عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Oct-2019

من الصالونات السیاسیة لمجموعات ”واتس آب“ - زید نوایسة

 

 

الغد- ظاھرة الصالونات السیاسیة لیست جدیدة في الأردن بل قدیمة؛ وھي جزء من الفلكلور السیاسي تاریخیا، نتیجة غیاب الحیاة الحزبیة التي تعطلت فترة طویلة من الزمن لأسباب عدیدة، منھا ما ھو مرتبط بالتحدیات الإقلیمیة وما ھو داخلي فرضھ الاحتلال الإسرائیلي للضفة الغربیة، والصدام لاحقا مع الفصائل الفلسطینیة التي تحركت داخلیا كواجھة لأحزاب قومیة ویساریة تتناقض مع الدولة الأردنیة.
ھذا الفراغ فرض حضور وتصدر نمط جدید من الحیاة السیاسیة یملأ الساحة الخالیة من القوى التي تحمل مشروعا سیاسیا واجتماعیا واقتصادیا، فمثلا تشكلت حالة سیاسیة منذ الستینیات في القرن الماضي یقودھا الشھید وصفي التل، مقابل المرحوم بھجت التلھوني، وكانت عنوانا لصراع سیاسي خفي ولكن مضبوط الإیقاع ونجح في تقدیم نخب سیاسیة وازنة.
ولاحقا تنامت بشكل كبیر ثنائیة الرفاعي بدران التي استمرت تتصارع بشكل مستتر وامتد صراعھا لمؤسسات الدولة المختلفة، وانحازت فیھ احیانا مؤسسات سیادیة لأي من الطرفین، والحقیقة أن الأردن وبعد أكثر من ثلاثین عاما ما یزال یعاني من إفرازات تلك الثنائیة، ذلك أن جزءا كبیرا من مریدي المدرستین تسلموا مواقع صنع القرار، سواء رؤساء للحكومة ووزراء أو مسؤولین كبارا، بالإضافة لمجلس الأعیان.
منذ تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاتھ الدستوریة بدا أن لھ موقفا ناقدا ومستنكرا للصالونات السیاسیة، واعتبرھا معاول ھدم ھدفھا الاساسي الوصول لمواقع السلطة التنفیذیة لذلك یرى جلالتھ في أحادیث صحفیة كثیرة أن ھذه الصالونات وقادتھا ھم من یقفون وراء الكثیر من الإشاعات والتشكیك.
والواقع أن ھذا ما یحصل فعلا؛ فغالبیة المسؤولین السابقین، ویلتف حولھم مجموعة من الحالمین بموقع وزاري ھم من یعزز التشكیك والاتھام وترویج الإشاعة.
ومع فشل العدید من تلك الصالونات السیاسیة تم الذھاب لمنحى آخر، وھو منتدیات وجمعیات تحت مسمى ثقافي أو اجتماعي، لكنھا في الحقیقة محاولة لإعادة إنتاج الشللیة والزبائنیة السیاسیة، والھدف واضح وھو أن رأس ھذه الجمعیة أو المنتدى یرید أن یقول إنھ فاعل في الحیاة السیاسیة في محاولة منھ للتذكیر بنفسھ، ولقناعة كثیرین أنھا الطریقة الأنسب لصعود سلم الحیاة السیاسیة، طالما أن المعاییر الموضوعیة، في ظل غیاب حیاة سیاسیة، مفقودة.
ولأننا نعیش في عصر السرعة، فإن التكنولوجیا دخلت على خط العناوین السیاسیة، فبدأ العدید من السیاسیین والإعلامیین والاقتصادیین إنشاء مجموعات على تطبیق ”واتس اب“ والتواصل مع كبار المسؤولین، الذین لا یمانعون في ذلك وبنفس الوقت یغیبون عن أحداث في غایة الأھمیة مثل اضراب المعلمین الأطول في تاریخ الدولة الأردنیة.
ولعل الفترة الممتدة من أحداث الخمیس 2019/9/5 وحتى فجر الأحد 2019/10/6 وما رافقھا من أحداث ومواقف واصطفافات ومحاولات للتوظیف السیاسي والاستثمار لیس فقط، من القوى التي تملك موقفا مسبقاً من الدولة لاعتبارات وحسابات متعددة، بل اختفت النخب السیاسیة التي خرجت من رحم الدولة وتنعمت بخیراتھا وأخذت مكانتھا الاجتماعیة من خلال الموقع السیاسي، وذلك یحتاج وقفة مراجعة حقیقیة وإعادة النظر بالكثیر من المسلمات التي اكل الدھر وشرب علیھا؛ ذلك أن الدولة اكتشفت أن كل ما یقال عن نخبھا ومخزونھا ورصیدھا القادر على التحرك والخروج بحلول وتوافقات مجرد ولاء مخاتیري واھن، وأنھا في كثیر ممن قدمتھم للعمل السیاسي استثمرت في الوھم بعینھ ذلك أن الكثیر من ھذه النخب آثرت الصمت والابتعاد منتظرة لمن یكون الفصیل فیحتلب نیاقھ.
لا یحتاج الأردن الصالونات السیاسیة ونخبھا، ولا منتدیات وجمعیات الوجاھة ولا مجموعات ”واتس آب“ التي تعزز العلاقات والمكاسب الشخصیة؛ بل یحتاج لحظة شجاعة حقیقیة قوامھا إصلاح سیاسي یضمن برلمانا ممثلا للناس، بعیدا عن المال السیاسي والتخندق العشائري، یشكل حكومة تتحمل مسؤولیاتھا وتملك البرنامج والمشروعیة والجرأة في اقناع المواطنین بظروفنا، وعندھا فقط یتحمل الناس خیاراتھم الانتخابیة.
ما جرى خلال شھر الإضراب كشف لنا حالة الخواء السیاسي، وأن ما یسمى نخبا سیاسیة أصبح خارج السیاق عملیا.