الغد
لم يبدأ النضال الشعبي الفلسطيني في 7 أكتوبر، بل منذ بداية القرن العشرين، استحوذت حماس على مشهد المقاومة لأن الساحة خلت من أي مشروع آخر للتغيير والتحرير، ومن المتفق عليه أن تحالفها مع إيران إشكالي، تفوق الكيان الصهيوني على نفسه بالإجرام، وهو يُحاكم عن جرائم حرب أمام محاكم دولية، حجم الدمار والضحايا أقام التساؤل؛ هل حماس حسبت حساب عمليتها أم انها غامرت بغزة وأهلها ودمرتهم، وأن أقصى ما تسعى اليه الآن هو العودة بغزة لوضعها قبل 7 أكتوبر.
قد يكون في بعض جوانب هذه التساؤلات صحة، لكن إرهاب نتنياهو فظيع وولد الانفجار، وهو ما يجب التركيز عليه الآن. ومن جانب آخر فهذه هي طبيعة حروب التحرير الشعبية، فقد نقل عن «مو تسي تونغ» في «مؤلفاته العسكرية» بهذا الصدد؛ قوله « قوى المقاومة الشعبية تخوض معارك غير متكافئة، حيث الجيش له التفوق العسكري ولحركة التحرر التفوق الأيديولوجي/ العقائدي»، ولك في حروب الروس الشيوعيين ضد هتلر في ليننغراد، وفي حروب الفيتناميين ضد أميركا مثال. ومن جانب آخر ألم يتغن العالم العربي بشعب المليون شهيد في الجزائر!، ألسنا القائلين « وللحرية الحمراء باب …. «، وهل يعلم أحدكم أن شعبا ما تحرر بالتنسيق الأمني أو بربط حياته ومقوماتها مع العدو!.
وأكثر من ذلك، ألم تصدع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني لكل مقررات أوسلو ورفعت الراية البيضاء؟ لا بل أعلنت انها لا تعترف بإسرائيل وحسب، بل انها ترفض المقاومة العسكرية أيضا، وماذا جنت؟ سيادة رئيس لا يستطيع أن يتحرك من مكتبه دون تصريح أمني من ضابط مستوطن من الفلاشا أو المجر!.
لا شك أن عملية الطوفان ستدرس وتدرس تنظيما وتخطيطا، ولم يتوقع أحد استمرار العملية للآن، ومن نتائجها - وأغلب هذه النتائج قد لا تكون مقصودة ولا متوقعة -:
عربيا، وجهت جيل الشباب العربي للتركيز على الصراع العربي الإسرائيلي، وفهمهم له كصراع استعماري بقيادة إسرائيل بدعم من الحلف الإنجلو أميركي. جيل بدأ يُدقق في الأسباب الذاتية العربية للهوان العربي الذي نعيشه، وأبرزها غياب حكم الشعب وسيادة القانون والتخلف العلمي وغياب التنوير والمدنية.
عالميا، أحدث الطوفان انتفاضة شبابية في جيل شباب أوروبا وأميركا الذي بدأ يتساءل عن فكرة إسرائيل ويحاكمها وفق حقوق الإنسان، ويتجاوز مخاوف معاداة السامية واللوبي الصهيوني. كما بدأت تحركات غير مسبوقة لمحاكمة إسرائيل أمام المحاكم والمنظمات الدولية، وأيضا بدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية يكتسح العالم. حتى أن أصواتا يهودية - مثل المؤرخ إيلان بابيه - تقول بأن نهاية المشروع الصهيوني قد بدأت!
آخر الكلام، إن طوفان الأقصى قد لا يسحق جيش الكيان الصهيوني، وثمنه مأساوي، لكن التركيز اليوم يجب أن يكون على الاحتلال باعتباره أصل كل الشرور، فلا شك أن طوفان الأقصى قد أعاد القضية الفلسطينية للمشهد السياسي والدبلوماسي والحقوقي العربي والعالمي، الأمر الذي جعل سؤال الجدوى يُطرح بقوة على الأنظمة والأحزاب والمنظمات والمثقفين العرب، حول وجودهم إذ هم لم ينهضوا بمشروع فكري سياسي ثقافي مدني تقدمّي قوامه تحرير الإنسان الثقافي والحقوقي والفكري والاستقلال الاقتصادي والسياسي، لأن تحرير الإنسان هو متطلب مسبق لتحرير الأرض. محليا آخر شيء نحتاجه هو اختلاق معارك داخلية وتوطين الخوف، فالكثير من داعمي الشعب الفلسطيني في غزة ليسوا بالضرورة مع فكر حماس بل هم مع مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال ومع حقه في تقرير المصير، هناك فرق ويجب عدم خلط الأوراق، فاهمين على بعض جنابك؟!.