أنطاكيا – «القدس العربي»: بينما توقف القتال في سوريا، باستثناء مناطق محافظة إدلب في الشمال الغربي، يواجه السكان كارثة من نوع جديد: نقص البنزين، إذ تستمر أزمة الوقود في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، حيث يقضي السوريون ساعات في الطوابير للحصول على الوقود. وقد انخفضت قيمة الليرة السورية إلى أقل سعر لها منذ أيار/مايو 2016.
ويشير محللون إلى أن الضغوط الاقتصادية الأمريكية المتزايدة وتهديدات العقوبات على أي كيان يسهم في إمدادات النفط السورية، أدت إلى تفاقم الوضع في بداية الشهر الجاري وشلَ حركة النقل والنشاط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
يواجه مخلفات الحرب وحيداً وحلفاؤه عاجزون عن مساعدته
وأظهرت مجموعة من الصور ومقاطع الفيديو، التي التقطت في دمشق وحلب وحمص وحماه، المدن الرئيسية في البلاد، مشاهد لم يسبق لها مثيل في سنوات الحرب في أبرز معاقل النظام: اللاذقية ودمشق، طوابير طويلة، لعدة مئات من الأمتار، أمام المضخات القليلة التي ما زالت مفتوحة، والطرق التقليدية المزدحمة خالية، تقريباً، من السيارات في منتصف النهار. ونقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن أحد الاقتصاديين من دمشق أن «معظم المصانع توقفت عن العمل، والمصانع التي لا تزال تعمل لم يتبق لديها إلا القليل من الوقود».
وتعود بعض جوانب الأزمة إلى 20 كانون الأول/نوفمبر 2018، عندما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بيانًا يهدد بوضع أي كيان من شأنه أن يسهم في إمدادات النفط السورية. وركز التحذير بشكل أساسي على منع نقل الهيدروكربونات الإيراني، عن طريق البحر، إلى موانئ طرطوس واللاذقية السورية. ولكن السبب الأكثر تأثيراً وأهمية هو التدمير الكبير للبلاد على مدار الأعوام الثمانية الماضية على أيدي النظام السوري والقوات الجوية الروسية، وهما المسـؤولان عن تدمـير نصـف مدن حلب وحمص ودير الزور، وعشرات من المدن والبلدات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد. وفي هذه المدن والبلدات، قضيا على أجزاء كبيرة من البنية التحتية والقدرة الإنتاجية والوحدات السكنية، ليتحمَل المجتمع السوري واقتصاده، اليوم، أعبـاء هذا التدمـير الهـائل، وربما لسـنوات عديدة قـادمة.
وأشارت تقديرات موقع «التقرير السوري» (بالإنكليزية) إلى أن هناك عوامل أخرى تفسر هذه الظروف الاقتصادية الرهيبة، ومنها هروب رأس المال والطبقة الوسطى، والانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية، وتفتيت البلاد إلى مناطق مختلفة من السيطرة، واحتكارات القلة من شخصيات تجارية قوية السوق المحلية وشبكات النظام الفاسدة.
يُذكر أن أزمة الوقود التي ضربت مناطق النظام السوري أتت بعد أن عصفت به سابقاً أزمة الغاز، وقد عجز حلفاؤه، الروس والإيرانيون حتى الآن، عن مساعدته. ويبدو أن النظام أصبح يواجه وحيداً إجراءات وزارة الخزانة الأمريكية المتضمنة محاصرة أي نشاط لنقل الشحنات المحملة بالنفط إلى مناطق سيطرۃ الأسد، فالعجز التام الذي يعاني منه في توفير المشتقات النفطية وتجاوز الأزمات المعيشية والخدمية التي تعصف بمناطقه، كل هذا وغيره سبب استياء واضحاً بين السكان.
وبينما عملت شركات روسية عديدة على إيصال النفط إلى سوريا، قام الأمريكيون بتعطيل شبكات روسية، كما حال زخم العقوبات دون تشكيل كيانات بديلة تتابع نقل النفط في الأيام الماضية، فضلاً عن أن الشركات الصينية (العاملة خارج الصين)، لا تملك قرار التعاون مع سوريا في ملف النفط، خشية العقوبات الأمريكية. وهناك دلائل على أن العقوبات لها تأثير كبير، فقد ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الشهر الماضي، أن إيران لم تتمكن من توصيل النفط إلى سوريا منذ كانون الأول/يناير بسبب تطبيق العقوبات الدولية، مما زاد من الضغط على نظام بشار الأسد، ذلك أن الإمدادات الإيرانية، التي تمثل الجزء الأكبر من واردات النفط السورية، كانت أكبر مصدر للإيرادات المالية. وتناقلت وكالات إعلامية أنباء عن قرب وصول ناقلة نفط إيرانية لسواحل اللاذقية، وعن جهود يبذلها الرئيس الايراني روحاني لإقناع أنقرة بالسماح بمرور بعض إمدادات النفط المحملة ببواخر إيرانية ترسو حالياً عند احد مرافئ تركيا الجنوبية القريبة من سواحل اللاذقية.