناه ان دور الرئيس هو ادارة الازمة، وليس التحول الى مذيع اخبار خلال فصول هذه الازمة، وان دوره ايضا هو اطلاع مؤسسات الدولة حول ما يجري والحديث مع هيئات الدولة عن المجريات.
من ابرز الإثارات في هكذا حوارات ان رؤساء الوزارات لا يكشفون كل شيء، ليس خوفا من احد، وانما لحساسية الجوانب التي قد يتم كشفها، ولهذا لا يبتعد اي رئيس وزراء في حواراته خارج الموقع عن الصياغات التي كان يخرج بها وهو في موقعه، باستثناء هوامش محدودة بعضها شخصي كحديثه عن عدم حملة لجنسية اميركية وولادته في نيويورك، او التجاوز غير المقبول على عائلته خلال موقعه واللجوء للقضاء، بدلا من سلطته، وهي جوانب تخفف من رسمية الحوار.
اكثر تعليق تردد على حواره كان حول شعاره الشهير" اجمل ايامنا لم تأت بعد" وما يزال مصرا عليه، ولأننا لا نعرف المغزى الذي يقصده، علينا ان ننتظر!.
استنطاق المسؤولين السابقين في الأردن، من اصعب المهمات.