عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Jan-2019

الجولان مقابل إیران - یوآف برومر
یدیعوت أحرنوت
 
الغد- ینضم الھجوم على المخازن الإیرانیة في دمشق ھذا الأسبوع إلى قائمة طویلة وممتدة. ولمن یحصي: الجیش الإسرائیلي ھاجم آلاف الأھداف في أثناء مئات الغارات في ارجاء سوریة في السنوات الاخیرة، على حد قول رئیس الاركان السابق. ھذا معطى رادع بل ومذھل، مجرد نشره یستھدف بالتأكید اطلاق رسالة تحذیر إلى طھران. غیر أنھ عندما تقلب الجرة على فمھا ونفكر في ھذا من الجانب الآخر ینبغي الاعتراف: حیال الجسارة الإسرائیلیة المثیرة یتكشف أیضا تصمیم إیراني لا یقل قلقا.
وعلیھ، فینبغي أن نأخذ خطوة إلى الوراء ونفكر إذا كانت في الترسانة السیاسیة الإسرائیلیة أداة واحدة قادرة على أن تكمل أو تعزز الخیار العسكري من اجل تحقیق ھدف إسرائیل الاستراتیجي الاھم الیوم الا وھو طرد الإیرانیین من سوریة، وكسر محور الشر طھران- دمشق- حزب الله. إذ أن حقیقة أنھ بعد الاف الھجمات لا یرتدع الإیرانیون وبالتأكید لا یتنازلون، ینبغي أن تشعل ضوء أحمر في إسرائیل وتشجع على البحث عن حلول بدیلة، ابداعیة وبالأساس أكثر نجاعة للمدى البعید.
في الوضعیة الحالیة توجد وسیلة واحدة كفیلة بالفعل ان تحقق ھذا الھدف وتعید الأمن إلى الحدود الشمالیة. وھي ألیمة. ممزقة. وستواجھ الكثیر من العوائق الإسرائیلیة الداخلیة أكثر منھا
الدولیة. ولكن یحتمل أیضا ان یكون ھذا ھو الحل الوحید الذي على جدول الأعمال فضلا عن الحرب الشاملة: مسیرة سیاسیة في إطارھا تعید إسرائیل اجزاء من ھضبة الجولان إلى سوریة، مقابل اخراج الإیرانیین من الدولة وفك الارتباط عن حزب الله.
صحیح، سبق أن كنا في ھذا الفیلم. ولكن الازمنة تغیرت وھذه ھي النقطة: التغییرات بعیدة الأثر التي احدثھا الربیع العربي في العلاقات الاقلیمیة، وكذا منظومة العلاقات الدولیة الجدیدة في عھد
ترامب، تشیر إلى أن اللاعبین تغیروا والقواعد انقلبت. الیوم، مع نھایة الحرب الاھلیة في سوریة، نضجت الظروف لمسیرة سیاسیة ثوریة، مسیرة توقع ضربة قاضیة بتطلعات الھیمنة الإیرانیة وتغیر الواقع الجغرافي السیاسي في صالح إسرائیل.
المتغیر الأول ھو الاسد نفسھ. لا تتشوشوا: الرئیس السوري یبقى قاتلا، طاغیة وكذابا. ولكن إذا كانت ثماني سنوات الحرب الأھلیة في سوریة علمتنا شیئا ما، فھو انھ الباقي المطلق: ھو سیفعل
كل ما ینبغي كي یبقى في الحكم. ھذا ھو السبب لعناقھ الإیرانیین واعطائھم یدا حرة في بلاده. كما أن ھذا ھو السبب في أنھ لن یتردد في أن یطردھم في اللحظة التي یبرز فیھا بدیل أفضل.
وھذا بالضبط ما یشكلھ الجولان. الآن، بعد أن ضمن عملیا حكمھ، لم یعد الاسد یحتاج الإیرانیین حقا. ولكنھ بالفعل یحتاج إلى شيء ما آخر في الجبھة السیاسیة: شرعیة جماھیریة. وھذه لیست إیران – بل إسرائیل بالذات – قادرة على أن تمنحھ ایاھا من خلال اعادة اجزاء من الجولان.
المعنى واضح: بخلاف المطالب المنكرة التي تقدم بھا السوریون في الاتصالات التي اجروھا في الماضي مع حكومات رابین، باراك، اولمرت وكذا نتنیاھو، في سوریة الیوم روافع ضغط أقل بكثیر، وھي بناء على ذلك قابلة للضغط أكثر بكثیر.
لم یكن ینقص حافظ الأسد الشرعیة. ولھذا فھو لم یسارع أیضا إلى الموافقة على ترتیبات أمنیة بعیدة الأثر طالبت بھا إسرائیل. بالنسبة لھ كانت إعادة الجولان مثابة علاوة. اما بالنسبة لابنھ، فھذا ھواء للتنفس، كفیل بان یضمن مستقبل حكمھ وان یدخلھ إلى كتب التاریخ.
كما كشف وزیر الخارجیة الأمیركي الاسبق جون كیري النقاب في كتابھ الجدید، منذ العام 2009 ،حتى قبل الحرب الاھلیة السوریة التي ھزت مكانة الاسد بشدة – كان الأسد مستعد لان
”یسیر بعیدا جدا، ابعد بكثیر مما كان مستعدا لان یفعلھ في اتصالات سابقة“. فقد علم ان
السوریین وافقوا، ضمن أمور اخرى على التخلي عن مطلبھم بالانسحاب التام إلى خطوط 67، على محطات انذار مبكر، على منطقة مجردة من السلاح بعرض عشرات الكیلومترات عن الحدود بل وحتى على امكانیة استمرار سیادة إسرائیلیة على قسم من البلدات في الجولان وعلى مصادر المیاه.
وھذا كان قبل الربیع العربي، قبل تدمیر الجیش السوري وقبل أن یصبح سلاح الجو صاحب السیادة في سماء سوریة. إذا عادت إسرائیل إلى طاولة المفاوضات، فھي ستفعل ذلك من موقف تفوق مطلق ومع قوة مساومة ھائلة كفیلة بان تسمح بإعادة محدودة وبالأساس رمزیة لأجزاء من الجولان في ظل الاحتفاظ على مناطق الاستیطان الاساسیة.
لیس الأسد وحده ھو الذي تغیر بل والولایات المتحدة أیضا. فدعم ترامب غیر المتحفظ یسمح بضمانات امنیة غیر مسبوقة. ومثلما كان في سیناء، ھكذا أیضا في سوریة سیكون ممكنا نشر قوات أمیركیة في المنطقة المجردة لتضمن انھ إذا حاول الاسد غزو الجنوب، فإنھ سیضطر إلى عبور المارینز. وفي ضوء التأخیر الذي لا ینتھي في عرض ”خطة القرن“ في القناة الفلسطینیة-والحاجة الملحة للرئیس لإنجاز ما في السنتین المتبقیتین حتى الانتخابات، فإن الادارة ستلتقط الفرصة.
كما ان مثل ھذه الخطوة ستمنح الأمیركیین فرصة لان یعیدوا إلى المنطقة موطئ قدم من الباب الخلفي. فبعد أن دحروا في واقع الأمر للخروج من سوریة وفي الاشھر الأخیرة، ربما بسبب ضعف ترامب أمام بوتین واردوغان، ربما بسبب التزامھ للناخبین بالانسحاب من الشرق الاوسط، فإن امكانیة ”قانونیة“ لان یعید مرابطة جنود أمیركیین في الجولان كفیلة بان تغري البنتاغون في ضوء الحاجة إلى صد الروس (الذین في واقع الامر كفیلون بان یدعموا بل ویتوسطوا في اتفاق یخلصھم من الإیرانیین).
وماذا عن الإیرانیین؟ مدى نفوذھم في اسفل الدرك: فإعادة العقوبات سرعت انھیار الریال وصعدت المعارضة الداخلیة للنظام. وفي اللحظة التي ینتھي فیھا القتال، وھذا فقط مسألة وقت، لن یكون للأسد سبب لمواصلة استضافة سلیماني ورفاقھ. وبالعكس: بعد نزع سلاح الثوار، سیكون التھدید الوحید المتبقي علیھ من الداخلي ھو بالذات في شكل تلك القوات الإیرانیة في اراضیھ.
ھل یبدو اتفاق على الجولان مقابل طرد الإیرانیین معقولا؟ یبدو أن لا. ھل تجدي محاولة عرضھ ما بعد الانتخابات؟ بالتأكید نعم. یعود نتنیاھو لیقول ان التواجد الإیراني في سوریة ھو خطر وجودي لا یمكن لإسرائیل أن تسلم بھ. وھو محق. فالنھایة المقتربة للحرب الاھلیة في سوریة تشكل الان فرصة نادرة للحكومة التالیة: والعائق الاساس ھو بالطبع من الداخل: بسبب المعارضة والغضب المتوقعین والخوف من التفاف یمیني لبینیت وشركاه، من الصعب التصدیق بان نتنیاھو او أي مرشح آخر یحل محلھ سیخاطر سیاسیا بمثل ھذه الخطوة الجریئة.
ولكن حتى لو كان ھذا صعبا، فھو لیس ھاذیا: على الاقل لیس اكثر ھذیانا من قرار الرئیس المصري السفر لإلقاء خطاب في الكنیست في الوقت الذي كان ما یزال فیھ یسود وضع حرب بین الدولتین، او من استعداد ریغان وغورباتشوف للقاء في جنیف في محادثات عن نزع السلاح النووي في الوقت الذي كانت فیھ الدولتان مع الاصبع على الزناد جاھزتین ومدعوتین لان تبید الواحدة الاخرى.
ان التھدید الوجودي یستوجب حلا ابداعیا. فالھجمات الإسرائیلیة التي لا تنقطع في سوریة تشھد
على أننا لم نجده بعد. والمشكلة؟ قریبا أیضا من شأن نافذة الفرص ھذه ان تغلق: في كل یوم یتعزز الاسید، تثور اعصاب بوتین ومستوى الصبر الروسي یتقلص. لقد ادى الجیش الإسرائیلي وظیفتھ حتى الآن وصد.
محاضر في السیاسة والتاریخ في جامعة تل أبیب