عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2019

«صالة استقبال الضواري» لسيف الرحبي.. رحلة النفس لمعرفة الوجود

 

عمّان-الدستور - عمر أبو الهيجاء - ضمن سلسلة أدب الرحلات، صدر عن الآن ناشرون وموزعون، كتاب جديد للشاعر العُماني  سيف الرحبي أسماه «صالة استقبال الضواري» يقع في زهاء 249 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب  يمثل أربعة نصوص متوازية ومتداخلة، بين الرحلة في المكان، والرحلة في الكتاب، أو التطواف المعرفي، والرحلة عبر السينما التي تمثّل الذاكرة البصرية، ورحلة النص الشعري الذي يشكل خلاصة التجربة المعرفية، وهو أيضا رحلة النفس المتوقّدة لمعرفة الوجود من خلال المشاهدات، وتداعيات مماثلاتها مما اختزنت الذاكرة لفهم ذلك الوجود المأساوي الذي يعيشه الإنسان بين حديّ الولادة والموت.
ويقسم الشاعر الرحبي كتابه إلى سبعة فصول، تمثل خريطة الرحلة، وهي: «في وصف رحلة.. شظايا بشر وأمكنة»، و»عن البلاد البعيدة والقريبة»، «من صحراء الكوكب إلى أعماق الغابة»، ومن الفصول «غروب آسيوي.. الحلم والمتاه»، «المرأة التي يترجف في قلبها الغزال»، «في ضوء صباح آسيوي»، و»صالة استقبال الضواري» عنوان الكتاب . 
وفي المتون يحار القارئ أين يصنف الكاتب ضمن حقول الإبداع الذي يتعربش فيه النثر على ساق الشعر، فتغدو الكتابة لوحة يتبارى فيها الشعر والنثر على صفحة واحدة، ليشعرن الرحبي النثر، ويسرد الشعر.
فهو كتاب شعرية الأمكنة التي لا يتأتى جمالها من صفة الموصوف، بل في الدهشة التي تتحقق من التفاصيل اللامتوقعة التي ينتبه إليها الكاتب في المكان اللامتوقع، ولكنه في الوقت يجمع ما اختزن من ثقافة ومعرفة وخبرة بصرية ومهارة تأملية لوضع اللحظة في سياقها الإبداعي، وهو قراءة في التاريخ غير المكتوب عبر قراءة تجلّيات الهامشي في الحضارة التي كسرت في الإنسان طبيعته الإنسية ليتمثل صورتها المتوحشة، وكما يتذكر الكاتب في باريس،  رشيد صباغي، وعلي بن عاشور، وصموئيل شمعون، الأكثر رأفةً في التعاطي مع أولئك الذين انكسر بهم قارب الأمل في أول الطّريق أو منتصفه، فقطعوا بما يشبه الطّلاق الباتَّ مع مجتمعات النفاق والاستهلاك.
ويكتب شعرا: «الطّائر يرفّ على وجه الغَمْر/ أكبر حجما من الغراب/ إنه الغداف/ يقرأ سورة الطّوفان القادم». 
ويستذكر خلال ذلك حال ديستوفسكي مع الرجل المضطرب الذي لا يعرف مكان هذا العالم الموغل في انحطاطه القيمي والأخلاقي، الرجل المدفوع بتدفق المواقف والأحداث إلى جهة السب والارتباك، وتتداعى الذاكرة التي تستعيد صديقة الكاتب التي قضت انتحارا، وقالت له:» إنني أعرف كيف أتعامل مع كل هؤلاء المنقوعين في سمّ الكراهية والنميمة والانحطاط، بالتجاهل»، ويقارب الكاتب سيف الرحبي قصة الكلب الياباني التي تحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان «هاتش»، الذي يبقى فيه الكلب وفيا لصاحبه حتى آخر نفس من عمره، وهو ما لا يتحقق في عالم الإنس. يقول الرحبي: «أهل الأدب والفن لا يفعلون في صنيع الإبداع والجمال إلا استعادة فوضى الطفولة»، وكما يتذكر الرحبي فيلم «برسونا» للسويدي انغمار برغمان وأنتج عام 1966 باللغة السويدية، وهو من بطولة ليف أولمان وبيبي أندرسون الذي يناقش قضايا الجنون والفصام والهوية والوجود من خلال أسطورة مصاص الدماء. ويحاول المخرج فهم أعماق الإنسان في مواجهة نفسه.
وفي الكتاب رحلة للتاريخ عبر جغرافيتي المكان الشاسع من العالم، والنفس بكل ما تنطوي على عمق وتعقيد، ويقول الرحبي: « حين ينظر المرء إلى كل هذا الصخب القاسي والحطام، ويرى بما لا يقبل الشك، تواطؤ الأقوياء والضّعفاء على إنجاز هذه الفظاعات الشنيعة، يأخذه الدوار والألم إلى مهاوٍ سحيقة لا يعود منها إلا مضرجاً بالجراحات والأرق، إذ لا بد من البحث عن عزاء ما. عزاء ولو كان مؤقتاً أمام ديمومة المأساة». 
ويقول: «إن حياتنا على الحافّة دائما/على حافة السرير ننام/على شفا جُرف الكون نعيش/على حافة جهنم تمضي صباحاتنا/والأماسي». 
وكتب على الغلاف الأخير للكتاب محمد محمود البشتاوي يقول: «إنّ ما يجعل المنجَز الإبداعيّ لسيف الرحبي على هذه الصورة، تلقائيتُه، وصدقيّته، وجِدّته، وتدفُّقه بحرّيةٍ لا تتقيَّدُ بضوابط الأسلوب؛ فلا حدودَ للتعبير ولا قوالبَ جاهزة، لهذا لا يتردّد الرحبي إذا ما تعلّق الأمر بالتجريب وخوض غمار فضاءات تلين له وتنقاد بسهولة، فيما تستعصي وتنغلق على سواه