عمان - الدستور - مسلة ميشع احدى أهم وابرز القطع الأثرية الأردنية المهاجرة منذ عقود، تلك القطع موزعة بين متاحف فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية وجميعها يؤرخ لمراحل تاريخية مهمة، كما أنها توثق لأساليب معمارية تميزت بها الحضارات والأمم التي استقرت في الأردن منذ آلاف السنين كواجهة قصر المشتى في أريحا، العائدة للعهد الأموي والموجودة في متحف الفن الاسلامي ببرلين، بالاضافة الى تمثال آلهة الأنباط الذي يقتنيه أحد المتاحف الأمريكية وتمثال شيحان وغيرها من القطع الثمينة التي خرج بعضها من بلادنا قبل تأسيس الدولة عام 1921، الا أن بعضها خرج بطرق شتى بعد ذلك.
مسلة ميشع..تاريخ مفصلي
ورغم الأهمية التاريخية والفنية البالغة لجميع الكنوز الأثرية الأردنية في الخارج الا أن مسلة ميشع تتفرد بأهميتها نظرا لاحتوائها على نص مكتوب يعود للملك المؤابي ميشع الذبياني، يسرد فيه تفاصيل صراعه مع العبرانيين وانتصاراته عليهم في العام 850 قبل الميلاد، وقد عثر على المسلة، وهي عبارة عن حجر بازلتي اسود، محطمة في منطقة ذيبان عام 1868 وتولى أحد الرهبان الالمان محاولة نقلها الى المانيا وترميمها، وتوجد منها عدة نسخ في الأردن موزعة على: متحف الآثار الأردني بجبل القلعة وأخرى في متحف الكرك ومتحف الأردن في رأس العين وجامعة اليرموك وغيرها، بينما المسلة الأصلية مازالت مركونة في مستودعات اللوفر تنتظر العودة الى الوطن الأم.
أما قصة وصول هذه المسلة لفرنسا فبعد انتشار خبر اكتشافها جاء القنصل الفرنسي في القدس «كانو» لذيبان بهدف شراء المسلة واقتنائها، تساوم الأهالي ولم يتفقوا على حصة كل منهم، وكان تفكيرهم أن فيها كنزاً من الذهب، وعمدوا إلى حرقها وانكسرت إلى عدة قطع، عندها باعت كل عشيرة قسماً منها للقنصل الفرنسي حيث اشتراها وأرسلها إلى باريس لترمم وتوضع في متحف اللوفر حيث هي الآن، وكان كانو ذكياً حيث استطاع بواسطة الورق المضغوط حفظ نص الكتابة التي ضاعت من جراء تحطيم الحجر وتفتته. و كان عالم الآثار الفرنسي، شارل كليرمون هو أول من حل رموز هذه المسلة وترجمها.
وذكر الملك ميشع في هذا السجل التاريخي الهام بأن والده قد حكم مؤاب ثلاثين عاماً، و عندما خلف أباه بنى المكان المقدس (كاموش) في الكرخة و هي اسم قديم لمدينة الكرك، وهو مكان مرتفع و ذلك اعترافاً منه وحمداً لنصره على أعدائه، وخلص بلاده من شرهم وجعله ينتقم من جميع الذين كانوا يكرهونه، ذاكراً مضايقة عمري ملك اسرائيل و أبنائه لشعب مؤاب فترة طويلة . ويذكر ميشع ملك مؤاب بأن ابن عمري قد هدد مملكة مؤاب، ولذا فقد انتقم منه ميشع ومن آل بيته وهزمت إسرائيل، وذكر كذلك الأربعين عاماً التي قضاها شعب مؤاب يقاسي من اضطهاد وعسف أيام حكم عمري و أيام حكم ابنه أحاب، وان كاموش قد نصره أخيراً عليه وطهر أرض مؤاب من شرهم وظلمهم بحسب ماذكر في المسلة. ويقول ميشع بأنه قد بنى (بعل معيون) وأنشأ البركة و بنى الكرخة وبنى سور الغابة وسور التل وبوابتها وأبراجها ومقر الملك وقد حفر ميشع القناة إلى الكرخة وسخر أسرى إسرائيليين في حفرها، وأعاد ميشع بناء (عروعير) عراعر اليوم وهي على بعد أميال من جنوب ذيبان، وكذلك بناء بيت باحوث بعد أن كانت خربة وكذلك (بتيسير) وأعاد بناء مادبا (وبيت دبلاتين) وهيكل بعيون.
حلم العودة للوطن
«أعيدوا لنا مسلة ميشع» هذا هو الشعار الذي تبناه عدد من المثقفين والفنانين الأردنيين خلال السنوات الماضية، كذلك انضم اليهم عدد من الآثاريين والمهتمين بالتراث الوطني، وقد رفع ذلك الشعار في عدد من المهرجانات والاحتفالات من أجل تفعيل المطالبة بعودة ذلك الكنز الأثري الذي يؤرخ لمرحلة مهمة ومفصلية من تاريخ العالم القديم.
ورغم وجود نسخ عديدة منها في عدد من متاحف المملكة ومنها متحف الأردن ومتحف جبل القلعة ومتحف الكرك نسخاً من تلك المسلة، إلا أن الأنظار تتجه دوما نحو القطعة الأصلية المختطفة كي تعود وتعرض في بلدها الأصلي.