عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Dec-2019

الهواتف الذكية.. كيف تحرم الطفل من تفاعله الاجتماعي وتطوره النمائي؟

 

منى أبوحمور
 
عمان-الغد-  يرتكب العديد من الآباء أخطاء تؤثر على تربية الأبناء، وإن كان ذلك من دون إدراك، تحديدا في السنوات الأولى من أعمارهم. وتهرع العديد من الأمهات إلى إعطاء صغارهن الهاتف الذكي للتسلية أو حتى لإيقاف بكاء مفاجئ أو لكسر ملل قد يشعرون به.
في حين تجد بعض العائلات في البرامج التربوية الرقمية، اختيارا مناسبا لتربية الأبناء وتطوير المعارف لديهم، الأمر الذي نفته اختصاصية تطور وسلوكيات وتنمية الصحة النفسية والعقلية للطفل د. أروى عبد الحق.
وتجد عبدالحق، أن الأهل يلجؤون إلى الهاتف الذكي، أو التلفزيون، فيتحول انتباه الطفل الى الجهاز، وينفصل عن الواقع وينتهي الخلاف، إلا أن الثمن يكون باهظا.
اللافت للنظر أن العديد من الأمهات والآباء يميلون إلى التعليم الرقمي، فيبدؤون بالبحث عن البرامج التربوية والتعليمية الرقمية المتوفرة على “يوتيوب”، معتقدين أنها الطريق الصحيح لملء فراغ أبنائهم بمحتوى تعليمي تربوي، متجاهلين أن قضاء أبنائهم معظم الوقت أمام شاشات الهاتف النقال يؤثر على كل من تطورهم الاجتماعي والنمائي.
ومن جهتها، تصف الثلاثينية ليلى خالد مدى تعلق طفلها بالهاتف الذكي، فمنذ أن يستيقظ في ساعات الصباح يبدأ البحث عنه ليمضي معظم ساعات النهار، في الوقت الذي تحاول والدته تحميل برامج تعليمية وتربوية باللغتين العربية والإنجليزية، رغبة منها في استغلال وقته على الهاتف بالتعليم.
ليلى كحال العديد من الأمهات اللواتي ينعمن بلحظات من الهدوء على حساب إمضاء الأبناء ساعات على الهاتف الذكي ومتابعة البرامج الرقمية، من دون وعي لخطورة ذلك على نموهم وانفعالاتهم.
التربوية أروى كايد عبد الحق، أكدت من خلال الأبحاث التي قامت بها أن الطفل لا يستوعب ما يرى ولا يفهم ما يسمع ولكنه يتابع الحركة ويعتاد على الإيقاع، ويحين وقت الطعام، فيظهر الهاتف الذكي مجددا بأغان وأفلام لا علاقة لها بالواقع، من دون أن تحمل أي هدف تربوي، إلا أنها تشد انتباه الطفل فيتوقف عن البكاء وينصاع لما يملى عليه من طعام أو لباس أو جلوس، ومع مرور الوقت، فإن الطفل لا يهدأ إلا بمساعدة الهاتف، ولا يأكل الا وهو أمامه على الطاولة، ويقضي معظم ساعات نهاره محدِّقاً في الشاشة.
وتقول عبد الحق “عندما نلجأ الى الأجهزة الإلكترونية لإلهاء الطفل وتحويل انتباهه فإننا نحرمه من فرصة التفاعل البنّاء مع محيطه الاجتماعي ومن تعلّم طرق التعامل والتواصل السليم مع الناس”؛ إذ إن المواقف تشكل فرصا ذهبية لا تعوض، لتعليم الطفل كيف يتواصل إيجابيا مع المحيطين به وكيف يتعامل مع الإحباط بطريقة إيجابية وفعالة.
ويلفت اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الأطفال في المراحل النمائية بحاجة لأن يكونوا في بيئة أسرية ونفسية واجتماعية تحفز هذا النمو بطريقة سليمة سواء العقلي أو الذهني أو الحركي أو الجسدي، ما يتطلب من الأهل أن يمارسوا أدوارا اجتماعية تؤهلهم وتدربهم وتمنحهم مبادئ وعادات وأفكارا وتقاليد تضمن لهم مستقبلا جيدا.
ويشير مطارنة إلى خطورة أن تتعمد الأم إعطاء طفلها الهاتف الذكي من عمر السنة وحتى الثلاث سنوات من باب التسلية، ما يجعل استخدامه عادة لديه ويشكل خطورة كبيرة يمتد معه لفترات طويلة، مما يعرضه لتأخر نمائي.
ويؤكد مطارنة أن استخدام الهواتف ومتابعة البرامج الرقمية من قبل الطفل وحتى الطالب يؤثر على قدراته المختلفة، منها التفاعل الاجتماعي والنضوج الذهني ويصبح تركيزه على مساحات مختلفة من برامج وألعاب تدفعه لأن يتوحد معهم.
وكشفت دراسة علمية حديثة أن إدمان الهاتف الذكي يكلف الطلاب كماً لا بأس به من الدرجات، وقد يؤدي إلى رسوب بعضهم في الامتحانات.
وخلص الباحثون إلى أن استخدام الهاتف بشكل مكثف أعلى من المعتاد (حوالي 5 مرات في محاضرة مدتها ساعة) يتسبب في انخفاض في نتائج الامتحانات بنسبة 5 % مقارنة بشخص يتجنب استخدام هاتفه الذكي.
كما كشفت النتائج ارتباط انخفاض نتائج الامتحانات أيضا بفرص أكبر للفشل في الفصل الدراسي؛ حيث كان الطلاب الذين تم تصنيفهم كمهووسين بالهاتف الذكي، أكثر عرضة للرسوب بنسبة 8 %، وحققوا نسبة نجاح بلغت 60.6 % مقارنة بنسبة نجاح بلغت 68.9 % لأولئك القادرين على تجاهل هواتفهم.
ويستدرك مطارنة بأن التركيز على الهواتف يتعب الذهن، فيصبح عادة لديه كاللبس والأكل، فيصعب السيطرة عليها ولا يعد للأهل القدرة على ضبطها أو وقفها، فيسبب له تشتتا في الانتباه، وعدم التركيز خارج إطار اللعب ويحدث حالة من الإرباك النفسي والاضطرابات الشخصية.
كما تتسبب، بحسب مطارنة، بتدن في مفهوم الذات، وغياب عن التفاعل الاجتماعي، ما يؤثر على الناحية النفسية والمعرفية وقلة التركيز والتشتت لدى الطفل.
ويشدد مطارنة على ضرورة أن يوفر الأهل بيئة اجتماعية محفزة للسلوك والتفكير الإيجابي ومتطلبات الطفل النمائية، لتجنب الإشكالات التي تحدثها البرامج الرقمية في الشخصية من توتر وعصبية وردات فعل غامضة، لذلك على الأسرة أن تهتم بهذا الموضوع الذي يعلم العنف والاستغلال ويجعل الأطفال رهينة تلك البرامج.
ويتفق في ذلك التربوي الدكتور عايش نوايسة الذي يؤكد خطورة زيادة استخدام الأطفال للهواتف و”يوتيوب” والبرامج الأخرى المتعلقة بالتعليم الرقمي والتي أصبحت تحتل حيزا كبيرا من وقتهم، الأمر الذي يشكل خطورة تربوية وعقلية.
ويشير نوايسة إلى أن انتشار هذه البرامج أصبح يؤثر بشكل كبير على التحصيل الأكاديمي للطلاب حتى في المراحل الأولى الدراسية، لأنهم يقضون أوقاتا طويلة جدا أمام “يوتيوب” والإنترنت، ما ينعكس على شخصياتهم.
ويلفت نوايسة إلى أن الأصل أن يكون استخدام الأبناء لهذه البرامج منظما وأن تقوم الأسرة بمراقبة المحتوى الرقمي الذي يتابعه الأبناء، كذلك نوعية البرامج أو المشاهدات.