الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يوفال أبراهام* - (مجلة 972+) 14/8/2025
بينما تتعامل إسرائيل مع الإعلام كساحة معركة، قامت بتكليف فرقة استخبارات عسكرية سرية بتمشيط غزة بحثًا عن مواد لتعزيز الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) -بما في ذلك اختراع مزاعم مشكوك فيها تبرر قتل الصحفيين الفلسطينيين.
قام الجيش الإسرائيلي بإنشاء وتشغيل وحدة خاصة تُدعى "خلية الشرعنة"، مُكلّفة بجمع معلومات استخبارية من غزة يمكن أن تعزز صورة إسرائيل في الإعلام الدولي، كما أفادت ثلاثة مصادر استخبارية تحدثت إلى مجلتي "972+" و"لوكال كول"، وأكدت وجود هذه الوحدة.
تم إنشاء الوحدة بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وسعت إلى الحصول على معلومات حول استخدام "حماس" المدارس والمستشفيات لأغراض عسكرية، وعن فشل الجماعات الفلسطينية المسلحة في إطلاق الصواريخ، مما أدى إلى الإضرار بمدنيين في القطاع. كما كُلِّفت الوحدة أيضًا بتحديد صحفيين مقيمين في غزة يمكن تصويرهم كعملاء سريين لـ"حماس"، في محاولة لإخماد الغضب العالمي المتزايد من قتل إسرائيل للصحفيين -آخرهم صحفي قناة "الجزيرة" أنس الشريف، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية الأسبوع الماضي.
بحسب المصادر التي تحدثت إلى مجلتي "972+" و"لوكال كول"، لم يكن دافع تشغيل "خلية الشرعنة" أمنيًا، بل مسألة علاقات عامة. بدافع الغضب من أن صحفيي غزة "يشوِّهون سمعة (إسرائيل) أمام العالم"، كان أعضاء الوحدة متحمسين للعثور على صحفي يمكن ربطه بـ"حماس" ووضعه كهدف، على حد قول أحد المصادر.
وصف المصدر نمطًا متكررًا في عمل الوحدة: كلما تصاعد النقد لإسرائيل في وسائل الإعلام بشأن قضية معينة، يُطلب من "خلية الشرعنة" العثور على معلومات استخبارية يمكن رفع السرية عنها واستخدامها علنًا لمواجهة السردية.
وقال المصدر الاستخباري: "إذا كانت وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن إسرائيل التي تقتل صحفيين أبرياء، يكون هناك على الفور ضغط للعثور على صحفي واحد ربما لا يكون بريئًا تمامًا -كما لو أن ذلك يجعل من قتل العشرين الآخرين أمرًا مقبولًا".
وأضاف مصدر آخر أن المستوى السياسي في إسرائيل هو الذي كان يوجه الجيش أحيانًا نحو المجالات الاستخبارية التي ينبغي للوحدة التركيز عليها. وكانت المعلومات التي تجمعها "خلية الشرعنة" تُنقل بانتظام إلى الأميركيين عبر قنوات مباشرة. وأكد ضباط استخبارات أنه تم إبلاغهم بأن عملهم حيوي لتمكين إسرائيل من إطالة أمد الحرب.
وأوضح مصدر آخر: "كان الفريق يجمع بانتظام معلومات استخبارية يمكن استخدامها في ’الهاسبارا‘ -مثل العثور على مخزون من أسلحة (حماس) في مدرسة -أي شيء يمكن أن يعزز إضفاء الشرعية، على المستوى الدولي، على مواصلة إسرائيل القتال. وكانت الفكرة هي أن يُسمح للجيش بالعمل من دون ضغط، بحيث لا توقف دول مثل أميركا إمداد إسرائيل بالأسلحة".
كما سعت الوحدة، أيضًا، إلى الحصول على أدلة تربط شرطة غزة بهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، من أجل تبرير استهدافها وتفكيك جهاز الأمن المدني لـ"حماس"، بحسب مصدر مطلع على عمل "خلية الشرعنة".
وروى اثنان من المصادر الاستخبارية أنه في حالة واحدة على الأقل منذ بداية الحرب، قامت "خلية الشرعنة" بتحريف معلومات استخبارية بطريقة سمحت بتقديم صورة زائفة عن صحفي باعتباره عضوًا في الجناح العسكري لحركة "حماس". وقال أحد المصادر: "كانوا متحمسين لوصفه كهدف، كإرهابي -لقول إنه من المقبول مهاجمته. قالوا: في النهار هو صحفي، وفي الليل هو قائد فصيل. كان الجميع متحمسين. ولكن كانت هناك سلسلة من الأخطاء والتجاوزات".
وتابع المصدر: "في النهاية أدركوا أنه كان بالفعل صحفيًا"، ولم يتم استهداف الصحفي.
ثمة نمط مماثل من التلاعب بدا واضحًا في المعلومات الاستخبارية المقدمة عن الشريف. فبحسب الوثائق التي نشرها الجيش -والتي لم يتم التحقق منها بشكل مستقل- تم تجنيده في "حماس" في العام 2013 وبقي نشطًا حتى أصيب في العام 2017 -ما يعني أنه حتى لو كانت الوثائق دقيقة، فإنها تشير بوضوح إلى أنه لم يكن له أي دور في الحرب الحالية.
وينطبق الأمر نفسه على حالة الصحفي إسماعيل الغول الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية في تموز (يوليو) 2024 مع مصوره في مدينة غزة. بعد شهر من استهدافه، زعم الجيش أنه "عنصر في الجناح العسكري وإرهابي من النخبة" في "حماس، مستشهدًا بوثيقة من العام 2021 زُعم أنها استُرجعت من "حاسوب تابع لحماس". ومع ذلك، أشارت تلك الوثيقة المزعومة إلى أنه حصل على رتبته العسكرية في العام 2007 -عندما كان عمره 10 سنوات فقط، أي قبل سبع سنوات من التاريخ المزعوم لتجنيده في "حماس".
"البحث عن أكبر قدر ممكن
من المواد لأجل الهاسبارا"
جاءت إحدى أولى محاولات "خلية الشرعنة" البارزة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بعد الانفجار الدموي في "المستشفى الأهلي" بمدينة غزة. في حين ذكرت وسائل الإعلام الدولية، استنادًا إلى وزارة الصحة في غزة، أن ضربة إسرائيلية قتلت 500 فلسطيني، قال المسؤولون الإسرائيليون إن الانفجار نتج عن صاروخ أطلقته "حركة الجهاد الإسلامي" عن طريق الخطأ، وإن عدد الضحايا كان أقل بكثير مما ذكرته وزارة الصحة الفلسطينية.
وفي اليوم التالي للانفجار، نشر الجيش تسجيلًا عثرت عليه "خلية الشرعنة" في اعتراضات استخبارية، قُدم على أنه مكالمة هاتفية بين عنصرين من "حماس" يُلقيان فيها باللوم على "الجهاد الإسلامي" في التسبب بالحادثة. وفي وقت لاحق، اعتبرت العديد من وسائل الإعلام العالمية هذه المزاعم محتملة، بما في ذلك بعض الجهات التي أجرت تحقيقاتها الخاصة، وألحق نشر التسجيل المذكور ضربة قاسية بمصداقية وزارة الصحة في غزة -واعتُبر ذلك في داخل الجيش الإسرائيلي انتصارًا للوحدة.
ولكن، في كانون الأول (ديسمبر) 2023، قال ناشط فلسطيني في مجال حقوق الإنسان لمجلتي "972+" و"لوكال كول" إنه ذُهل حين سمع صوته في التسجيل المذكور، والذي قال إنه لم يكن سوى محادثة عادية مع صديق فلسطيني آخر. وأصرّ على أنه لم يكن في أي يوم عضوًا في "حماس".
وقال مصدر عمل مع "خلية الشرعنة" إن نشر مواد مصنفة كمعلومات سرية، مثل مكالمة هاتفية، كان مثيرًا للجدل بشدة. وأضاف: "ليس في طبيعة الـ’دي، أن. إيه‘ للوحدة 8200 على الإطلاق أن تكشف عن قدراتها لأجل أمر غامض مثل الرأي العام".
ومع ذلك، كما قالت ثلاثة مصادر استخبارية، كان الجيش كان يتعامل مع وسائل الإعلام كامتداد لساحة المعركة، مما أتاح رفع السرية عن معلومات استخبارية حساسة ونشرها على الملأ. وقد طلب، حتى من أفراد الاستخبارات خارج "خلية الشرعنة"، الإشارة إلى أي مادة يمكن أن تساعد إسرائيل في حرب المعلومات. ويذكر أحد المصادر: "كانت هناك عبارة تتكرر: ’هذا جيد للشرعية‘. وكان الهدف ببساطة هو العثور على أكبر قدر ممكن من المواد لخدمة جهود الهاسبارا".
بعد نشر هذا المقال، أكدت مصادر أمنية رسمية لمجلتي "972+" و"لوكال كول" أن فرق "بحث" مختلفة قد شُكلت داخل استخبارات الجيش الإسرائيلي خلال العامين الماضيين بهدف "فضح أكاذيب حماس". وقالت هذه المصادر إن الهدف كان "نزع المصداقية" عن الصحفيين الذين ينقلون أخبار الحرب عبر القنوات التلفزيونية "بطريقة يُزعم أنها موثوقة ودقيقة"، وإنما التي تدعي المصادر أنهم في الواقع جزء من "حماس". وبحسب المصادر، فإن هذه الفرق البحثية لا تؤدي دورًا في اختيار الأهداف الفردية التي تتم مهاجمتها.
"لم أتردد مرة واحدة
في نقل الحقيقة"
في 10 آب (أغسطس)، قتل الجيش الإسرائيلي ستة صحفيين في غارة اعترف علنًا بأنها استهدفت مراسل قناة "الجزيرة" أنس الشريف. وقبل شهرين، في تموز (يوليو)، كانت "لجنة حماية الصحفيين" قد حذّرت من خشيتها على حياة الشريف، وقالت إنه "مستهدف بحملة تشويه عسكرية إسرائيلية، يُعتقد أنها مقدمة لاغتياله".
ثم، بعد أن نشر الشريف في تموز (يوليو) مقطعًا مصورًا مؤثرًا له وهو يبكي أثناء تغطيته أزمة الجوع في غزة، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، ثلاثة مقاطع مختلفة يهاجمه فيها، متهمًا إياه بـ"الدعاية" وبالمشاركة في "حملة حماس الكاذبة عن التجويع".
رأى الشريف صلة واضحة بين الحرب الإعلامية التي تخوضها إسرائيل وحربها العسكرية. وقال للجنة حماية الصحفيين: "إن حملة أدرعي ليست مجرد تهديد إعلامي أو محاولة لتدمير الصورة؛ إنها تهديد واقعي للحياة". وبعد أقل من شهر، قُتل الشريف، مع تقديم الجيش ما قال إنها معلومات استخبارية رُفعت عنها السرية عن عضويته في "حماس" لتبرير الغارة.
وكان الجيش قد زعم بالفعل في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 أن ستة من صحفيي "الجزيرة"، بينهم الشريف، هم عناصر عسكريون، وهو ما نفاه الشريف بشدة. ولاحقًا أصبح الثاني من تلك القائمة الذي يُستهدف، بعد الصحفي حسام شبات. ومنذ صدور هذا الاتهام في تشرين الأول (أكتوبر)، كان مكان وجوده معروفًا جيدًا، ما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عمّا إذا كان قتل الشريف -الذي كان يقدّم تقاريره بانتظام من مدينة غزة- جزءًا من خطة إسرائيل لفرض تعتيم إعلامي قبل إنجاز استعداداتها العسكرية للسيطرة على المدينة.
وفي رد على أسئلة من "مجلة 972+" حول مقتل الشريف، كرر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن "الجيش هاجم إرهابيًا من منظمة حماس الإرهابية كان يعمل تحت غطاء صحفي من شبكة ’الجزيرة‘ في شمال قطاع غزة"، وزعم المتحدث أن الجيش "لا يتعمد إيذاء أشخاص غير معنيين، وخاصة الصحفيين، وذلك كله وفقًا للقانون الدولي".
وأضاف المتحدث أنه قبل الغارة "تم اتخاذ خطوات لتقليل احتمالية إصابة المدنيين، بما في ذلك استخدام أسلحة دقيقة، ومراقبة جوية، ومعلومات استخبارية إضافية".
على الرغم من أنه لم يتجاوز الثامنة والعشرين من العمر، أصبح الشريف واحدًا من أبرز الصحفيين في غزة. وهو واحد من بين 186 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا قُتلوا في القطاع منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وفقًا لـ"لجنة حماية الصحفيين" -وهي الفترة الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ أن بدأت اللجنة بجمع البيانات في العام 1992. وقدّرت منظمات أخرى العدد بما يصل إلى 270.
كتب الشريف في رسالته الأخيرة، التي نُشرت بعد وفاته على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي: "إذا وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي. لقد عشت الألم بكل تفاصيله، وتذوقت المعاناة والخسارة مرات عديدة، ومع ذلك لم أتردد مرة واحدة في نقل الحقيقة كما هي، من دون تحريف أو تزوير".
*ملاحظة: أخطأت نسخة سابقة من هذا المقال في عرض نتائج مجموعة البحث البريطانية التي تعمل في فحص الأدلة الجنائية، "فورينزك أركيتكتشر"، حول انفجار مستشفى الأهلي. فقد خلص تحقيقهم الذي أجري في شباط (فبراير) 2024 إلى أن الانفجار المصوَّر فوق المستشفى قبل ثوانٍ قليلة، والذي قدمته إسرائيل كدليل على خلل في صاروخ، كان في الواقع مرتبطًا باعتراض من منظومة "القبة الحديدية" الخاصة بها.
*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية. وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية - فلسطينية ثنائية اللغة. درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.
*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: Legitimization Cell: Israeli unit tasked with linking Gaza journalists to Hamas