عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Feb-2019

أشخاص یبحثون عن مساحة للبوح عبر منصات إلکترونیة للعلاج النفسي
منى أبوحمور
عمان-الغد-  البحث عن مساحة من الخصوصیة والرغبة في كسر حاجز الخوف والبوح بحریة عن المكنونات، مطلب یبحث عنھ الكثیرون ویدفعھم لإیجاد فسحة للتعبیر، بعیدا عن أروقة عیادات الأطباء النفسیین باھظة الثمن والانتظار خجلا في قاعاتھا.
عبر شاشة حاسوبھا الشخصي، جلست میسون محمد تبحث عن موقع عبر الإنترنت للعلاج النفسي، لعلھا تجد حلا لمشاكلھا وضیقة الصدر التي تعاني منھا ولم تجرؤ على البوح بھا لأحد حتى أقرب الناس لھا.
كانت المرة الأولى لمیسون حین أغلقت باب غرفتھا متحججة بدراستھا، بدأت حینھا تسجل دخولھا لموقع العلاج النفسي المجاني، أخذت حینھا موعدا من طبیب نفسي تبث لھ مشاكلھا وتروي لھ كل ما یضایقھا.
تقول ”شعرت براحة كبیرة بعد الجلسة الأولى واعتقدت أن ھذا أفضل حل لمشاكلي“، بدون أن تضطر للخروج من منزلھا أو حتى تتعرض لوابل الأسئلة ممن حولھا.
وتقوم منصة ”علاج نفسي“ التي تستخدمھا میسون في علاجھا على تقدیم الدعم لمرضى الاكتئاب، الى جانب متابعة ضحایا الحروب والتعذیب في المنطقة العربیة على وجھ الخصوص.
العدید من مواقع الدعم والعلاج النفسي العربیة والعالمیة ظھرت في السنوات الأخیرة عبر الإنترنت، یقدم من خلالھا مجموعة من الأطباء والخبراء النفسیین خبراتھم عبر التواصل مع الأشخاص الذین یقومون بالتسجیل في الموقع في التخصصات كافة عبر الاتصال بالصوت، أو عبر الكامیرا أو من خلال الكتابة وفق رغبة المریض.
وفاة زوج ریھام علي بعد سنة من زواجھما شكل بالنسبة لھا صدمة كبیرة أدخلھا في حالة من الاكتئاب الشدید الذي انقطعت خلالھ عن أسرتھا وأصدقائھا وكل الأشخاص المقربین لھا.
عزلة ووحدة وألم تعتصر قلبھا، ھكذا وصفت ریھام حالھا، فلم تعد قادرة على البكاء أو حتى مشاركة من حولھا بما تشعر بھ، فلم تجد أمامھا سوى تلك المواقع الإلكترونیة المتخصصة في العلاج النفسي تجد من خلالھا منفذا لحالتھا وشخصا یسمعھا بدون أن یلومھا.
علاج ”أون لاین“، كان الخیار الأول لریھام، وعبر اتصال حصلت على استشارة من خلال الجلسة العلاجیة الأولى التي شعرت بعدھا بتحسن كبیر وبرغبة كبیرة في الحدیث.
وتقول ”الأمر لا یقتصر على صعوبة البوح بزیارة طبیب نفسي فحسب، إنما ھي مشكلة مجتمع یرفض تقبل الفكرة، ویعتبر زیارتھ مصیبة، ناھیك عن ارتفاع سعر الجلسة الواحدة الذي قد یصل عند بعض الأطباء إلى 70 دینارا“.
فضیلة خالد إحدى الناجیات السوریات، وجدت من مواقع العلاج النفسي منصة تحصل من خلالھا على الدعم النفسي والعلاج؛ إذ وصفتھا بالرائعة، خصوصا تلك التي تستھدف الناجین من الحروب والدمار ومناطق النزاع.
بعد الحرب والدمار الكبیر والاستیقاظ على صوت القنابل والانفجارات وخسارة معظم أفراد عائلتھا، باتت حاجة فضیلة وأخیھا الناجیین الوحیدین من العائلة للعلاج النفسي ملحة، لیتمكنا من الاستمرار في حیاتھما.
تقول ”كان الطبیب مستمعا جیدا واحترم رفضي لمكالمة سكایب والاكتفاء بمكالمة صوتیة“، معتقدة أنھا طریقة ناجعة لا تتطلب منھا سوى أن تكون في منطقة مخدومة بالإنترنت.
بید أن خوف مراد طریفي أن یحتوي سجلھ الطبي على سیرة نفسیة مضطربة، تتسبب في حرمانھ من الحصول على وظیفة أو ربما تكون سببا في رفض العدید من الفتیات القبول من الزواج بھ، ھو ما دفعھ للجوء إلى منصات العلاج النفسي التي وجد إعلانھا على موقع التواصل الاجتماعي ”فیسبوك“.
ھذه المنصات مكنتھ من الحصول على فرصة العلاج النفسي بدون تكلفة أو حتى دفع مبالغ كبیرة للحصول على الجلسات العلاجیة، واجدا ھذه المنصات فسحة أمل لمن لا یجرؤ على طرق أبواب عیادات أطباء نفسیین.
ومن جھتھا، أشارت اختصاصیة علم النفس الدكتورة مرام بني مصطفى، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي والإلكترونیة أصبحت تتصدر أولویات واھتمامات الناس، فأصبحت مصدرا للمعلومات والأخبار في العدید من المجالات الطبیة والنفسیة.
وقد یكون الفرد في مكان ما ویرغب بالفضفضة ولا تكون الفرصة متاحة لھ لیجد شخصا متخصصا، یستمع إلیھ ویشعر معھ بالارتیاح التام، یقوم بالتواصل معھ عبر المنصات التي تخدم العلاج النفسي.
الخطورة في ھذه المواقع، وفق بني مصطفى، تكمن في صعوبة التأكد من مدى السریة والخصوصیة، لا سیما مع استخدام الصوت والصورة ومعرفة كل التفاصیل، وربما غیاب دقة التشخیص، لأن الأعراض في بعض الأمراض تكون متتابعة ومختلفة من شخص إلى آخر.
العلاج النفسي عبر الإنترنت لھ إیجابیاتھ وسلبیاتھ، بحسب بني مصطفى، ناصحة بضرورة الذھاب للمعالج النفسي بشكل مباشر لأن ھناك بعض التفاصیل الدقیقة التي لا یمكن للفرد أن یسردھا من خلال المواقع، كذلك یتوفر عنصر مھم في العلاقة الإرشادیة بین المعالج النفسي والفرد وھي لغة الجسد.
الأصل عند اللجوء إلى ھذه المواقع التأكد من الأشخاص القائمین علیھا، وفق أخصائي الإرشاد التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة، لافتا إلى أن ھذه المواقع یمكن أن تكون ناجحة في الأمور الإرشادیة.
ویؤكد أن العلاج یتطلب زیارة المختص لأن ھناك تفاصیل كثیرة تتطلب مقابلة شخصیة تعتمد على التواصل البصري بین المعالج والشخص الآخر لبناء الثقة والطمأنینة لبناء التكتیك للعلاج.
ویتساءل: كیف یمكن لأي مریض أن یثق بالمعالج وھو لا یعرفھ ولا یمكن أن یوثق حقیقة عملھ، والأصل أن لا یسلم نفسھ أو أن یبوح بأسراره ومشاكلھ بدون أن یكون متأكدا مع من یتحدث.
ویعزو مطارنة لجوء الكثیرین للمواقع النفسیة لثقافة الناس التي تعتقد أن من یزور الطبیب النفسي ھو إنسان ”مجنون“، ولا نعترف أن المشكلة النفسیة ھي أمر طبیعي یصیب كل الناس، فضلا عن الجانب الاقتصادي والمادي؛ فزیارة الطبیب النفسي مرتفعة الثمن.
العلاج النفسي عبر شبكة الإنترنت، یمكن أن یكون فاعلاً ومؤثراً في المریض أكثر من العلاج المباشر بین المریض والمعالج النفسي، ھذا ما أظھرتھ دراسة علمیة حدیثة مؤخرا.
وأرجعت الدراسة التي نشرت في دوریة ”Lancet The ”الطبیة ھذه النتیجة، إلى الحریة التي یتمتع بھا المریض في الحدیث عما یدور في صدره، بشكل أكبر من تلك التي یملكھا إذا ما واجھ الطبیب وجھاً لوجھ.
وبینت الدراسة أن العلاج النفسي عبر الإنترنت، یوصل المرضى إلى نتائج أفضل من تلك التي ینتجھا العلاج التقلیدي، ویقول الخبراء إن الإنترنت یمكن أن یلعب دورا مھما في علاج المرضى النفسیین، خصوصاً لدى أولئك الذین لا یتمكنون من الذھاب للطبیب.
ویقدر مدیر المركز الوطني للأمراض النفسیة في الأردن، نائل العدوان، في تصریحات سابقة، عدد الأطباء النفسیین في الأردن، بنحو 110 أطباء، 75 منھم في القطاع الخاص، والباقي یعملون تحت مظلة وزارة الصحة الأردنیة، ما یجعل الأردن، أقل البلدان مقارنة بالبلاد المجاورة، في عددھم.
ومن جانبھا، تكشف بیانات منظمة الصحة العالمیة، أن ما نسبتھ 5.0 % من مجموع الأطباء النفسیین في المملكة، مؤھلون لعلاج 100 ألف من مجموع السكان.
وكشفت منظمة الصحة العالمیة أن قدرة المملكة على تأمین العلاج، لا تتجاوز نسبة 2 % فقط، من مجمل نفقات العلاج الصحیة؛ حیث استقبل مستشفى المركز الوطني للصحة النفسیة، والتابع
لوزارة الصحة الأردنیة، أكثر من 9 آلاف مراجع ومراجعة للعیادات الخارجیة، خلال العام 2016 ،وفق ما أكده العدوان في تصریحاتھ.
وما تزال نظرة الناس، وبالرغم من ارتفاع نسبة التعلیم، غیر علمیة أو منصفة نحو العیادات النفسیة، وفق أخصائي علم الاجتماع في جامعة الحسین الدكتور حسین محادین، لافتا إلى أن مستوى الوعي لدى المعظم بأن جمیع الأمراض عضویة فقط.
ومن جھة أخرى، یرى محادین أن الجوانب النفسیة لا تعار كل الاھتمام المفترض من حیث الوعي والتعامل الطبي الصحیح معھا، فالإنسان مكون من الجوانب النفسیة والظاھر الجسدي، لذا یتجنب أفراد المجتمع القیام بزیارة طبیب نفسي.
”الدراما التلفزیونیة أسھمت برسم توقعات الرأي العام الھش وبصورة مغلوطة عن الطبیب النفسي والعیادة النفسیة“، یقول محادین، مضیفا ”أن اعتماد التقاریر من قبل القضاء وخطورتھا كعامل ثابت یدفع الناس للإحجام عن العیادات النفسیة عندما یرتبط بقضایا الحجر والإرث والجرائم“. ویقول ”ما نزال نواجھ بثقافتنا تحدیات كیف نعدل اتجاھات الأفراد نحو ذھابھم إلى العیادات النفسیة وإزالة النمط الظالم الذي لحق بالتصور الشعبي للعیادة“، فحالات الاغتراب التي یعیشھا أبناء المجتمع عن دائرتھم الخاصة (الأسرة) وتدني الثقة بین الأفراد والأصدقاء قد أسھما في جعل الأفراد یبحثون عمن ینصت إلیھم أو یحاورھم.
وتمثل ھذه المنصات، وفق محادین، منفذا للإفصاح عن مكنوناتھم التي لا یجرؤون على الحدیث عنھا أمام الآخرین، وبالتالي ازداد الدخول إلى ھذه المنصات.
ویجد محادین أن مثل ھذه الوسائل عمقت القیم الفردیة لدى الأفراد وأضعفت الروابط الاجتماعیة، وأصبحت تمنح الأفراد حریة إقامة العلاقات العابرة للجغرافیا واللغات وصولا إلى الجوھر الإنساني بمعناه الشمولي النفسي من مختلف الجوانب.