الغد
على نحوٍ مباغت قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حوار أجرته معه مجلة تايم الأميركية الشهيرة، إذا ضمّت إسرائيل الضفة الغربية إليها فسوف تخسر الدعم الأميركي الكبير.
كان ذلك التصريح أوضح موقف يصدر عن أعلى سلطة في الولايات المتحدة، وقد أعقبه ترامب بتأكيد آخر قال فيه إن إسرائيل لن تضم الضفة الغربية، كما وعد الزعماء العرب والمسلمين، لكن المفاجأة الكاملة جاءت حين أعلن أنه سينظر في أمر الإفراج عن القائد الفلسطيني البارز مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وقائد تنظيم شهداء الأقصى العسكري في الحركة، الرجل الذي يبدو متوافقا عليه من مختلف التيارات والفصائل الفلسطينية.
كانت فدوى البرغوثي، زوجته الصابرة على أسره منذ عام 2002، وقد حكم عليه بخمسة مؤبدات، ورفضت إسرائيل ضمه إلى قائمة الأسرى المفرج عنهم في صفقة تبادل الرهائن الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين، قد وجهت رسالة مؤثرة إلى الرئيس ترامب، ويبدو أن وراء الأكمة ما وراءها.
رسالة فدوى البرغوثي إلى الرئيس الأميركي خاطبت فيه غريزة البحث عن انتصار سلام، يرغب فيه كصورة لرجل سلام لا رجل حرب، ولا شك أن المفاجأة جاءت من رونالد لودر، زعيم المؤتمر اليهودي العالمي وأحد أصدقاء ترامب المقربين، الذي طالب بدوره بالإفراج عن البرغوثي بوصفه شريكا فلسطينيا موثوقا لدى جميع الأطراف.
الرد جاء سريعا من متطرفي حكومة نتنياهو في إسرائيل حين قالوا إنهم دولة مستقلة لا تابعة لأميركا، وكان زعيم المعارضة يائير لابيد قد اتهم نتنياهو في الكنيست بأنه حول إسرائيل إلى تبعية كاملة لأميركا، وهي النغمة السائدة اليوم في أوساط الاحتلال الإسرائيلي.
قبل أسابيع كان ترامب في إسرائيل، وخطب في الكنيست، وجاء إلى شرم الشيخ، ثم عاد إلى أميركا بعد وقف القتال في غزة، لكنه بدا غير واثق من ألاعيب نتنياهو، فترك مبعوثه ستيف ويتكوف وصهره جارد كوشنر للمتابعة والمراقبة عن قرب، ثم أرسل جي دي فانس، نائب الرئيس، إلى إسرائيل، في سياق واضح لتبني سياسة أميركية قومية تقوم على مبدأ «أميركا أولا».
وعبر فانس كمسيحي عن رغبته في زيارة كنيسة القيامة التي شهدت أحداث الأيام الأخيرة للسيد المسيح، وعلى المستوى السياسي هاجم بعنف تصويت الكنيست على ضم الضفة الغربية أثناء وجوده هناك، ووصف عملية التصويت بـ»الغباء»، مؤكدا أنه تعرض للخداع أثناء الزيارة، وقال إن وقف إطلاق النار لا رجعة فيه.
وما إن غادر تل أبيب حتى جاء ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، لتأكيد أن ترامب لا يريد أن تتلاعب به إسرائيل، أو بالأحرى نتنياهو الذي قال عنه الإعلامي الأميركي الشهير تاكر كارلسون إنه يمتلك مفاتيح ترامب، ويبدو أنه يتخذ القرارات بدلاً منه، وهي التصريحات التي أثارت عاصفة في الشارع الأميركي لم تهدأ إلى الآن، وكانت نتيجتها أن قال ترامب: العالم كله أصبح ضد إسرائيل ونتنياهو، ولا يستطيع نتنياهو أن يشن حربا على كل دول العالم.
هذا السياق جميعه يعني أن ترامب اقترب من مفهوم حل الدولتين، بدءا من رمزية مروان البرغوثي، وانتهاء برفض ضم الضفة الغربية التي يزعم متطرفو إسرائيل أنها جزء من «أرض التوراة».
ويبدو أن غلطة قصف قطر في سبتمبر الماضي، من قبل نتنياهو، كشفت اللعبة أمام أميركا، فباتت تخشى من الجنين الذي صار وحشا، وتأكدت من مصداقية السردية العربية، للمرة الأولى منذ قرن، مر قاسيا على المنطقة، وشهد حربا وراء الأخرى، في الغالب كانت إسرائيل قاسما مشتركا فيها.