عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Mar-2021

من وحي المئوية (7) لماذا تتبدل الحكومات؟*د. جواد العناني

 الراي 

كان المرحوم السيد هاني سليم خير أميناً عاماً لمجلس الأمة لفترة طويلة. وقد كان الرجل مخزن ذاكرة الوزارات ومجالس الأمة المتعاقبة وما زاده معرفة بذلك أنه كان يدوّن أسماء الحكومات ووزرائها، وترتيب الوزراء، والمرات التي تكرروا فيها. وهو كذلك متابع لتاريخ الدستور الأردني وتعديلاته. كل هذه المعلومات والأرشيفات والتواريخ موجودة في متحف الحياة البرلمانية في الأردن، والذي يقع في مبنى مجلس الأمة السابق بالقرب من الدوار الأول بجبل عمّان/ في العاصمة عمّان.
 
ويُقدر عدد الزوار السنويين لمتحف الحياة البرلمانية بحوالي (25) ألفاً، وهو في رأيي رقم متواضع جداً، ويجب ألا يقل عن ثلاثة أضعاف ذلك الرقم حيث يجب أن تقوم مدارسنا بأخذ الطلاب لزيارته حتى يطلعوا على الحياة البرلمانية في الأردن، ويعرفوا كم هي عميقة تلك التجربة.
 
لقد بدأت المحاولات لسن تشريع أردني للانتخابات البرلمانية عام 1923، ولكن الإنجليز عارضوا ذلك تماماً، وأجهضوا كل المحاولات لتمريره. ولكن الجهود الحثيثة والمستمرة أثمرت عام 1928. حيث مُرِر أول قانون للمجلس التشريعي، وأجريت الانتخابات في شهر كانون الأول عام 1929. لكن المعارضة آنذاك قاطعت الانتخابات بسبب استمرار الاستعمار البريطاني. ولذلك، سمحت الحكومة حينئذ بمشاركة أفراد القوات المسلحة والموظفين بالاقتراع فيها. ومن الطريف أن ثلاثة من المعارضة انشقوا عن الصفوف وقرروا المشاركة وهم نجيب الشريدة، ونجيب أبو الشعر، وشمس الدين سامي. وذلك حسب وثيقة صادرة عن مجلس الأمة الأردني بعنوان » الحياة البرلمانية في عهد الإمارة (1923-1946).
 
وقد تَكَوَّنَ المجلس من (16) عضواً منتخباً، وستة آخرين هم أعضاء الحكومة وعددهم ست شخصيات كان من بينهم » ألن كيركبرايد» البريطاني، أما رئيس المجلس فقد كان رئيس الوزراء خالد حسن أبو الهدى.
 
وأجريت انتخابات ثانية عام 1931، ولكن رئيس الوزراء عبدالله سراج رفض السماح لأعضاء هيئة النظار الستة أن يكونوا في المجلس التشريعي، ولما أصر على موقفه، طلب منه الأمير عبدالله بن الحسين أن يقدم استقالته عام 1933، ولكنه رفض أن يصدّع للأمر، فأقاله الأمير عبدالله وعيّن مكانه ابراهيم هاشم الذي كان أحد الوزراء الستة في حكومة سراج. وقد عمّرت حكومة ابراهيم هاشم لفترة دامت حوالي خمس سنوات من 8/10/1933 حتى 27/9/1938.
 
وبمعنى آخر، فإن الجدليات السياسية التي طغت على المشهد آنذاك، والتجاذبات القوية بين الأقطاب هي صور تتكرر، وبقيت تتكرر بأنماط مختلفة منذ بداية الإمارة. وحتى الآن. وبالطبع، كان لكل مرحلة لغتها، وظروفها، ورجالها، ولقد ساهم ذلك التنافس في تغيير الحكومات. ولكن السؤال الذي يثور هو: هل كان عمر الحكومات مرهوناً بقرارات أميرية أو ملكية؟ هل كان عمر الحكومات يتحدد بطبيعة العلاقة بين القيادة العليا ورئيس الحكومة، أم بنجاح الحكومة في تحقيق الأهداف التي كُلفت بها عند تشكيلها، وبالنتائج التي وعدت بتحقيقها رداً على كتب التكليف؟ أم أن الظروف الخارجية الضاغطة على الوضع الداخلي هي التي أملت في معظم الأوقات عمر الحكومة؟
 
في العقد الأول لتأسيس الإمارة، شكل رئيس هيئة النظار الأول رشيد طليع حكومتين، دامت الأولى شهرين واثني عشر يوماً، والثانية شهراً واحداً. وشكل مظهر رسلان رئيس الوزراء الثاني حكومتين لمدة سنتين ونصف. وقد تشكلت خلال العشر سنوات الأولى (1921-1931) سبع حكومات معدل عمر الواحدة أقل من سنة وشهرين. أما في العقد الثاني فقد رأينا عمر الوزارة يتجاوز ثلاث سنوات.
 
وبعدما تسلم الراحل الملك الحسين كان عمر الوزارات في الخمسينيات ومعظم الستينيات قصيراً لا يتجاوز في معدله سنة واحدة. وكان أقصرها على الإطلاق حكومة الشهيد هزاع المجالي الأولى عام 1955 والتي دامت لأقل من ستة أيام. أما في عقد الستينيات من القرن الماضي فقد تذبذب عمر الوزارات منذ عام 1967 بشكل كبير، خاصة بعد حرب 1967، وبقيت أعمار الحكومات قصيرة حتى تكليف زيد الرفاعي عام 1973 بتشكيل حكومته الأولى. وقد سبقه كل من دولة أحمد اللوزي، وسيادة الشريف حسين بن ناصر، والسيد أحمد طوقان، وحكومتان للسيد بهجت التلهوني لم يزد معدل عمر كل واحدة منها عن ستة أشهر أو أقل. ومع أن السيد زيد الرفاعي شكل حكومتين 26/5/1973 وحتى 13/7/1976، فإن كليهما دامت حوالي سنة وسبعة أشهر، ثم أتى السيد مضر بدران ليشكل حكومتين متتاليتين من 13/7/1976 وحتى 19/12/1979، كانت الأولى لمدة أربعة أشهر، أما الثانية فدامت ثلاث سنوات تقريباً.
 
وكذلك شهدنا نمطاً متكرراً في الثمانينات، حيث دامت حكومة مضر بدران لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، وحكومة السيد زيد الرفاعي الثالثة والرابعة مدة أربع سنوات وقرابة ثلاثة أشهر علماً أن الأولى لم تدم أكثر من خمسة أشهر وعدة أيام.
 
في التسعينيات نقص معدل عمر الوزارات إلى ما يقارب سنة ونصف تقريباً لكل حكومة أو أقل من ذلك. ولما تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم عام 1999، فإن رئيسي الوزراء اللذين خدما مدة تقارب الأربع سنوات هما المهندس علي أبو الراغب، والدكتور عبدالله النسور علماً أن كلامنهما شكل بالتتابع حكومتين، أما الباقون الذين شكلوا حكومة أو أكثر فلم يزد معدل عمر الوزارة حتى الآن عن سنة وعدة أشهر باستثناء حكومتي د. هاني الملقي التي دامت لحوالي عامين، وحكومة الدكتور عمر الرزاز لمدة سنتين وأربعة أشهر.
 
هذا العرض التاريخي السريع يقول لنا أن الأوضاع إذا استقرت طال عمر الحكومات، أما إذا شهدت اضطرابات أو ظروفاً داخلية صعبة، أو حروباً وتقلبات إقليمية، فإن الحكومات تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارت صعبة تُفقدها شعبيتها، ومتى ما شعر الملك أن العبء قد ثقل، فإن التغيير يصبح ضرورة لا مفر منها.
 
وقد شَهِدْتُ شخصياً عام 1976، نهاية حكومة السيد زيد الرفاعي في اجتماع بقصر بسمان العامر. وكان من الواضح أن الخلاف بينه وبين رئيس الديوان الملكي آنذاك عميق حول السياسة الاقتصادية. وبعد شهرين أو ثلاثة من ذلك الاجتماع، كُلِف السيد مضر بدران بتشكيل الحكومة. وبإنشاء المؤسسة الاستهلاكية المدنية لمساعدة موظفي الحكومة على تحمل التضخم في الأسعار والذي انطلق من عقاله بعد ارتفاع أسعار النفط وإكمال مشروع الخطة الخمسية الأولى (1976-1980). وكذلك، شهدتُ كيف انتهت حكومة السيد زيد الرفاعي الثانية في منزل الحاج حمدي الطباع بعد موجة الاحتجاجات عام 1989 إثر هبوط سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار.
 
وشهدتُ بعد مظاهرات الخبز بوادِرَ سقوط حكومة السيد عبدالكريم الكباريتي عام 1997. ورأيت في الديوان الملكي تغيير حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي في نهاية عام 1994 علماً أنها استقالت في شهر كانون الثاني علم 1995.
 
وكنت شاهداً على سقوط حكومة الدكتور هاني الملقي بعد المظاهرات على مشروع قانون ضريبة الدخل، وانتهاء حكومة الدكتور عمر الرزاز بعد حل مجلس النواب علماً أن الحكومة بذلت جهداً كبيراً من أجل تأجيل انتخابات مجلس النواب التاسع عشر بحجة جائحة الكوفيد -19.
 
وهنالك حكومات سقطت بفعل احتجاجات سياسية كما حصل عام 1955 بعد المظاهرات العنيفة ضد حلف بغداد حينما استقالت حكومة الشهيد هزاع المجالي آنذاك بعد ستة أيام من تشكيلها. وسقطت حكومة حزبية عام 1957 لأن محاولة انقلاب جرت في عهدها لتغيير نظام الحكم، وهي حكومة السيد سليمان النابلسي. وحكومة استقالت بعد حرب حزيران عام 1967( حكومة السيد سعد جمعه)، وحكومة أخرى لم تكد تتشكل إبان أحداث عام 1970 ( حكومة السيد محمد داوود) حيث انتهت بعد أحد عشر يوماً من تشكيلها غيابياً.
 
في عقود الثلاثينات والسبعينات والثمانينات، تمتع الأردن باستقرار سياسي رغم صعوبة الظرف في كساد وقحط عقد الثلاثينات، إلا أن الحكم بدأ يستقر ويثق أكثر بقدرته على ادارة الأمور لصالحِهِ. وعزز علاقاته مع الإقليم، والعالم، وأسس جيش البادية، وتلقى معونات، وأنشأ المجالس التشريعية، ووضع قانون الأساس، وبدأت تتشكل فيه ملامح الدولة الحديثة.
 
أما في مطلع السبعينيات فقد شهد الأردن تقلبات انتهت بتشكيل حكومة السيد زيد الرفاعي الأولى عام 1973، ولكنها استقالت بعد قرار قمة الرباط عام 1974 والذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأُعيد تكليفهُ ليشكل حكومة تعكس أثر قرار قمة الرباط على الاتفاق الموقع في مؤتمر أريحا عام 1950، وقد شهدت هذه الحكومة استقراراً بعد نجاح الخطة الثلاثية الأولى، وبعدما بدأت تهل المساعدات العربية. وشهد ذلك العقد حتى منتصف عقد الثمانينيات وضع خطتين تنمويتين. وكان من الممكن أن تستمر حكومة المرحوم الشريف عبدالحميد شرف لولا وفاته المبكرة، ولكن الرخاء بدأ يتراجع عام 1986، وتطورت الأحداث حتى وصلت إلى الانتكاسة الاقتصادية عام 1989، وقامت حرب الخليج الأولى عام 1991، وخسرنا السند العراقي بالتدريج، ودخلنا عملية السلام ذلك العام. وطوَّرنا النظام الضريبي بإدخال ضريبة المبيعات والبدء في عملية الخصخصة لسداد المديونية ولأسباب هيكلية أخرى.
 
ومع بداية كل عهد جديد في الدولة كنّا نشهد تقلباً في الحكومات قصيرة العمر كما حصل في العقد الأول من عمر الدولة، وفِي العقدين الأولين بعد تولي الراحل الحسين مقاليد الحكم، وكذلك هذا ما حصل بعدما تولى الملك عبدالله الثاني مقاليد الأمور عام 1999.
 
لعل من أكبر التحديات التي ستواجهنا في المئوية الثانية هو أن نبدأ في التحرر وخلق الحصانة والمنعة ضد التأثر بالظروف الخارجية. واعتقد أن هذا الواقع هو الذي حفز الملك عبدالله ليتحدث عن الإصلاح السياسي في الأوراق النقاشية السبعة. آن الأوان أن تستقر الحكومات. وألا تخضع لتقلبات السياسة، وآن الأوان كذلك أن تتفعل مؤسساتنا لتقوم بأدوارها في القطاعات العامة والخاصة والمدنية، حتى تقوم بدورها وبالأعباء المناطة بها مما يجعل البلد أكثر تلاحماً أفقياً وعمودياً، وعلى أسس مؤسسية دستورية ديمقراطية، يحمل فيها الشعب والحكومة والحكم أعباء التحديات على قلب واحد. وإذا نجحنا في هذا المسعى فسوف نبدأ في بناء الثروة بدلاً من تبديدها، سواء كانت الثروة إنسانية، أم بشرية، أم فكرية، أم اقتصادية، أم سياسية أم ثقافية أو معرفية وخلقية.