إما الحكم أو البرنامج النووي .. ما حقيقة ما يحدث بين ترمب وإيران؟* لورانس هاس
مدونة -
أخذت السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران تقترب من لحظة «العودة إلى المستقبل»، مع إحياء البيت الأبيض في عهد ترامب الاستراتيجية التي اتّبعها الرئيس جورج دبليو بوش (ولبعض الوقت، الرئيس باراك أوباما) لممارسة الضغوط على إيران اقتصادياً للتخلّي عن مساعيها النووية.
والسؤال الآن هو ما إذا كان الرئيس ترمب، أو من سيخلفه بالضرورة، سيدفع حملة الضغط تلك، التي تستكملها الإدارة بتواصلٍ مع الشعب الإيراني، ومزيدٍ من التعاون الأمني مع خصومها الإقليميين، إلى ختامها؟
إن كان الوضع كذلك، فالنظام في طهران، الذي يترأس اقتصاداً مضطرباً بشكل متصاعد وشعباً مضطهَداّ، ربما قد يصل إلى نقطة حيث يتوجب فيها أن يختار بين برنامجه النووي واستمرارية حكمه.
هذا ما توقّعه وزير الخارجية مايك بومبيو في مايو/أيار الماضي، عندما قال بعد إعلان ترامب أن واشنطن ستنسحب من الاتفاقية النووية العالمية مع إيران، إن عقوباتٍ أميركيةً جديدةً ستجبر طهران على اتخاذ خيار «المحاربة من أجل الحفاظ على دعم حيوي لاقتصادها في الداخل أو تبديد ثروةٍ ثمينةٍ في معارك بالخارج».
تغير واشنطن مسارها نحو تحدٍّ رئيسي للسياسة الخارجية، مع رئيسٍ ينقلب على نهج سلفه، بشكلٍ غير مسبوقٍ. فلأكثر من نصف قرن، تغيرت سياسة الولايات المتحدة نحو الحرب الباردة من احتواء السوفييت إلى المشاركة في انفراجة للسعي إلى إنهاء الحكم السوفييتي.
وتغيرت سياسة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة بشكلٍ دراماتيكي، مع شجب بعض الرؤساء لانتهاكات الحلفاء والخصوم على حدٍّ سواءٍ، وإدانة آخرين للتقليل منهم لصالح السياسة الواقعية.
رغم ذلك فالتحوّل الأميركي تجاه إيران خاصةً هو أمرٌ مثير. انسحب ترمب من الصفقة النووية عام 2015 بين الخمسة أعضاء الدائمين بمجلس الأمن وألمانيا (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) مع إيران.
وبعد ذلك أعاد ترمب إحياء النهج الذي سعى أوباما وراءه (وبوش من قبله) قبل هذه الصفقة، كي يستخدم الضغط الاقتصادي لإجبار طهران على الخيار الذي حدّده بومبيو.
لكن بشأن إطلاق حملةٍ جديدةٍ من الضغوط الاقتصادية، يوسّع ترمب شروط النقاش. وبدلاً من التركيز بشكلٍ ضيقٍ على البرنامج النووي، يسعى إلى تغيير سلوك طهران بشكلٍ أوسع.
عندما سحب ترمب الولايات المتحدة من الصفقة، لم ينتقد الرئيس وفريقه قيودها الزمنية المحدودة فحسب، ونظام التفتيش الضعيف، والإفراج المبكر عن العقوبات، ومشاكل أخرى.
وسخروا أيضاً من تركيزهم الضيق ووسعوا العوائق لتحسن العلاقات الأميركية الإيرانية لتشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية ورعاية الإرهاب والأذى الإقليمي وانتهاكات حقوق الإنسان.
والآن، تتبع الإدارة استراتيجية تتكون من ثلاثة أجزاءٍ على الأقل:
أولاً، الضغط الاقتصادي: ستبدأ واشنطن في إعادة فرض عقوباتٍ أوائل أغسطس/آب، والتي ستجبر المصالح التجارية العالمية الكبرى على أخذ قرارٍ عما إذا كانت ستستثمر في إيران أم تحافظ على التواصل مع النظام المالي الأميركي.
لا تبدو الجهود التي تبذلها طهران للتخفيف من تأثير العقوبات القادمة ناجحةً. فعلى سبيل المثال، ذكر تقرير لوزارة الخارجية أن أكثر من 50 شركةً عالمية أعلنت بالفعل عن خططٍ لمغادرة إيران.
وبالإضافة إلى ذليل، سجّل الريال الإيراني أدنى مستوياته مقابل الدولار في الأيام الأخيرة، وخسر نصف قيمته منذ أبريل/نيسان.
رغم ذلك وبالنسبة إلى الشعب الإيراني الذي عانى طويلاً، يمكن أن تزداد الأوضاع سوءً. وبحسب تقاريرٍ فالمسؤولون الإيرانيون يناقشون ما إن كانوا سيعيدون تطبيق نظام الحصص الغذائية الذي كان سارياً أثناء الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات.
ثانياً، التوعية: مع السعي إلى صفقةٍ نوويةٍ، كان أوباما حريصاً على عدم إثارة غضب النظام عبر احتضان شعب إيران. رغم ذلك يرى فريق ترمب مثل هذا الارتباط نقطة ضغطٍ أخرى مناهضةٍ للنظام.
قال بومبيو في أواخر تموز/يوليو: «في الوقت الذي يترك الأمر في النهاية للشعب الإيراني لتحديد اتجاه بلادهم، تدعم الولايات المتحدة، من أجل حرياتنا، ستدعم صوت الشعب الإيراني الذي طالما تم تجاهله».
ثالثًاً، تعزيز الأمن: تغذّي واشنطن العلاقات الوطيدة مع خصوم إيران الإقليميين. والمحادثات جاريةٌ لإطلاق «حلف الشمال الأطلسي العربي«، وسمي مبدئياً التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (MESA)، والذي سيشمل السعودية والأردن ومصر ودولاً أخرى وستدعمها الولايات المتحدة.
كما أثبت حلف شمال الأطلسي أنه كان أداةً رئيسة في احتواء السوفييت أثناء الحرب الباردة، فستساعد MESA في احتواء إيران، التي تتحكم بشكل كبير مباشرةً أو من خلال وكلاء حكومات سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وأطلق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي على التحالف أنه «حصنٌ ضد العدوان الإيراني والإرهاب والتطرف» الذي «سيجلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط».
إذا نفذت هذه الاستراتيجية على نحوٍ فعالٍ، فقد تترك طهران أضعف داخلياً ومقيدة أكثر. وبعد ذلك سيواجه النظام تحدي محاولة التخلّص من حملة الضغط، حتى يأتي التغيير المقبل الذي لا مفر منه في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.