عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Feb-2019

الضباب كثيف فأشعلوا الأضواء - ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 

 
الدستور -طبيعة في الكائنات الحية كلها، لا سيما البشر، إن شعروا بالخطر تخلوا عن الحذر، عندئذ لا فرق أو جدوى أو دور لكثافة الضباب أو خفته..
تعالوا نتكلم «شوي» عن المشهد الأردني:
الناس يُعمّمون؛ ويشحنون أنفسهم بمزيد من غضب، وإن أقررنا حقهم في الغضب فلن نقر حقهم بالتعميم وبالانسياق في حملات التضليل، ومقارعة النفس والوطن، وقبل أيام نشرت السلطة القضائية «لائحة الاتهام الموجه للمتهمين في القضية المتداولة باسم قضية الدخان»، وبدأ الذين لا ينظرون للموضوع الا من زوايا ضيقة يطلقون التساؤلات أو التشكيكات بنوايا وغرض «الدولة كلها» من وراء نشر هذه اللائحة، متناسين الشفافية والمحاكم العلنية ومقولة «للحديث بقية»، التي تحدث عنها رئيس الحكومة، لكن الخطأ الأكبر الذي سقط فيه كثيرون رغم تحفظهم وموضوعيتهم، متعلق بإزالة صفة «متهم» عن كل من وردت أسماؤهم في تلك اللائحة، ولم يذكروا أو يتذكروا أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ومن هنا قد يقع عبء ثقيل على القضاء حين ينظر في قضية ما زالت تتنامى في الرأي العام، لكن وإذ نؤكد قناعتنا وثقتنا بنزاهة القضاء فإننا نذكر بأن الشفافية فقط، وتعهدات الحكومة بعلنية المحاكمة هي التي تجعل من هذه القضية وتفاصيلها قريبة للناس، ويبقى العقل والمنطق سيد الأحكام بالنسبة للناس العاديين، والأدلة والبراهين والإثباتات وقرائنها..الخ، هي سيدة الأحكام في القضاء..فلا تتوغلوا في التحليل والتحليق في كهف الشخصنة والمزايدة.
لا غضاضة إن أنت أبديت رأيك في قضية عامة، لكن وفي حال كنت تحترم ثقافة الحوار يجب أن تعلم بأن رأيك قد يكون بالنسبة لغيرك رأي خطأ ولا نقول «خاطئا»، وعليك أن تستمتع للرأي الآخر، وهذا يعطيك ويعطي غيرك هامشا لحوار بناء مفيد، لا تغيب عنه حصيلة الحقائق والمعلومات والأفكار التي يتمتع بها المتحاورون، وهي كلها تضيع هباء حين يسيطر الضباب على المشهد أو حين يطغى الغضب على التفكير، فالنظر يغيب والفكرة تندثر، ولا شيء سيشجع الناس على التفكير.
لو سألني أحدهم عن رأيي بلائحة الاتهام، فقد أعبر له عن انطباع شخصي، لكنني لست بقاضٍ، حتى وإن كنت قاضيا فالقضية ليست معروضة علي لوزنها ثم إطلاق الحكم، ولست بمحام لأدافع عن طرف أو أثبت التهمة على آخر، لكنني قد أتحدث ببديهيات يعرفها كثيرون، ونعرفها نحن الصحفيين حين نأخذ معلومة أو رواية أو خبرا جاهزا، أو نشرع بتحقيق ما، حيث تبطل رواية أو معلومة أو شهادة شاهد حين يتم تقديم سبب وجيه حول أهلية الشاهد أو الراوي أو المصدر: هل له هدف شخصي من وراء روايته تلك؟ وما هو هدفه وما الفائدةالعائدة إليه؟ وأعتقد أن مساحة كبيرة في تلك اللائحة مبنية على شهادة شاهد، وإن تم استبعادها فأهم جزء من اللائحة يسقط، وذلك في حال عدم الاقرار من المتهم أو عدم وجود دليل مادي على ادعاءات الشاهد لإثبات شهادته.. وربما تكون هذه الفقرة مبنية على اختصاص ووجهة نظر جديرة بالاهتمام من قبل المختص، لكنها موجهة للناس العاديين الذين يغضبون ويتبنون مواقف، ويطلقون الأحكام بلا اختصاص صحفي ولا قانوني، ويطالبون الدولة والناس بأن يقتنعوا بآرائهم الشخصية.
يسود الضباب والدخان فوق الحرائق والبراكين حين تتفجر، وقد لاحظنا كثافة الأخبار القادمة من «ثقوب سوداء» خارج وداخل البلاد، تناولت اتهام مسؤولين سابقين وحاليين وإثبات أن لهم علاقة بقضية الدخان، وقد نجحت الجهات الأمنية في تحديد ورتق هذه الثقوب السوداء، لكن المؤلم أن البعض يتداولون تلك الفبركات والادعاءات وكأنها أكثر صدقية من قرارات المحاكم، وينشرونها بشكل أكثر غزارة من نشرهم لآرائهم حول لائحة الاتهام المذكورة، وهذا بحد ذاته أوثق دليل على عدم الموضوعية، فإن كانت حالة إثبات بطلان شهادة شاهد في لائحة اتهام واردة، فماذا نقول عن خبر مجهول ومجبول بنوازع تنكرية وغامضة وقادمة من الخارج؟!.
أشعلوا الأضواء إن تكاثف الضباب وانحجبت الرؤية، أو قرّوا في بيوتكم ولا تغلقوا الشوارع..فالازدحام تحت الضباب، هو ايضا يبعث على الغضب.