عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Sep-2019

ذكريات زمن «سليقة» القمح
 
عمان - الدستور- نبيل عماري - بعد حصاد وفير تنتجه تلك السهول الوادعة في شمال ووسط وجنوب المملكة، فالقمح سلة غذاء الفلاح والذي تعتمد زراعته على مياه الأمطار وكثيراً ما تسمع أن «السكة بتحك نتيجة لعدم وجود ربه بالأرض» أو «أروت وأوسمت» أي موسم جيد وفي بدايات حزيران تصفّر كامل النبته، وتصبح كالذهب المتلألئ الذي تتباهى به العروس الجميلة، حان موعد الحصاد وقد تمتد فترات الحصاد كثيراً إلى بداية تشارين، وذلك في سنة الخير.
و البيادر هي الميدان الثاني بعد الحقول والأراضي التي تستهلك كثيراً من الجهد لاستخراج حبة القمح.
بالطبع كان الفلاّحون يبيعون قسماً من إنتاجهم للتجار لسداد حاجياتهم المعيشية ويحتفظون بحاجتهم للمونة تكفيهم ايام السنة حتى يحين الموسم الجديد.
في الصيف حيث الدفء والشمس تقوم النساء بعملية غربلة القمح وتنقيتة من الحصى والتراب وإزالة ما علق به من زوان وشيلم ومن ثم وضع القمح بالكواير وهي مفرد كوارة، حاضنة كبيرة مصنوعة من الطين بشكل مستطيل ترتفع للأعلى لها فتحة من الأعلى وفتحة من الأسفل التي ينزل منها القمح بمجرد فتحها.
وعندما يحتاجون للطحين يفتحون باب الكوارة ويستخرجون حاجتهم ويعبئونها في أكياس القنب والخيش ويأخذونها على ظهر الحمير للمطحنة، أما قمحنا فكان يأتى به من الحصن بشوالات خط أحمر إلى بيتنا بالزرقاء، نضعه في بيت الدرج أو براميل حديدية ويضاف قليل من الملح لغايات الحفظ وبعد إجراء اللازم من غربلة يتم إرسال الكميات المراد طحنها للمطحنة القريبة من البيت وهي الوطنية او زعيتر ومع بدايات ايلول يتم سلق كميات من القمح بواسطة براميل كبيرة يوضع تحتها الحطب ويغمر القمح بالماء حتى يتم الغلي والاستواء وبعد أن يبرد القمح المسلوق يتم نشره على السطوح لعدة أيام ويتم تحريكه يومياً وكان هذا واجبي بغسل الرجلين والتحريك بواسطتهما وبعدها يتم إرسال القمح الناشف المسلوق للمطحنة ليصار لجرش القمح وخروج مادة البرغل.
والبرغل المجروش على نوعين الخشن وهو البرغل الذي يصلح للطبيخ والناعم قليلاً وهو يستخدم من أجل الكباب المحشية، والكبة بانواعها والتبولة والسميدة لغايات الكعك والمعمول ويعتبر البرغل هو الطعام الرئيسي للفلاحين فيما مضى وقد قالوا عنه : البرغل مسامير الرُّكَبْ * أي يعطي الطاقة والقوة للجسم وهناك بعض الناس من فضلوا الأرز على البرغل، وقد قالوا في ذلك: ( العز للرز والبرغل شنق حالو)* رغم أن لكل نوع منهما مذاقه الخاص، ومن البرغل انبثقت مجموعة من الطبخات والأكلات وهي المجدرة الحمرا والعادية بالبرغل الخشن طبيخ الطيانات منسف البرغل وغيرها من الأكلات والتي يعتبر البرغل الخشن أساسيا بها. وقد غنى نصري شمس الدين لجرش البرغل بكلمات جميلة قال فيها
عم تغزل عم تغزل .. تحت التينة
وعلى جرش البرغل .. وتلاقيني
ع مطحنة وحدة .. نكون سوّية
ونصير نحكي ونحدي .. بالسهرية
وإشحدلي شي شحدة .. شي غنية
ولا تخليني وحدي .. بتبكيني
عم بتدور تدور .. ونحكي عنّا
عالخير المشرور .. من مطاحنّا
وان كان ما بتزور .. وبتطمّنا
ما هي شهور شهور .. الـ بتجافيني