عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Dec-2025

لماذا أصبحت الحرب مع أوروبا مغرية لبوتين كما لم تكن من قبل

 الغد

مارك ألموند* - (الإندبندنت) 6/12/2025
مع تراجع الضمانات الأميركية والتصدعات التي يشهدها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يجد بوتين هذه اللحظة مثالية لاختبار دفاعات أوروبا الهشة، مستفيداً من الانقسام السياسي والاعتماد المفرط على واشنطن. يحدث ذلك في وقت تتزايد فيه مؤشرات التصعيد وتلوح في الأفق أخطار حرب قد تمتد إلى قلب القارة.
 
 
عندما يقول فلاديمير بوتين إنه"مستعد" للحرب مع أوروبا، فإنه يعني ما يقول. وتثير كثرة النقاشات حول المحادثات التي تجري بين فريق دونالد ترامب وبوتين انطباعاً بأن الأميركيين إما سيضغطون على أوكرانيا لقبول صفقة ترضي الكرملين، أو أن الحرب ستستمر بلا نهاية. ولكن لا ينبغي تجاهل خيار ثالث ممكن: خطر توسع رقعة الحرب.
للضغط على روسيا، حاولت العقوبات الغربية خنق صادرات النفط الروسية لاحتواء تمويل جهود بوتين الحربية. لكن جهاز الاستخبارات الأوكراني "أس. بي. يو" شن حملة تخريب ضد الشحن الروسي بعيداً عن ساحل أوكرانيا على البحر الأسود. وقد يؤدي استهداف "أسطول الظل" الروسي من ناقلات النفط في بحر البلطيق والبحر الأسود إلى انتقام روسي من دول ساحلية، مثل الدنمارك أو رومانيا، اللتين تقدمان أيضاً كثيراً من المساعدات لأوكرانيا.
وقد ضربت الطائرات المسيرة والصواريخ الروسية الجانب الروماني من الحدود الأوكرانية، في محاولة من موسكو لخنق التجارة عبر نهر الدانوب إلى الموانئ الأوكرانية هناك. ومع غياب أي اتفاق سلام، وابتعاد أميركا في عهد ترامب عن دعم الحلفاء بصورة واضحة، يتصاعد خطر أن ترى روسيا في هذه الظروف فرصة لترهيب دول، مثل رومانيا أو الدنمارك، أو حتى مهاجمتها. بطبيعة الحال، تتحكم الدنمارك بالممر الذي يربط بحر البلطيق بالمحيطات العالمية أمام البحرية الروسية وصادراتها النفطية، لكنها تبني أيضاً مصنعاً لإنتاج وقود الصواريخ لصالح صواريخ أوكرانيا، مما يجعلها هدفاً محتملاً للتخريب.
ربما تكون موجة ظهور الطائرات المسيرة الروسية مؤخرًا في شمال أوروبا مجرد هوس حربي تقليدي. لكنها تكون، للأسف، مقدمة لعمليات تخريب روسية فعلية، بينما يعكف الكرملين على تقييم ردود فعل أوروبا الغربية. وهو يعلم أن الردع الأوروبي كان دائماً يعتمد على توقع أن تسارع واشنطن للوقوف إلى جانب حلفائها على هذا الجانب من المحيط الأطلسي إذا ما تحركت القوات الروسية غرباً.
والآن، من دون وجود ضمانات أميركية موثوقة لكل حليف أوروبي في حلف "الناتو"، قد تتحقق رغبة روسيا في اختبار دفاعات دول البلطيق الضعيفة عددياً -أي أستونيا ولاتفيا وليتوانيا- وجميعها دول أعضاء في حلف "الناتو".
في الوقت نفسه، أثار وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، قشعريرة في جسد أوروبا عندما قال: "لقد بدأ بوتين الآن في شن غارات على حدود ’الناتو‘. والشيء الوحيد الذي يمكنني أن أقوله لكم هو أن الولايات المتحدة لن تتدخل بقواتها أو أي شيء من هذا القبيل. سوف نبيع الأسلحة للأوروبيين".
وكان تغيب ماركو روبيو عن قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت في بروكسل، مؤخراً، دليلاً آخر على ازدراء واشنطن الرسمية لحلفائها.
على أي شخص ما يزال يعتقد أن البند الخامس الشهير من ميثاق حلف "الناتو" يفرض رداً عسكرياً جماعياً على أي عدوان روسي ضد أحد الأعضاء أن يعيد التفكير في اعتقاده. إذا كان الردع النووي الأميركي محصوراً داخل الأراضي الأميركية، ألا تصبح الترسانة النووية الروسية خياراً فعالاً ضد جيرانها غير النوويين؟
إن التصدعات في التحالف عبر الأطلسي تعرض أعضاء "الناتو" الأوروبيين للخطر، لكن جزءاً كبيراً من ضعفهم ناتج عن الاعتماد المفرط على الضمانات الأميركية -وكذلك على تزويد الولايات المتحدة لهم بأسلحة جديدة لتعزيز قواتهم المسلحة.
على الرغم من مرور نحو أربع سنوات على الخطاب الصارم بشأن التهديد الروسي، شهدت دول، مثل بريطانيا، تقلصاً في قوتها النارية منذ العام 2022، بعدما أرسلت معدات عسكرية إلى أوكرانيا ثم فشلت في استبدالها بالسرعة المطلوبة، ناهيك عن بناء ترسانات أسلحة. وقد زادت بولندا إنفاقها الدفاعي وعدد قواتها، لكن جيرانها من الدول الشيوعية السابقة، مثل دول البلطيق، تبقى دولاً صغيرة جداً بحيث لا يمكنها تجهيز قوة ردع فعالة خاصة بها.
كما أن لدى دول أخرى، مثل سلوفاكيا والمجر، حكومات ترى أن كييف، وليس الكرملين، هي المشكلة. وقد يدفع ذلك بوتين إلى اختبار عزم الحلفاء، ومحاولة استغلال الثغرات.
مع تصاعد الصراع بين أوكرانيا وروسيا إلى ما هو أبعد من خط المواجهة في حربهما، فإن خطر انتشار حرب أوسع نطاقاً في أوروبا هو خطر حقيقي. ودعونا لا ننسى أبداً حقيقة أن بوتين أخطأ في تقديره في شباط (فبراير) 2022 عندما اعتقد أن بإمكانه شن عملية سريعة ومحدودة في أوكرانيا، وأن في وسعه أن يقرر متى يوقفها. فالحروب تسلك مسارها الخاص بمجرد انطلاقها، ولا تلتزم بخطة رئيسية محددة.
 
 
*مارك ألموند Mark Almond: كاتب ومحلل سياسي بريطاني، وأكاديمي مختص في التاريخ والعلاقات الدولية، يُعرف بمقالاته التحليلية في صحيفة الإندبندنت حول شؤون السياسة العالمية، ولا سيما قضايا الحرب، الإمبريالية، وتحولات النظام الدولي. عمل أستاذاً في التاريخ الحديث والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد بروكس، وله عدد من الكتب والدراسات التي تتناول تفكك الإمبراطوريات، النزاعات الدولية، والسياسة الغربية تجاه الشرق الأوسط وروسيا. يتميز أسلوبه بالجمع بين العمق التاريخي والنقد السياسي المباشر، مع اهتمام خاص بكشف ازدواجية المعايير في الخطاب الغربي حول حقوق الإنسان والتدخلات العسكرية.