عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jul-2022

«الشرق العربي» وبحر البلطيق.. والسيولة الجيوسياسية*محمد رفيع

 الراي 

فنلندا لا تبعد سوى مسافة بسيطة عن مدينة سان بطرسبرغ الروسية، ثاني أكبر المدن بعد موسكو. كما أنها مجاورة للحدود القطبية للأراضي الروسية، وهي دائرة خالية من السكان، وذات أهمية استراتيجية وأمنية كبيرة لروسيا، التي تجاورها قطبياً أيضاً.
 
أما السويد، فهي تحتل الشاطئ الغربي لبحر البلطيق، ما يمكّنها، إن شاءت، من إغلاق بحر البلطيق أمام الأساطيل الروسية. والدولتان، وعلى الرغم من قلّة عدد سكانهما، تُعتبران من أكثر دول العالم تقدماً، وتمتلكان جيشين محترفين وقويين، وصناعات وتقاليد عسكرية متطورة. ما يعني أن الموقع الجيوسياسي لفنلندا والسويد يحمل أهمية استراتيجية لروسيا، فالدولتان قريبتان من مناطق روسية حيوية، ومن مناطق أخرى توصف بأنها مكشوفة لأية هجمات عسكرية.
 
أوروبيّاً، لا تزال فنلندا من إحدى الدول القليلة التي تتبنّى التجنيد الإجباري في جيشها، وتمتلك أحد أقوى أسلحة المدفعية في أوروبا كلّها. كما أن السويد منتج مهم للأسلحة، فهي تصنع طائرات «غريبين» المقاتلة، المؤهّلة للعمل من الطرقات العامة، تحسبّاً لأيّة مواجهة مع روسيا تستولي فيها الأخيرة على المطارات، نظراً لفارق القوة المهول بين الدولتين.
 
بإعلان انضمام السويد وفنلندا للناتو، فإنّ مشهداً جيوسياسياً جديداً يرتسم في شمال القارة الأوروبية، المستقرّ منذ نحو قرنين؛ حيث كانت فيه فنلندا، تاريخيّاً، إما تابعة لروسيا أو مُراعية لمصالحها، بينما كانت السويد تحتل موقع الحياد. فتاريخياً، كانت فنلندا جزءاً من السويد، ثم أصبحت روسية، قبل حصولها على الاستقلال بعد الثورة الشيوعية. غير أن البلدين توافَقا، بعد الحرب العالمية الثانية، على تأكيد حياد فنلندا وعدم اعتداء الاتحاد السوفييتي عليها، مقابل مراعاتها للمصالح السوفيتية. بينما بقيت السويد محافظة على حيادها?طوال نحو قرنين، الأمر الذي جعلها بالنسبة لروسيا منطقة لا تشكّل خطراً ممكناً، كواحدٍ من تقاليد الحياد السويسرية، التي لم تؤثر فيها حربان عالميتان.
 
على الجانب الشمالي والغربي من بحر قزوين تقريباً، تتوزّع ثلاثة خلجان هي؛ خليج بوتيه بين فنلندا والسويد، وخليج فنلندا بين فنلندا وأستونيا وروسيا، وخليج ريفا بين أستونيا ولاتفيا، وبينها تنحشر مقاطعة كالينغراد الروسية، بالغة الأهمية للأمن القومي الروسي وتراسنته العسكرية والنووية، ومن دون أي اتصال برّي بالأراضي الروسية. تلك المقاطعة التي عبرّ، مؤخراً، عن إمكانية حصارها من قبل الناتو، الجنرال الروسي غوروليوف، النائب السابق لقائد المنطقة العسكرية الجنوبية في الجيش الروسي، وعضو لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي حا?ياً، قائلاً «إنّ الحلّ الوحيد لمنع محاصرة مقاطعة كالينينغراد الروسية وعزلها عن روسيا من قبل دول الاتحاد الأوروبي هو الغزو الروسي لدول البلطيق التابعة لحلف شمال الأطلسي».
 
إن انضمام السويد وفنلندا للناتو هو خطّ استراتيجي روسي أحمر تمّ تجاوزه من قبل الناتو، وهو ما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية. وقد يكون من التعسّف المجازفة بالحديث عن نذر لحرب عالمية ثالثة، تسعى جميع الأطراف لتجنّبها، غير أن الجميع أيضاً يسعى، وعلى نحو حثيث، للاستفادة من السيولة الجيوسياسية في مناطق كثيرة من العالم، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وإعادة انتشاره وتعزيز مواقعه، ومنها منطقة الشرق العربي وبحر البلطيق.