عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Aug-2025

إسرائيل والولايات المتحدة: لماذا كل هذا التماهي؟!*د. أحمد بطّاح

 الراي 

من المعروف لدى كل المحللين والمراقبين أن إسرائيل حليف استراتيجي للولايات المتحدة، ومن المعروف أيضاً أن الولايات المتحدة تحاول الإبقاء على تفوق "نوعي" لإسرائيل على كل جيرانها، ومن المعروف ثالثاً أنّ كل رئيس أمريكي يحاول "التفوق" على سلفه في توثيق العلاقة مع إسرائيل ومراعاة مصالحها، ولكن الغريب في هذه الفترة من عمر الزمن أنّ الإدارة الأمريكية الحالية تتماهى مع مثيلتها الإسرائيلية بصورة تكاد أن تكون تامة، فما هي العوامل والأسباب التي تجعل الولايات المتحدة لا تتحفظ في إعلان توافق سياساتها مع السياسات الإسرائيلية (وبالذات في موضوع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة) علماً أن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها مصالح ضخمة في المنطقة العربية ويُفترض أن يهمها أن تكون سياستها "متوازنة" تمكنها من لَعِب دور "الوسيط" بين كل الأطراف عند الضرورة.
 
إنّ هناك أسباباً واعتباراتٍ كثيرة تقف وراء هذا التماهي بين السياسات الإسرائيلية والأمريكية، ولعلّ أهمها:
 
أولاً: أنّ الرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" لا يقبل بأن يتفوق على سلفه (بايدن) في خدمة المصالح الإسرائيلية فقط كما هو الحال بالنسبة لبقية الرؤساء، بل يعتبر أنّه الأول من بين كل الرؤساء الأمريكيين في هذا المجال، وهو يردّد دائماً بأنه قدّم لإسرائيل ما لم يقدمه أيّ رئيس أمريكي آخر، ولعلّه مُحقّ في ذلك فقد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل مخالفاً في ذلك كل الرؤساء الذين سبقوه، كما اعترف بسيادتها على "الجولان" السوري المُحتل، ناهيك عن أشكال الدعم العسكري والسياسي الذي قدّمه لإسرائيل خلال عُهدته الأولى (2016 – 2020) وخلال الفترة الحالية.
 
ثانياً: أنّ الرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" تلقى تبرعات "مجزية" من الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة (آل أديلسون) اثناء حملته الانتخابية الأخيرة، ومن بعض المنظمات الصهيونية، الأمر الذي يجعله "أسيراً" ولو بحدود لهؤلاء المتبرعين والداعمين.
 
ثالثاً: أنّ الإدارة الأمريكية الحالية (Trump Administration) تتكون من أشخاص متطرفين في "ولائهم" لإسرائيل مثل مارك روبيو وزير الخارجية، و دوروثي كاميل شيا ممثلة الولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة، و "هاكابي" السفير الأمريكي في إسرائيل، ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى أن السفير الأمريكي في إسرائيل صرح حتى قبل أن يستلم منصبه في إسرائيل بأنّه لا يعترف بشيء اسمه الضفة الغربية، بل بشيء اسمه "يهودا والسامرة"، كما أن مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي قال عندما زار إسرائيل بأنّه يدرك بأنّ الأراضي الفلسطينية هي "أرض إسرائيل" كما حدّدتها "التوراة" ووعد بها "الرب" ولا يهمه القانون الدولي، وكيف يفكر الآخرون إزاء هذا الموضوع.
 
رابعاً: أن الرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" ينتمي إلى شريحة "المسيحيين الإنجيليين" الذين يؤمنون بضرورة قيام إسرائيل وازدهارها تمهيداً لعودة السيد المسيح، وحيث أن هذه الشريحة الأمريكية "مؤدلجة"، وتنطلق من "قناعات" دينية راسخة، فإنّ لها تأثيراً كبيراً على سياسات ترامب وتوجهاته.
 
خامساً: أنّ الرئيس الأمريكي الحالي ترامب يدرك كسياسي بارع ومتمرس (بغض النظر عن كونه جاء من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية التقليدية) بأنّ الشعب الأمريكي -ولأسباب لا مجال لذكرها هُنا- يؤيد إسرائيل حتى وإن كان هناك متعاطفون محدودو العدد مع القضية الفلسطينية في أوساط الحزب الديمقراطي وشباب الجامعات.
 
سادساً: غياب التأثير الخارجي الفاعل على السياسات الأمريكية، فالولايات المتحدة ما زالت تتربع على عرش العالم كقطب "أوحد" وليس للقوى الناهضة الأخرى كالصين، وروسيا وغيرهما أيّ قدرة حقيقية على التأثير الفعلي في السياسات الأمريكية فضلاً عن أنّ هذه "الأقطاب" الصاعدة في سماء السياسة العالمية ما زالت مشغولة بقضاياها الأكثر أهمية بالنسبة لها كانشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا، وانشغال الصين بتنمية نفسها والتدرج في لعب أدوار مهمة على الصعيد الدولي وبما يتناسب مع مكانتها الاقتصادية كثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
 
ماذا يعني كل ما سبق؟ إنه يعني ببساطة أننا يجب ألّا نعوِّل على الموقف الأمريكي، ويجب ألّا نتوقع أن تقف إدارة "ترامب" موقفاً عادلاً وهي تشاهد مع العالم كله ما يحدث في قطاع غزة من "إبادة جماعية" ألحقتها إسرائيل "بمجاعة" يندى لها جبين الإنسانية، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها "عار عالمي"، كما وصفها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأنها "فضيحة أخلاقية".
 
إن إدارة ترامب مثلها مثل حكومة نتنياهو تؤمن بمبدأ "السلام من خلال القوة"، ولذا فإنّ المدخل الوحيد إلى تعديل الموقف الأمريكي هي مواجهتها بأوراق "قوة" يفرزها الموقف الفلسطيني أولاً، ثم الموقف العربي، ثم الموقف الدولي، فهل تفعل هذه الأطراف؟ سؤال برسم الإجابة!