تجنب التنمر الإلكتروني وضعف الحوافز وعبء الكتابة السیاسیة تنفر الصحفیات من أعمدة الرأي
أنصار أبوفارة
عمان –الغد- في جولة سریعة على زوایا وأعمدة المقالات بوسائل الإعلام الأردنیة المطبوعة، وتحدیدا الصحف، ”الغد والدستور والرأي والأنباط والسبیل“، یظھر جلیا تفوق الكتاب على الكاتبات عددیا، وقد ینحصر عدد الكاتبات اللواتي یصنعن مقالات بشكل دوري، غیر متقطع، بكاتبتین على الأكثر، وھذا الغیاب لیس في الأردن وحده، فالمرأة تكاد تكون غائبة عن كتابة المقال السیاسي خصوصا، بكل الصحف العربیة.
وبمقارنة ذلك مع العمل بالمجال التلفزیوني، یمكن القول إن السیدات سیطرن على شاشات الفضائیات الجدیدة كمذیعات ومحاورات، ما أكسبھن الشھرة، فالاتجاه الأكبر نحو الصحافة المرئیة ولیس المطبوعة، لأن الأخیرة أكثر تطلبا، ویحتاج التقدم فیھا للعمل المضني والعمیق، مقابل ما تقدمھ شاشات المرئي من مزایا تقوم على الصوت والصورة وسھولة الوصول للمتلقي، إذ ترتبط أسماء الصحفیات البارزات بالصحافة الأردنیة المطبوعة بكاتبات المقال، والاستقصائیات، والمتخصصات بقضایا السیاسة والشأن العام، أكثر من غیرھن اللواتي ینحصر عملھن بمتابعات وتغطیات إخباریة.
ورغم أن كتابة المقال تعزز تمیز الكتاب وتضیف لأسمائھم وسیرتھم الذاتیة، فإن الإقبال علیھ من قبل السیدات ما زال دون المستوى، لأسباب ذاتیة أو مؤسساتیة، حالت دون تخصص صحفیات أو إعلامیات بكتابة المقالة على أنواعھا.
رنا الصباغ، المدیرة التنفیذیة لشبكة أریج للصحافة الاستقصائیة، إحدى كاتبات المقال القلیلات في الأردن، حیث بدأت بكتابة مقال الرأي بشكل أسبوعي بصحیفة العرب الیوم قبل إغلاقھا، ثم انتقلت للكتابة في صحیفة الغد بمعدل مقال شھریا قبل أن تغادرھا أیضا.
تعزو الصباغ ضعف اتجاه الإناث نحو الكتابة بزاویة المقال إلى سیاسة العزل المستند على تأنیث وتذكیر التخصص، رغم أن المقال غیر مرتبط بذكر أو أنثى كما تؤكد، لكن قلة وجود الصحفیات المنشغلات بالسیاسة والشأن العام ینعكس على كتابة المقالات التي غالبا ما تناقش الوضع العام والظواھر السائدة، ورغم أن الأقسام السیاسیة تعد الأولى بین الأقسام رفیعة الشأن في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، إلا أن أعداد الصحفیات فیھا ما زالت قلیلة.
وتعزز الخبرة والعلاقات الاجتماعیة والشخصیة طریق الدخول لعالم كتابة المقال، كما توضح الصباغ، فالمتخصص أو المتخصصة في ھذه الصناعة لا بد أن یمتلك مصادره الخاصة التي تزوده بالمعلومات وتبقیھ على اتصال دائم بمجریات الأحداث، قبل أن یكون موقفھ الخاص الذي سیعبر عنھ في مقالتھ، لیخرج بعمل قیم.
ّ لكن مجموعة من العوامل الاجتماعیة والعائلیة قد تحد من وصول الصحفیات إلى مصادر أكثر، نظرا لضعف حضورھن في الحفلات ومأدبات العشاء التي تقام بدعوة من مسؤولین أو نواب، وھي المناسبات التي یجري خلالھا بناء العلاقات وتبادل وجھات النظر مع صناع القرار، أو تسریب المعلومات التي یلتقطھا الصحفي/ة ویستفید منھا في صناعة مقالتھ، لكن السیدات تتغیب عن ھذه التجمعات، بسبب تشعب مسؤولیاتھا خاصة إن كانت متزوجة ولدیھا أطفال، بحسب الصباغ.
وتشكل الھیمنة الذكوریة التي تصطدم بھا المرأة سببا آخر في ابتعادھا عن كتابة المقال السیاسي، وذلك بفعل معتقدات ترى الشأن السیاسي وسطا ذكوریا بامتیاز، ملیئا بالمراھنات
والاصطفافات التي نادرا ما تشارك فیھا النساء، لأن الرجال من أصحاب الرأي والقرار یریدونھا حكرا على أنفسھم، وإن تجاوزت المرأة ذلك، ستصطدم بعقبة مجتمعیة، تتعلق بمدى قبول المجتمع لمواظبة الصحفیة على التواجد في المناسبات التي تتیح الاختلاط بصناع القرار والمحللین، والتي غالبا ما تكون مناسبات مسائیة، فتضطر كثیرا للرضوخ لمعاییر تحد من خوضھا مجالات عدیدة، كالسیاسة والاقتصاد. بحسب الكاتبة الصحفیة رنا شاور.
مخاوف من الھجوم والتنمر الإلكتروني
واذا كانت الكاتبة والكاتب معرضین للنقد أو الھجوم نتیجة ما یكتبان، فان ذلك یدفع العدید من الصحفیات إلى الكتابة في المواضیع الآمنة، والابتعاد عن السیاسة أو القضایا الجدلیة، مھما كان سیاقھا.
وتؤكد مدیرة رادیو البلد عطاف الروضان أن التخوف الأكبر ھو تعرض الصحفیات للھجوم الموجھ لشخصھن ولیس على أساس فكري، فمن السھل توجیھ الاتھامات لأي صحفیة على خلفیة مقال أو مجموعة مقالات تعكس فكرھا وموقفھا في شأن ما، وغالبا یتخذ النقد طابعا جندریا، ما یقلل توجھ السیدات إلى كتابة آرائھن، أو الاكتفاء بالحدیث في المسائل الاجتماعیة وبحذر، دون الخوض في قضایا ذات حساسیة اجتماعیة أو دینیة على سبیل المثال لا الحصر.
وتشیر الروضان إلى تجربتھا بكتابة مقالات رأي ومقالات تحلیلیة، مؤكدة أنھا تعرضت للھجوم بعد نشر بعض المقالات لأنھا أنثى ولیس استنادا إلى المضمون.
ویعد التنمر الإلكتروني الذي قد تواجھھ الكاتبات في عصر تكتسحھ منابر التواصل الاجتماعي تحدیا أساسیا، بما أن النساء من الفئات الأكثر حساسیة بھذا الأمر، لأن المجتمع لا یوفر لھن شبكة الحمایة اللازمة، فلن تجد محیطا داعما إن تعرضت الكاتبة للھجوم نتیجة إبراز موقفھا بقضیة معینة، وقد یتسامح المجتمع مع أي صحفي مھما كان موقفھ، لكن الأنثى سیختلف التعاطي معھا. كما توضح الروضان. بینما تؤكد شاور من خلال خبرتھا الطویلة بكتابة المقالات الاجتماعیة أن الصحفیة تعمد إلى تجنب إثارة أي جدال فكري حولھا، لارتباطھا بمؤسسة العائلة والزوج والأبناء، لھذا تتجنب خوض الغمار السیاسي، وتحید عن إثارة مواضیع لا یتقبل المجتمع طرحھا للنقاش.
من جھة أخرى، لم تتجھ الصحفیة آیة الخوالدة لكتابة المقال، علما أنھا عملت بالقسم السیاسي
مدة لا بأس بھا بجریدة العرب الیوم، لكنھا لم تجد دافعا نحو كتابة المقالات نظرا لحصر المساحة المتاحة للصحفیة بالمجال السیاسي تحدیدا، وكان الاتجاه الرائج یشجع الفصل بین كاتب المقال والصحفي ذكرا كان أم أنثى، لإلزام الصحفي بالوقوف على الحیاد، وألا یعبر عن موقفھ الشخصي بمقال، وترك المقالات للكتاب والمحللین.
رؤساء التحریر الذین یتبنون ھذا الاتجاه، یتوافقون مع مقولة ویفر المعروفة بأن ”الأشخاص الذین یختارون العمل الصحفي ھم أناس تستھویھم السیاسة أو الریاضة أو التجارة، أو میادین أخرى في المجتمع المنظم، إلا أنھم لا یدخلون ھذه المعتركات بل یختارون بدلا من ذلك الوقوف على خطوط التماس والاكتفاء بدور المراقب“، لذلك لا یشجع ھؤلاء الرؤساء الصحفیین والصحفیات على كتابة مقال الرأي تحدیدا، كونھ یكشف عن رأیھم بصورة واضحة.
وھذا قد یسھم بتراجع الصحفیات عن الكتابة في زاویة المقالات، لأنھا لا تجد تحفیزا، كما أنھا على یقین بأنھا لن تجد دعما من مؤسستھا، فتصبح أكثر میلا لممارسة دورھا كصحفیة تعمل على إعداد التقاریر أوالتحقیقات فقط، وفقا لرأي الخوالدة.
من النادر أن تتجھ صحفیة متخصصة في تغطیة شأن ما إلى كتابة مقال یتصل بذلك الشأن، وترجع صحفیات ذلك إلى الحاجة لوقت طویل للخروج بمقال بمحتوى جید ومتماسك، حیث تخصص زوایا للكتاب بشكل دوري، في حین تجد الصحفیات أنھ من الصعب صناعة مقال بشكل منتظم مع ازدحام جدول العمل.
اخیرا، تؤكد الإعلامیة والنائبة السابقة رولى الحروب، أن قلة الأقلام النسائیة وضعف اتجاھھ لتأسیس منابر إعلامیة یتعلق بقلة اھتمامھن بالشأن العام، وعدم رغبتھن في الاصطدام والاشتباك مع السلطة، فدخولھن السجال السیاسي بطرحھن قضایا للنقاش الجماھیري یجعلھن بحالة اصطدام دائم مع الساسة، وھذا ما یتجنبنھ، وذات الثقافة تمنعھن من خوض مغامرة تأسیس مؤسسة صحفیة.
بالتعاون مع منظمة دعم الإعلام الدولي