عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jan-2019

رواية القصة القصيرة

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة 

من المعروف أن الرواية فن سردي تتداخل فيه الأجناس الأدبية من شعر ومسرحية وسيرة ذاتية أو غيرية، وغير الأدبية من تاريخ وكتابات فلسفية واجتماعية وغيرها. لكن ربما من غير المعروف لكثيرين من النقاد والأدباء وجود رواية تتكون من مجموعة من القصص القصيرة المتكاملة فيما نستطيع تسميتها رواية القصة القصيرة على منوال رواية السيرة، أو رواية تيار الوعي. 
تجتمع في هذه الرواية،كما يوحي العنوان، صفات من الرواية وصفات من القصة القصيرة؛ فمن صفات الرواية ترابط العناصر الروائية من أحداث وشخوص وزمان ومكان ووجهات نظر،وتضافر جميع العناصر لتقديم الفكرة الرئيسية للعمل. ومن ميزات القصة القصيرة توافر عنصري الإيجاز والتكثيف، والمحافظة على عدم التوسع في السرد والوصف والحوار، فكل شيء بقدر وإحكام.ولعل هذه الصفات تسمح للمتلقي أن يتعامل مع النص بوصفه رواية أو مجموعة من القصص القصيرة؛إذ يمكن قراءة كل قصة قراءة مستقلة عن غيرها من القصص وعن السياق الروائي العام. لكن تظل مثل هذه القراءة ناقصة؛ لأنها لا تلم بالفكرة العامة للعمل، ولا تقف على جمالياته الكلية ومراميه العميقة؛ فهو قد وجد في الأصل ليكون رواية وليس قصصًا قصيرة.
من اللافت أن استخدام القصة القصيرة في الرواية ظاهرة قليلة الانتشار في أدبنا الروائي، ولم تستقر بعد على حال معينة، ربما يعود هذا إلى تراجع الاهتمام بالقصة القصيرة من ناحية، والتخوف من الإخفاق في الكتابة من ناحية أخرى، لأن النجاح في كتابة هذا النوع من الرواية يتطلب المقدرة على إتقان كتابة القصة القصيرة فضلًا عن كتابة الرواية.
يحضرنا من الأمثلة القليلة على رواية القصة القصيرة في الرواية العربية،دون الاهتمام بالقيمة الفنية أو الحكم النقدي،رواية «سداسية الأيام الستة»للروائي الفلسطيني إميل حبيبي، ورواية»كاميرا الحب والحرب»للأديب العراقي مكي النزال.ورواية «سداسية الأيام الستة» تحتوي ست قصص كتبها إميل حبيبي عام 1968 وصدرت في مصر ضمن روايات الهلال في العام 1969، مع رواية المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي «صمت البحر»لفيركور. تتحدث قصص رواية حبيبي عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967وعن فلسطيني 1948، والقصص هي:أم الروبابيكا، حين سعد مسعود بابن عمه، وأخيراً نوّر اللوزــ العودة، الخرزة الزرقاء، عودة جبينه، الحب في قلبي.
أما رواية «كاميرا الحب والحرب»2018 فتتكون من مجموعة من القصص القصيرة التي تُروى بضمير الغائب، وشخصيتها الرئيسية مصوّر يتجول في المدن العراقية ليوثق بالصورة أو بالصوت والصورة معًاما تعرض له الإنسان العربي في العراق من عذاباتوجرائم،وبخاصة في الفلوجة على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي الغاشم. من عناوين القصص الواردة في الرواية: فساد الصورة، رحلة بين المنافي، رؤية من زاوية ميتة، المصور الصغير وغيرها.
يلاحظ أن كلتا الروايتين صغيرتا الحجم ربما من عدوى صغر حجم القصة القصيرة في الغالب التي تشكل الوحدة الرئيسية لكل منهما. كما أن كلا منهما تعد الرواية الأولى لمؤلفها، وتتناولان موضوعًا مشتركًا وهو الاحتلال وتنكيله: الاحتلال الإسرائيلي في الرواية الأولى، والأمريكي في الرواية الثانية.ويغلب على الروايتين استخدام الحوار حتى إن رواية «سداسية الأيام الستة» جاءت قصتها الأولى « أم الروبابيكا» في قالب مسرحي.
في النهاية نقول إن استخدام القصة القصيرة في بناء الرواية يساعد على تنوع عالمها واتساعه، وتعزيز قدرتها على التعبير عن هموم الحياة ومتطلبات العصر، وإنرواية القصة القصيرة ــ كما أرى ــ تتناسب وعصر العولمة، عصر تقليص الزمان وتقريب المكان، وربما يُقبل كثيرون من الروائيين على كتابتها في المستقبل.