عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2025

الإسلام مقابل الغرب: أربع مغالطات (2-2)

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جوناثان كوك* - (كونسورتيوم نيوز) 5/11/2025
في الواقع، كانت حرب العام 1967، التي هزمت فيها إسرائيل بسرعة الجيوش العربية الرئيسية في مصر وسورية والأردن هي التي دفعت إلى ظهور ما سمّاه الباحثون في سبعينيات القرن الماضي "الإسلام السياسي".
 
 
كانت حرب العام 1967 إذلالاً قاسياً للعالم العربي -أضيف إلى الجرح المفتوح الذي صنعته النكبة في العام 1948، حين عجزت الدول العربية -أو امتنعت عن مساعدة الفلسطينيين في إنقاذ وطنهم من الاستعمار الأوروبي ومنع استبداله بدولة تعلن نفسها "يهودية". كانت تلك الحرب تذكيراً مؤلماً بأن العالم العربي لم يشهد تمدينًا حقيقياً تحت حكم أوتوقراطييه المدعومين من الغرب.
كانت المنطقة عالقة في تخلف مفروض عليها، يقابله التفوّق المالي والتنظيمي والعسكري والدبلوماسي الذي أغدقه الغرب على إسرائيل -وهي امتيازات ما تزال باقية وواضحة اليوم في دعم الغرب المطلق لإسرائيل حتى بينما ترتكب إبادة جماعية في غزة.
ربما يندهش الغربيون لدى رؤيتهم مشاهد من الشوارع في المدن العربية العلمانية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. وتُظهر الصور والأفلام من تلك الفترة في كثير من الأحيان أجواء شبابية منفتحة -على الأقل بين النخب الحضرية- حيث يمكن رؤية نساء يرتدين التنانير القصيرة والقمصان مفتوحة العنق. وكانت أجزاء من دمشق وطهران (كما في الصورة المرفقة من العام 1970) تشبه إلى حدّ كبير شوارع باريس أو لندن.
لكن المظاهر الغربية التي وسمت النخب العربية العلمانية، وعجز تلك النخب الواضح عن الدفاع عن بلدانها أمام إسرائيل في حرب العام 1967، أطلقا مطالب بالإصلاح السياسي، خصوصاً بين بعض الشباب الساخط الذي ذهب إلى التطرّف. وقد رأى هؤلاء أن الوعود الغربية الزائفة، ومعها الانغماس المتزايد في نوع من الانحلال غربي النمط، جعلت المجتمعات المسلمة خاملة، ومجزأة، وضعيفة، وتابعة.
كان لا بد من إيجاد مشروع سياسي يهدف إلى إحداث تحويل في المنطقة، وجعلها أكثر كرامةً وصلابة، وأكثر استعداداً للنضال من أجل التحرّر من السيطرة الغربية وضدّ دولة إسرائيل العميلة للغرب وذات الطابع العسكري الكثيف.
لذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا على الإطلاق أن تكون هذه الحركات الإصلاحية قد وجدت إلهامها في إسلامٍ مُسيّس يميز بوضوح برنامجهم عن الغرب الاستعماري ويسعى إلى تطهير مجتمعاتهم من تأثيره المفسِد.
كما كان من الطبيعي أيضًا أن تصوغ هذه الحركات قصة أصلٍ تمنح القوة والإلهام: سردية عن "العصر الذهبي" للإسلام المبكر، حين كافأ الله مجتمعًا مسلمًا أكثر تقوى ووحدة بالفتوحات السريعة التي شملت مساحات شاسعة من العالم. وكان هدف الإسلاميين هو العودة إلى ذلك العصر -الأسطوري إلى حد كبير- من خلال إعادة بناء العالم الإسلامي المنقسم في صورة خلافة؛ إمبراطورية سياسية متجذّرة في تعاليم النبي نفسه.
من اللافت، والمفارِق في الوقت نفسه، أن الإسلام السياسي والحركة الصهيونية الأكثر علمانية قد اشتركا في العديد من السمات الأيديولوجية.
سعت الصهيونية صراحةً إلى إعادة اختراع "اليهودي الأوروبي" الذي أُسندت إليه، وفق الفكر الصهيوني، صفات الضعف التي جعلته مهيأ تمامًا لأن يكون ضحيةً للاضطهاد، والذي انتهى به المطاف إلى الهولوكوست النازي. وبذلك، كان الافتراض هو أن تُعيد دولة يهودية الشعبَ اليهوديَّ إلى أراضي أسلافه وأن تُجدّد قوته، في ترديد لصدى العصر الذهبي الأسطوري لبني إسرائيل. وكان يُراد للدولة اليهودية أن تعيد بناء شخصية اليهود عندما يكدحون ويعملون بأيديهم من أجل أنفسهم، ويزرعون الأرض كمحاربين أقوياء سفعتهم الشمس. وسوف تكفل الدولةُ اليهوديةُ أمنَ الشعب اليهودي من خلال بناء قوةٍ عسكريةٍ تحول دون تدخّل الآخرين في شؤونها.
لكنّ الإسلاميين، على عكس الصهاينة، لم يتلقوا أي عرض بالدعم من القوى الغربية لتحقيق حلمهم السياسي. بدلاً من ذلك، قدّمت رؤيتهم عزاءً في وقتٍ شهد سيادة الفشل والركود في العالم العربي. ووعد الإسلاميون بإحداث تغيير جذري في المصير من خلال برنامج عمل واضح يستخدم لغة ومفاهيم دينية مألوفة للمسلمين مُسبقًا.
كما كانت للإسلاموية ميزة إضافية: صعوبة دحضها أو تخطيئها. لم يكن فشل هذه الحركات في تقويض النفوذ الغربي وإخراجه من الشرق الأوسط أو في هزيمة إسرائيل يضعف بالضرورة نفوذها أو شعبيتها. بل كان ذلك يُستخدم لتعزيز الحجة بضرورة تكثيف برامجها: من خلال تطبيق أكثر صرامة للعقيدة، وتبنّي نهجٍ أشد تطرفاً بشأن التقوى الإسلامية، وتنفيذ عمليات أكثر عنفاً.
كان هذا المنطق نفسه هو الذي قاد في نهاية المطاف إلى ظهور تنظيم القاعدة وطائفة الموت المتمثلة في تنظيم (داعش).
باعتباري مقيماً في المملكة المتحدة، ينطوي تقديم إجابة عن هذه النقطة على صعوبة بالغة من دون المجازفة بانتهاك "قانون الإرهاب" البريطاني القمعي. وتجعل المادة 12 من هذا القانون من إبداء رأي قد يدفع القرّاء إلى اتخاذ موقف أكثر تعاطفاً مع حركة "حماس" الفلسطينية جريمة يُعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاماً.
تكشف حقيقة أن بريطانيا قد جرّمت حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بالحركة السياسية التي تحكم غزة -بالإضافة إلى حظر جناح "حماس" العسكري- عن مدى خوف الغرب من السماح بإثارة نقاش حقيقي ومفتوح حول العلاقات بين إسرائيل وغزة. وبذلك، يمكن لأي شخص أن يشجّع على القتل الجماعي لأطفال غزة على يد الجيش الإسرائيلي من دون أن يتعرض لأي عواقب، لكن الإشادة بسياسيي "حماس" لتوقيعهم على اتفاق لوقف إطلاق النار يُمكن أن تكون ضرباً من المخاطرة القانونية.
ينبغي فهم الملاحظات التالية في هذا السياق المقيد للغاية. من المستحيل التحدث بصدق وقول الحقيقة بشأن غزة في بريطانيا لأسباب قانونية، بينما تجعل الضغوط الاجتماعية والأيديولوجية الأمر صعباً بالمقدار نفسه في دولٍ غربية أخرى.
تشكل فكرة أن "حماس" و"داعش" هما الشيء نفسه، أو جناحان مختلفان لأيديولوجيا إسلامية واحدة، حجة مفضّلة لدى الإسرائيليين. لكنها في الواقع ليست أكثر من هراء صريح. ينبغي أن يكون قد أصبح واضحاً مما سبق أن تنظيم "داعش" كان المأزق الأيديولوجي والأخلاقي الذي انتهى إليه الفكر الإسلامي السياسي بعد عقودٍ من الفشل -ليس في إنشاء خلافة حديثة فحسب، بل وحتى في تحقيق أي تأثير ملموس يُعتد به على التدخّل الغربي في الشرق الأوسط. وبسبب الإخفاق المتكرر، كان من المؤكد أن تصل الإسلاموية، أو الإسلام السياسي -عاجلًا أم آجلًا- إلى العدمية.
والسؤال الآن هو: إلى أين ستتجه الإسلاموية تاليًا بعد أن بلغت هذا الحضيض؟ قد يشكّل أحمد الشرع؛ الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، الذي ساعد أتباعه في الإطاحة بحكومة بشار الأسد في سورية وأصبح رئيساً انتقالياً للبلاد في مطلع العام 2025، مؤشراً على هذا الاتجاه القادم.
سوف يخبرنا الزمن -إلى جانب التدخل الغربي والإسرائيلي في سورية- بلا شك بما ستؤول إليه الأمور.
ومع ذلك، ثمة اختلافات واضحة للغاية بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحركة "حماس"، والتي يسيء الغربيون فهمها فقط لأننا حُرمنا عمداً من معرفة تاريخ "حماس" وتطورها الأيديولوجي- بشكل أساسي لمنعنا من فهم أي نوع من الدولة هي إسرائيل.
يسعى "داعش" إلى إلغاء حدود الدول القومية التي فرضها الغرب على الشرق الأوسط من أجل إقامة إمبراطورية ثيوقراطية عالمية عابرة للحدود، "الخلافة"، والتي تُحكم بتفسير صارم للشريعة الإسلامية.
في المقابل، وعلى النقيض من المواقف المفرطة في التطرف لتنظيم "داعش"، كان طموح حركة "حماس أكثر محدودية بكثير. بل إن أهداف "حماس" تتعارض مع أهداف "داعش". بدلاً من إلغاء حدود الدول القومية، تسعى "حماس" إلى إنشاء مثل هذه الحدود للشعب الفلسطيني -من خلال إقامة دولة فلسطينية.
إن "حماس" هي في الأساس حركة تحرر وطني تهدف إلى إعادة بناء المجتمع الفلسطيني وتحريره من العنف البنيوي المتأصل في استلاب إسرائيل للشعب الفلسطيني واحتلالها غير القانوني لأراضيه.
ولهذا السبب، ينظر تنظيم "داعش" إلى "حماس" كحركة مرتدة. تذكّروا أنه خلال الإبادة الجماعية التي استمرت عامين في غزة، كانت إسرائيل تدعم وتسلّح عصاباتٍ إجرامية، وعلى رأسها تلك التي يقودها ياسر أبو شَباب، والتي تربطها صلات واضحة بتنظيم "داعش".
جنّدت إسرائيل هؤلاء المتعاونين مع تنظيم "داعش" داخل غزة للمساعدة في إضعاف القوى الأيديولوجية الأكثر اعتدالاً نسبياً في حركة "حماس". فما الذي يقترحه ذلك بشأن نوايا إسرائيل الحقيقية تجاه غزة، وتجاه الشعب الفلسطيني بشكلٍ أوسع؟
تملك "حماس" جناحاً سياسياً خاض الانتخابات في غزة في العام 2006 وفاز بها، وقد تولّت حكم القطاع لما يقرب من عقدين. وخلال تلك الفترة، لم تفرض الحركة الشريعة الإسلامية، ولو أن حكمها محافظ اجتماعيًا. كما قامت "حماس" أيضًا بحماية كنائس القطاع -التي أصبح الكثير منها مدمرًا الآن على يد إسرائيل- وأتاحت للمجتمعات المسيحية ممارسة العبادة والاندماج مع المجتمعات المسلمة.
وعلى النقيض من ذلك، يرفض تنظيم "داعش" الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية رفضاً قاطعاً، وهو غير متسامح حد الوحشية -ليس تجاه غير المسلمين فحسب، بل أيضاً تجاه الطوائف الإسلامية غير السنية، مثل الشيعة، بل وحتى تجاه السنة الذين يراهم غير ملتزمين بعقيدته.
وثمة فرق لافت آخر هو أن "حماس" حصرَت عنفها العسكري في الأهداف الإسرائيلية، ولم تشنّ أي عمليات خارج المنطقة. بينما دعا تنظيم "داعش" إلى ممارسة العنف ضد كل من يعارض برنامجه الإسلامي، واستهدف الغرب بشكلٍ مباشر.
كما أُشير في قسمٍ سابق من هذا المقال، تردد قومية "حماس" وقومية إسرائيل الصهيونية أصداء بعضهما بعضًا. كلاهما يرى المنطقة الممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط على أنها ملك حصري له ليحكمها. وكلاهما يحمل أجندةً ضمنية لدولة واحدة. وعلى الرغم من أن الصهيونية بدأت كحركة علمانية، فإن الطرفين يستندان إلى مبررات دينية لتأكيد مطالبهما بالأرض.
وفي نهاية المطاف، خلصت "حماس" إلى أن محاكاة عنف إسرائيل هي السبيل الوحيد لتحرير الفلسطينيين من ذلك العنف؛ يجب عليها أن تُلحق بإسرائيل كلفةً باهظةً والتي تجبرها على اختيار الاستسلام.
وقد تغيّرت شروط الاستسلام التي تطالب بها "حماس" من إسرائيل بمرور السنين: من المطالبة بكل فلسطين التاريخية إلى المطالبة بالأراضي التي احتُلّت في العام 1967.
وقد شُجّع الغربيون على تجاهل هذا التراجع واللين التدريجي في الموقف الأيديولوجي لـ"حماس" -قبولها الضمني المتردّد بحلّ على أساس الدولتين- والتركيز بدلاً من ذلك على خروجها في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 من الحصار الإسرائيلي الوحشي وغير القانوني المفروض على غزة منذ 17 عاماً.
وربما كان الأمر الأكثر لفتاً للانتباه بعد أن تخلّت "حماس" عن مطالبها الإقليمية القصوى هو ردّ فعل إسرائيل. لقد أصبحت حتى أكثر تطرّفاً وتشددًا ووحشية في سعيها إلى التوسع الإقليمي اليهودي، إلى حدّ أنها تبدو الآن وكأنها تدفع بسعيها إلى تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يشمل احتلال جنوب لبنان وغرب سورية.
يبدو أن الصهاينة الدينيين في الحكومة الإسرائيلية، بمن فيهم الفاشيون اليهود المعلَنون ذاتيًا، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أصبحوا يمسكون بزمام الأمور بقوة. وربما يكون الوقت قد حان لأن نركز أقل على ما يسعى إليه الإسلاميون وأن نشرع في القلق أكثر بكثير مما يحضّره حكّام إسرائيل الصهاينة المتطرفون في الجراب للعالم.
 
*جوناثان كوك Jonathan Cook: صحفي بريطاني حائز على جوائز. عاش في مدينة الناصرة في فلسطين المحتلة لمدة 20 عاماً قبل أن يعود إلى المملكة المتحدة في العام 2021. وهو مؤلف لثلاثة كتب عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية" (2006) Blood and Religion: The Unmasking of the Jewish State؛ "إسرائيل وصدام الحضارات: العراق، إيران، والخطة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط" Israel and the Clash of Civilisations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East (2008)؛ و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في اليأس الإنساني (2008). Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Islam vs the West: 4 Fallacies Exposed