عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Aug-2025

"مذكرات: كيف أصبح العالم قريتي".. الزعبي يروي تجربة إدارية وإنسانية

 الغد-عزيزة علي

 تقدم "مذكرات: كيف أصبح العالم قريتي"، لرئيس الكلية الجامعية العربية للتكنولوجيا، الدكتور عبد الله رجا الزعبي، رحلة استثنائية في حياته، وقد جمع بين الخبرة المهنية والرؤية الإنسانية، في انتمائه المحلي وإسهاماته العالمية.
 
 
في صفحات الكتاب، يروي الزعبي مسيرة طويلة من التعلم والعمل والتجربة، منذ طفولته في الرمثا، مرورا بمراحل التعليم الأكاديمي، وصولا إلى مناصبه الإدارية والاستشارية على المستوى الوطني والعربي والدولي.
 
وهذه المذكرات لا تقتصر على كونها سردا شخصيا لحياة الزعبي، بل هي أيضا وثيقة تاريخية وإنسانية، تعرض تجارب الإدارة والتطوير المؤسسي، وتسلط الضوء على دور القيادة والكفاءات في النهوض بالمجتمع. كما تحمل المذكرات دروسا قيمة للأجيال المقبلة، تؤكد أن الانطلاق من البيئة المحلية والعمل الدؤوب يمكن أن يجعل العالم بأسره "قريتك".
جاء الكتاب في تسعة أبواب هي: "النشأة والدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية، بين القدس وإربد وبون وعمّان ولوس أنجلوس، التحول النوعي الكبير إلى عالم التطوير الإداري والتغيير، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، إلى رئاسة الوزراء واللجنة الملكية للتطوير الإداري ومجلس التعليم العالي، الأمم المتحدة 1985-1996، جامعة الدول العربية، الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا الاتحادية، وأميركا اللاتينية وجزر الكاريبي".
وفي مقدمته للكتاب، يوضح الزعبي أنه كتب مذكراته وهو يدخل عامه الثالث والتسعين (1932-2024)، وما يزال يزاول عمله يوميا رئيسا للكلية الجامعية العربية للتكنولوجيا. ويشير إلى أن عنوان المذكرات "كيف أصبح العالم قريتي" قد يثير تساؤلات الكثيرين، لكنه ينطلق من مسقط رأسه في الرمثا، التي شكلت نقطة البداية لانطلاقه إلى العالم.
ويأمل الزعبي أن يجد القارئ في هذه المذكرات إجابة شافية عن هذا السؤال، من خلال تتبع مسيرته التي امتدت على أربعة وستين عاما (1932-1996)، متنقلا بين الدول والقارات، خادما ومستشارا وفاعلا في ميادين التطوير الإداري والتنمية.
المرحلة الأولى: 1932-1967، يصفها الزعبي بأنها البداية الحقيقية للانطلاق نحو "قريته العالمية". فقد بدأت خطواته الأولى خارج الرمثا وهو طفل، حين حمله خاله على ظهر فرسه متوجها إلى مدينة إربد. ثم توسعت رحلاته إلى حيفا ويافا ودمشق، وتوّجها برحلة مدرسية إلى سورية ولبنان العام 1952.
وفي العام 1953، سافر إلى القاهرة لمتابعة دراسته الجامعية، وبعد تخرجه عمل مدرسا في القدس. وفي العام 1962 تم تعيينه ملحقا ثقافيا في ألمانيا، لتكون بوابته إلى أوروبا، ثم حصل العام 1966 على بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة.
المرحلة الثانية: 1968-1985، تولى الزعبي مناصب قيادية بارزة؛ منها إدارة معهد الإدارة العامة الأردني، وتمثيل الأردن في المنظمة العربية للعلوم الإدارية التي أصبح مديرها العام، فضلا عن عمله مستشارا لرئيس الوزراء وأمينا عاما لمجلس التعليم العالي الأردني.
ويضيف أن هذه المناصب أتاحت له المشاركة في فعاليات ومؤتمرات عربية ودولية، شملت "قريتي العالمية" إلى البلدان العربية، ودولا آسيوية مثل إيران وماليزيا واليابان وأستراليا، وفي أوروبا: إسبانيا وفرنسا وسويسرا، وفي أفريقا: تنزانيا وكينيا. إضافة إلى اجتماعات في أروقة الأمم المتحدة في نيروبي ونيويورك وفيينا.
المرحلة الثالثة: 1985-1996، يشير الزعبي إلى أن نشاطه الواسع في المرحلة السابقة لفت أنظار الأمم المتحدة، التي عرضت عليه العام 1982 منصبا للعمل لديها، لكنه اعتذر حينها. ثم عاد وقبل العرض العام 1985، والإشارة لذلك في الباب الخامس، وهي وظيفة "مستشار دولي (عابر للأقاليم)" في مجال التنمية الإدارية والتدريب.
ويضيف "باشرت عملي في الأمم المتحدة بتاريخ 21/9/1985، وكان مكتبي رقم 922 في المبنى المقابل لمقر الجمعية العامة. وكان لذلك معنى رمزي، إذ إن الدول الأعضاء الـ180 آنذاك هي المستهدفة بأنشطتي في التنمية الإدارية والتدريب، وكانت تمثل قريتي العالمية".
وفي سياق الحديث عن اتساع رقعة تجربته وانتشاره في أنحاء "قريته العالمية"، يقول الزعبي "أوضحت في الأبواب السادس والسابع والثامن والتاسع من هذه المذكرات، تفاصيل زياراتي وأهدافها وفعالياتها ونتائجها، حيثما أمكن، إلى إحدى وسبعين دولة، زرت كلا منها مرة واحدة على الأقل، لتقديم خدماتي الاستشارية والتنفيذية والتدريبية التي طلبتها تلك الدول".
ويتابع الزعبي "في الباب السادس من هذه المذكرات، بينت تقدير معدل سفري الرسمي خارج مقر عملي في الأمم المتحدة بنحو 150 يوما سنويا، وهو ما يعني أنني أمضيت ما يقارب (1650) يوما خارج مكتبي في نيويورك. وأعتقد أن هذا الرقم لم يقترب منه أي مستشار آخر في الأمم المتحدة قبلي أو خلال فترة عملي فيها، سواء من حيث عدد الدول التي زرتها، أو من حيث تنوعها الجغرافي والثقافي والسياسي والمناخي".
ويدعو الزعبي القارئ إلى إلقاء نظرة على خريطة العالم المرفقة في هذه المذكرات، ليرى أن خدماته وحضوره الشخصي في "قريته العالمية"، المبينة باللون الأزرق، قد انتشرت في جميع القارات والأقاليم، على اختلاف مواقعها الجغرافية وتنوعها الحضاري والعرقي والديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما يشير إلى الدول الاثنتين والعشرين المعلَّمة باللون الأحمر، التي زارها بقصد السياحة أو المرور العابر.
ويضيف "لا أستغرب إن تبادر إلى ذهن القارئ شيء من الشك إزاء روايتي وخريطة قريتي العالمية، فقد انتابني الشعور ذاته عندما انتهيت من إعدادها ورأيتها لأول مرة مكتملة، موشحة باللونين الأزرق والأحمر، وموزعة بكثافة في مختلف بقاع الأرض وبحارها ومحيطاتها".
ويخلص الزعبي إلى أنه حين ألقى نظرة فاحصة على أسماء تلك الدول التي زار كلا منها مرة واحدة على الأقل، شعر بألفة خاصة معها، وأخذ يستعيد ذكريات عواصمها، وإقاماته فيها، والمهام التي أنجزها من أجلها، والقيادات السياسية والإدارية التي التقاها وتبادل معها الرأي والمشورة، فضلا عن المواقع التاريخية التي شاهدها. ويقول إنه استشعر حينها راحة واعتزازا عميقا، إذ بدت له التفاصيل والأحداث الواردة في مذكراته شاهدا حيا على مسار حياته المتدرج حتى أصبح "العالم قريته".
كتب رئيس الوزراء الأردني الأسبق أحمد عبيدات تقديما للمذكرات، أشار فيه إلى أنه بعد تشكيل الحكومة برئاسته في العاشر من كانون الثاني (يناير) 1984، بدأ الاهتمام بعملية التطوير الإداري ليغدو إحدى أهم الأولويات، خاصة مع بروز ثورة المعلومات والاتصالات التي فرضت نفسها على دول العالم.
ولفت عبيدات إلى أن الأردن كان قد لعب، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، دورا بارزا في تطوير عدد من إدارات دول الخليج العربي في مجالات متعددة شملت التعليم والصحة والزراعة والجيش والقضاء والشرطة والبنوك وغيرها. وقد تمكنت تلك الدول من توطين تلك الخبرات وتحقيق نقلة نوعية واضحة، بينما بقيت الإدارة الأردنية، في بعض جوانبها، أسيرة الماضي ولم تواكب التحولات بالسرعة ذاتها.
ويقول عبيدات "لهذا، أصبح لزاما علينا أن نسارع بخطوات عملية مدروسة لإخراج فكرة التطوير الإداري إلى حيز التنفيذ، لمواكبة التقدم المتلاحق في هذا المجال، والتعامل معه بأدوات المستقبل. ولضمان انطلاق قطار التطوير الإداري بالسرعة المطلوبة وفي الاتجاه الصحيح، كان لا بد من اختيار كفاءات إدارية متمرسة تشارك في وضع استراتيجية شاملة للتنمية الإدارية في الدولة".
ومن هنا، كما يقول عبيدات "وقع اختيارنا على الدكتور الزعبي، صاحب هذه المذكرات، ليعمل مستشارا للتطوير الإداري في رئاسة الوزراء. وقد كنت على ثقة تامة بأنه حالة مميزة بكل المقاييس؛ لما يمتلكه من خبرة واسعة ورؤية مستقبلية عميقة. وقد أثبت عمليا قدرته على الإبداع والإنتاج من خلال دوره البارز في تطوير معهد الإدارة العامة في عمّان، فضلا عن إسهاماته الفاعلة على مستوى الوطن العربي أثناء عمله مديرا عاما للمنظمة العربية للعلوم الإدارية".
وخلص عبيدات إلى أنه عرف الدكتور عبد الله رجا الزعبي طيلة أربعة عشر شهرا من العمل الدؤوب، فكان محاورا جيدا. وصبورا، "ووجدت فيه الإخلاص والجدية والموضوعية في الرأي والعمل، وأسأل الله أن يتمكن من تمكين الأمة من مواجهة التحديات وتحقيق السلام والاستقرار في عمرها".
يتحدث الكتاب في فصوله من واقع تجربة حية وحافلة للكاتب؛ حيث تتداخل في صفحاته حياته الخاصة مع مسيرته المهنية. ولعل اختياره لعنوان "كيف أصبح العالم قريتي" يعكس رؤيته العميقة؛ إذ يرى الزعبي، الذي يرأس مجلس أمناء الكلية الجامعية العربية للتكنولوجيا وهيئة المديرين فيها، أن انخراطه في العمل الدولي واتساع معارفه المتنقلة بين البلدان جعلا العالم يبدو أمامه كقرية صغيرة، وهو ما أتاح له أن ينظر إلى قضاياه المحلية من منظور عالمي، ويحول خبراته الفردية إلى دروس عامة ذات قيمة إنسانية وفكرية.
ويختتم الكتاب بشهادات جاءت تحت عنوان "قالوا عن هذه المذكرات" لشخصيات أردنية بارزة؛ هم رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، والدكتور كامل العجلوني، والدكتور علي المحافظة، والدكتور أكرم قورشة، والدكتور محمود أبو الخير. وقد أجمعوا في كلماتهم على أن هذه المذكرات لا تقتصر على كونها سردا شخصيا وحياتيا لتجربة صاحبها، بل تمثل أيضا وثيقة وطنية وإنسانية، تحمل بين صفحاتها دروسا بالغة الأهمية تنير درب الأجيال المقبلة، وتشحذ هممها لمواصلة العمل والبناء.