الغد-ديمة محبوبة
قصاصات أوراق، أقلام وألوان، أعواد، وغيرها من الأدوات التي نثرت على الطاولة الدراسية، يستخدمها محمد (11 عاما) وأشقاؤه الصغار، لإنجاز لوحات مزينة بعلم "فلسطين"، ورسومات ممزوجة بعبارات تحاكي صمود أهل غزة والدعوة بالرحمة للشهداء، وبخاصة أقرانهم من الأطفال الأبرياء، الذين ذهبوا ضحية القصف المستمر على قطاع غزة.
ومنذ السابع من تشرين الأول (اكتوبر)، استيقظ العالم على أحداث "طوفان الأقصى"، وما تبعها من أخبار العدوان على غزة، من مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حتى بات الأطفال يتشاركون مع عائلاتهم تلك الأوجاع التي تصيب المجتمع، جراء المشاهد المؤلمة يومياً، الأمر الذي جعل الأطفال أكثر فضولا لمعرفة المزيد عن القضية الفلسطينية، إذ يتسنى للأهل سرد قصص الآباء والأجداد وعلاقتهم بالأرض.
تقول راما تيسير "منذ الصغر غرست داخل طفليّ حب فلسطين وعدم تقبل العدو الإسرائيلي المغتصب، ومن خلال حديثي المستمر لهما ومراقبتهما عند الدعاء لغزة بالنصر والرحمة للشهداء، والأمل بعودة الأرض إلى أصحابها، ومشاركتهما الدعاء، كرست أهمية الاطلاع والوعي بما يحدث، ما دفعهما للتعبير عن هذه المشاعر من خلال الرسم أو الكتابة".
وتؤكد تيسير، أنه ومنذ بداية العدوان على غزة، وهما يعبران عن حب فلسطين من خلال رسوماتهما، لخريطة فلسطين، قبة الصخرة، وعلم فلسطين بأحجام متنوعة، وقاما بقص أوراق ورسم علم فلسطين ووضعه على أعواد خشبية، ليرفعوه عاليا من نوافذ السيارات.
لمست تيسير تلك المشاعر البريئة النابعة من طفليها، وطريقة تعبيرهما العفوية، كونها تعبر عن حبهما للوطن المحتل، وذلك من خلال مراقبة طبيعة الرسومات التي قاما برسمها، والعبارات التي كتبها كل منهما، بل إنهما تعمدا حفظ أبيات شعرية تتغنى بحب فلسطين، والتدرب على إلقائها في المنزل أو الإذاعة المدرسية، وفق قولها، وهذا جعلها على يقين أن الأجيال جميعها تتوارث حب الأوطان والاهتمام بالقضايا القومية من خلال الأهل والمجتمع.
التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني، تؤكد أن الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع والحضارات، وتقوم من خلال ما تقوم به الأسرة من مجهود في تربية جيل واع ومثقف ومنتم، مبينة أن نجاح أي قضية يكون بنجاح ما تقوم به الأسرة أثناء تربية أطفالها.
وترى الكيلاني، أن الأطفال اليوم يعبرون عن مشاعرهم المكتسبة من خلال عائلاتهم، فالطفل الذي يستمع عن قصص فلسطين، وعن تاريخها وحب الوطن، فإن هذا الحب يأتي من الأسرة، والتي تنقلها لأطفالها من خلال التعبير عن مشاعرهم ومن خلال سرد قصص جميلة عن الوطن، وعن حزنهم عند الحديث عن ذكريات "قصص التهجير القسري للأهالي والأجداد".
وتشير الكيلاني، كذلك، إلى أن نمو حب القضية الفلسطينية يأتي من أساس متين وتربية قومية، توعي الجيل بأهمية مقدساته وقضاياه، والمحافظة عليها، وخاصة عند الحديث عن فلسطين.
وتضيف الكيلاني، أن وجود القدوة في حياة الطفل والتي عادة ما تكون الأبوين، مهم جداً؛ فالأطفال قادرون على التعلم من خلال القدوة أكثر مما يتعلمونه من طرق تقليدية أخرى.
ومن خلال إيمان الأسرة بقضية فلسطين وتقدير أهميتها، يكون هناك متابعة من قبلهم لكل ما هو جديد من أحداث، بحسب الكيلاني، وهذا يجعل الطفل يتساءل عن الطريقة التي يمكن أن يقدموا فيها المساعدة لهم، والتي تظهر أن الطفل له طرقه في التعبير عن فرحه وعن حزنه وعن غضبه، وعادة ما يكون من خلال أدواته البسيطة ذات التأثير الكبير، كتلوين علم فلسطين، أو رسم الشهيد محفوفا بملائكة الرحمة، أو رسم الشهيد في مكان جميل أخضر تعبيرا عن أنه في الجنة، أو رسم خريطة فلسطين، ومن مظاهر التعبير التي تجدها اليوم في كثير من المدارس، قراءة الشعر وعرض الرسومات التي تعبر عن الانتماء لقضية فلسطين.
وتقول إسراء عبد الرحمن، وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة، إن ما تشاهده اليوم من مشاعر صادقة من الأطفال رغم صغر سنهم، تعبر عن انتمائهم وحبهم لفلسطين، يبين أن هذه القضية لا تموت ولا يمكن نسيانها، مبينة أنها تتلقى بشكل يومي رسومات منهم، تتنوع بين أعلام، شجر الزيتون، صورة الشهداء مبتسمين، أو خريطة فلسطين، إذ إن كل طفل يرسم القضية بما علق في ذهنه مما يشاهده وما يسمعه من ذويه.
وتبين عبدالرحمن، أن طرق تعبير الأطفال مختلفة، وهذا ما تشاهده منذ عشرة أيام مضت وبشكل يومي، إذ جاء أحد طلابها وطلب أن يكون له فقرة في إذاعة المدرسة للدعاء لفلسطين وأهلها وللشهداء والمقاومين، وبالفعل بشكل يومي يقوم بالدعاء لهم أمام طلبة المدرسة.
ووفق عبدالرحمن، فإن الأطفال يعبرون عن حبهم وانتمائهم من خلال ما يتقنونه كرسومات وغناء وحفظ الأشعار، يعبرون بحب وبراءة طفل، الأمر الذي ينقل القضية من جيل إلى آخر بشكل مستمر، إذ إن بعض الأطفال الذين لا يعرفون شكل خريطة فلسطين، طلبوا منها أن يقوموا برسمها من خلال "يوتيوب"، وإعادة نشرها في المدرسة.
تتفق التربوية الكيلاني والمعلمة عبد الرحمن، على أن حب الوطن وحب فلسطين لا يمكن أن يكون آنيا ومؤقتا، بل هي قضية عقائدية ولها أهميتها الكبرى، ومن خلال ما يعيشه الأطفال، ومنهم لأول مرة، أدى إلى نشأتهم على حب فلسطين في قلوبهم وتعبيرهم عن هذا الحب بأدواتهم البريئة.