عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Mar-2020

عازف الساكسفون - بقلم: جدعون ليفي

 

هآرتس
 
صوته سمع في كل صباح عند الفجر. معزوفة ساكسفون تنطلق من خلف غابة كثيفة لاشجار البندق واشجار السمط التي تزهر ازهار صفراء فاقعة اللون. وصوت العزف يصل الى مسارات الركض والدراجات التي توجد على ضفة الوادي في الطرف المقابل. احيانا ارتجال من عزف الجاز واحيانا معزوفات معروفة أو مجرد هتاف من الضفة الغربية لنهر ايالون قبل أن يصب في اليركون. هذا الدمج بين شروق الشمس وضباب الصباح الذي أخذ يتبدد وقطرات الندى وغابة اشجار الكينا وبحر من ازهار الاقحوان والموسيقا، كانت معا الاشياء الاكثر قربا من التجلي الالهي. ايضا ازهار الخزاما التي تزهر الآن باللون الازرق الفاتح وتطلق رائحتها، وربما يكون هذا ترمس، تساهم في ثمل الحواس في هذا الصباح في المتنزه. فقط لغز العزف الغامض لا يترك لنا أي مجال للراحة. من الذي يعزف هناك في هذا الصباح؟ كم هو عدد من يركضون في هذا الصباح ويركبون الدراجات، انتبهوا له. ربما أن هذه الموسيقا استهدفت ايقاظ سكان “بيت الصداقة” لجمعية الاطفال المصابين بالتوحد، الذي يوجد على ضفة نهر ايالون. هل ربما تكون هذه موسيقى مسجلة تصدر من النادي الرياضي المجاور؟.
في الاسبوع الماضي تم حل اللغز. قرب سيارة ميتسوبيشي فضية قديمة ومليئة بالاغراض في طرف حي بابلي، وقف شاب وهو يعزف على الساكسفون. النوتات وضعت على غطاء المحرك، يلبس نظارات ذهبية للقراءة وهو غارق تماما في العزف. من هو هذا الرجل؟ من يحضره الى هنا كل صباح؟ هذا سيبقى كما يبدو سر من أسرار المتنزه، مع قصص الاسرائيليين الذين عددهم يزداد، والذين يعيشون في شاحنات حولت الى كرفانات، مع صوت التماسيح في المتنزه، التي تجعل من يسمعونها يرتجفون عند بزوغ الفجر.
أمس لم يأت العازف. صوت الساكسفون توقف. وهدوء غريب خيم على المتنزه. بدء من هذا الصباح يمكن أن يكون هذا المتنزه خاليا من الناس بأمر من السلطات. الحزن نزل عليه بالأمس. حزب من يركضون ومن يركبون الدراجات ومن يتنزهون ويستجمون. لا يوجد في كثير من مدن العالم متنزه رائع وجميل مثل متنزه اليركون في حدائق يهوشع. ربما الآن، عندما تقوم جيبات حرس الحدود بأعمال الدورية فيه وتطرد الهائمين على وجوههم وأول أمس كان واحد منها، ستعرف تل ابيب كيف تثمن قيمة هذا المعلم الجمالي التابع لها.
ولكن اغلاق المتنزه هو بالطبع أحد الصعوبات الاسهل التي واجهتنا. هذه الآن أيام سيكون تسجيلها كما يبدو طويل المدى. الآباء سيحدثون ذات يوم اولادهم، والاجداد سيحدثون احفادهم، عن ايام الوباء.
كل شيء يتغير بسرعة كبيرة. شباب في نظر انفسهم مليئين بالحيوية والنشاط، يتحولون بين عشية وضحاها الى عجائز من الاسكيمو الذين يتم رميهم على جانب الطريق. نتانة زائدة يجب على المجتمع أن يبعدهم عنه، أو على الاقل حبسهم في البيوت، لصالحهم، بالتأكيد لصالحهم. فقط نقوم باقصاء المسنين الذين هم الآن في جيل الستين، وحياة الجميع ستعود الى مسارها.
بأمر واحد، الستين اليوم تحول الى ثمانين الأمس. يفجر مرة واحدة احتفال الستين لليوم الذي كان اربعين ذات يوم. الشباب الذي كانوا في ذروة نجاحهم في نظر انفسهم يتحطمون على صخرة واقع مجهولة من البطالة والضائقة، هذا ايضا بين عشية وضحاها. أي خروج من البيت يعتبر مخاطرة، أي اسرائيلي يكون قبالتك يعتبر جسم مشبوه، الشراء من السوبرماركت يذكر بالتسلل الانتحاري الى مخيم جنين في ذروة الانتفاضة. ما كان مؤكد بالأمس غير معروف لهذا اليوم. الخبير الاخير الذي سمعته هو دائما الاكثر اقناعا. كارثة تنتظرنا أو ربما جنون اجهزة تقوم بخطوات زائدة؟ من يعرف.
من البلدة التي تحتضر، بيرغمو، البلدة الاكثر اصابة في ايطاليا، كتبت لي في الاسبوع الماضي العاملة الاجتماعية روزيتا بوليني، بأنه “بعد ذلك” هي الكلمات الاكثر تنكيل بهن. لا أحد يعرف متى سيكون بعد ذلك وكيف سيكون ذلك. والى هذا نضيف “ما الذي سيبقى من كل ذلك بعد ذلك؟”. في هذه الاثناء ظهر أمس عند الفجر تمساح جميل على ضفة اليركون ونظر نظرة حزينة تفطر القلب الى صورته التي ظهرت في المياه البنية.