عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jun-2023

رسائل هجوم سيناء*د.أحمد جميل عزم

 الغد

ما حدث على الحدود الجنوبية لفلسطين، يوم السبت الماضي، من قتل رجل أمن مصري (شرطي) لثلاثة جنود إسرائيليين وجرح واحد آخر أو أكثر، ربما يكون استثنائياً من حيث وتيرة وقوعه، ولكن ظرفه الموضوعي معروف للمراقبين، ويوضّح تداعيات استمرار كثير من ملفات الصراع العربي الإسرائيلي مفتوحة، رغم ادّعاء تسويتها، أو ادّعاء الجانب الإسرائيلي أنّها غير أساسية.
 
 
 
 
تكفي متابعة الإعلام لإدراك أن حدود فلسطين المحتلة الجنوبية، مع مصر، تخضع لرقابة أو ضبط إسرائيلي انتقائي هدفه المقاومة الفلسطينية، أو أي مقاومة ذات طابع سياسي، فيما الأبعاد الأمنية، والحياتية الأخرى مهملة. فمن جهة تحدث حالات تسلل المهاجرين الأفارقة من هذه الحدود باستمرار، وفي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكنيسيت الإسرائيلي، عام 2012، يتضح أنّ عدد المتسللين الأفارقة من هذه الحدود وصل مستوى ألفي لاجئ شهرياً في بعض أشهر ذلك العام. وفي عام 2018 كانت الأرقام تشير إلى وجود 40 ألف لاجئ افريقي دخلوا الحدود الجنوبية وموجودون في إسرائيل، يبحثون عن عمل وإقامة. إلى ذلك فإن تهريب المخدرات عبر هذه الحدود ونشاطات تهريب أخرى تعتبر حدثا يوميا هناك، وتشير شهادات منشورة للجنود الإسرائيليين، عبر مقابلات في الصحافة الإسرائيلية أنّ بعض مناطق هذه الحدود، يمكن وصفها بأنّها «خارج القانون» حيث فجوات الحماية الإسرائيلية كثيرة.
 
 
عندما كانت ظاهرة الأنفاق في قطاع غزة منتشرة، كان جزء من الأنفاق ذا طابع سياسي أمني عسكري، وجزء تجاري مرتبط بفك أو كسر الحصار على قطاع غزة، ولكن هذا لم يمنع من نشوء شبكات تهريب داخل منطقة سيناء، هدفها تجاري ربحي لا تتعلق بالبعد السياسي القومي والوطني. 
الواضح من الحدث الذي تم على الحدود الجنوبية لفلسطين، جنوب قطاع غزة، يوم السبت الماضي، أنّ رجل الأمن المصري بعد قتله الجنديين (جندي وجندية) صباحاً، ويبدو أنّهما كانا وحدهما، لم ينتبه أحد من الجيش الإسرائيلي لغيابهما إلا بعد حين، ما يشير إلى مدى هشاشة الترتيبات الأمنية في المنطقة. فبعد أن توقف الجنديان عن الرد على الاتصالات اللاسلكية بدأ البحث عنهما، حيث كان الشاب المصري، بعد ساعات، ما يزال في مكانه، ودخل في مواجهة مع الجنود ظهراً ليقتل ثالثاً، وهذه الملابسات تعكس مجدداً هشاشة الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
دخول مقاتل، أو مجموعة مقاتلين، إلى داخل الأراضي الفلسطينية، ومواجهة جنود الاحتلال، هدفه بالضرورة وطني، سياسي، يعكس عدم القناعة بكل عملية السلام، فيه رفض للاحتلال الإسرائيلي، ربما بسبب سياسات هذا الاحتلال التي تضر الدول المحيطة في فلسطين، من مثل تبعات تجارة المخدرات والتهريب والإرهاب، التي لا توليها إسرائيل اهتماماً، بل تغض النظر عنها نسبيّاً ما يشجعها، أو بسبب سياسات الاحتلال في المسجد الأقصى، والقدس، وكل فلسطين. 
عندما وقعت اتفاقيات سلام عربية إسرائيلية في السبعينيات والتسعينيات وحتى الاتفاقات في السنوات الأخيرة، قيل إنّ الازدهار والسلام وتغيير ظروف حياة الناس هي في مقدمة أسباب ومبررات هذه الاتفاقيات، لكن ما يتضح أنّ الشق الوحيد الذي يتحقق من «وعود السلام» هو ما يتعلق بسياسات مواجهة المقاومة ضد إسرائيل. 
الأطراف الأميركية، والأوروبية، والإسرائيلية، التي تعهدت بأن تكون للسلام نتائجه وآثاره على حياة الناس، لا تصدق وعودها. 
لا شك أنّ الاحتلال هو سبب المقاومة الأول، وستستمر المقاومة ما يزال هناك احتلال ولاجئون، لكنه ليس سرّاً أو أمراً يخضع لخلاف كبير، أنّ الهدوء أو التوتر حتى من غزة، يرتبط طردياً مع تحسن الأوضاع المعيشية هناك، فإذا اشتد الحصار زادت احتمالات المواجهة. 
الرسالة الأهم التي يوجهها الهجوم الذي حدث من غزة السبت الماضي، أنّ اتفاقيات السلام، وعملياته، ليست سوى قشرة. فلا هي عالجت أسس الصراع وقضاياه، ولا سيّما في شقه الفلسطيني، ولا هي انعكست تنموياً على حياة الناس، وعلى المجتمعات. 
الاحتلال الإسرائيلي لديه تناقض أساسي واحد هو المقاومة ورفض الاعتراف بالفلسطينيين، النظام الإقليمي العربي، بحاجة لأن يقف عند حقيقة أنّه دون معالجة سياسية شاملة، ودون تغيير تنموي حقيقي، فإنّ الأمن القومي للبلدان المحيطة بفلسطين في خطر.