عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2019

ما بین طرفي الذکریات والأمنیات.. هل تتنبه للحظة الآنیة؟

 

عمان –الغد-  كم من الوقت تمضیھ بمعاودة التفكیر بالذكریات؟.. وكم من الساعات تقضیھا سارحاً في الأمنیات؟. وما بین طرفي الذكریات والأمنیات، كم تبقى منتبھا الى لحظة الآن؟ٍ كمن یقف على قنطرة جسر إذا نظر یمینھ رأى الطریق الذي یفضي بھ للذكریات، وإذا نظر یساره رأى الطریق الذي یمضي بھ إلى الأمنیات، واقفا في المنتصف، في لحظة الآن، فھذه اللحظة التي یمتلكھا حقیقة.تمر الذكرى على شكل صورة أو فكرة، وتمر التطلعات والأمنیات عن طریق الرغبات والانفعالات، فتأخذ الذكریات بعدھا شكل استجابة إنفعالیة، وتتطور الأمنیة الى أفكار وصور ذھنیة، ھكذا صمم ھذا الجسر الذي نمر فیھ كل یوم جیئة وذھابا، ثم نقف على قنطرتھ متأملین واقعنا الآن على حالتھ التي ھو علیھا.

إن الذكریات ذخیرة لا تنفذ، وكل لحظة نمر بھا دام أنھا تجاوزت قنطرة الجسر تتحول إلى ذكرى، وتنظم إلى مخزون الذكریات، وھذا ما یمیز بشریتنا، فرصید الذكریات یشكل لنا التعلم، والمعرفة،  والخبرة، وھو الذي یشكل ما نحن علیھ الآن. أما الأمنیات فھي المرغوبات التي نصبوا الیھا، والتي لم تحدث بعد، لكن في حال أنھا تحدث فقد أصبحت في لحظة الآن، فتكون على قنطرة الجسر، وفي حال حدثت وأنتھت تمسي من رصید الذكریات والماضي، فھي الدافع والمحرك للمضي قدما في الحیاة، بل ھي نبض الحیاة، وإیقاع المسیر للأمام.
تكمن فكرة قنطرة الجسر بتنظیم علاقتنا مع الماضي والمستقبل بناء على لحظة الآن، فالماضي خبرات والحاضر یشكلھ العلم والعمل بھا، والمستقبل تصور لتوظیف ھذة الخبرات أو زیادة رصیدھا، وكما من الممكن أن تسیر الأمور بطریقة صحیحة في أي أمر، فقد تسیر ایضا بشكل غیر صحیح، فالماضي ھو علم للعمل، للتعلم لا للتألم، للتأمل لا للإنغماس والغرق فیھ، والمستقبل محرك العمل على قنطرة الآن، فلا أمل بلا عمل، وإلا سیصبح الإنسان كیانا راكدا غارقا في الماضي، یتجرع من الألم الذي لا علم فیھ، او یعاقر الرغبة في مستقبل لا یعمل لھ.
لیس غریبا اننا نحن البشر قد نحتاج لجرعة من الألم، وأخرى من الأمل، فبعض الألم من الماضي جرعة للتعلم وتسدید الخطى، وبعض الأمل في المستقبل جرعة لتحفیزنا ودفعنا وتحریكنا للأمام.
وما بین جرعة من الألم والأمل نقف على قنطرة الجسر فنفكر بخطوتنا الجدیدة، وحیاتنا التي لا نرید، أو تلك الحیاة التي لا نرید أو لم نعد نریدھا في أحیان أخرى، فجرعة محددة من الألم أو الأمل نافعة ومفیدة، لكن كحال أي جرعة لاي دواء كان، فالجرعات الزائدة ستتحول إلى داء ودواء، ولیس غریبا علینا ان نعرف أن جرعات الألم الزائدة ضارة ومؤذیة، لكن ھل من الممكن أن تكون جرعات الأمل كذلك؟
إن جرعات الأمل الزائد سمیة جدا، فعندما تعیش أملا لا یتحقق، وعندما تتعلق بآمال مستحیلة، أو عندما تغرق في احلام الیقظة؛ كل ذلك سیكون سمیا إذا زاد عن حدة، ومن أدلة ذلك انك الیوم وصلت لبعض ما كنت ترغب بھ البارحة، لكنھ عندما تحقق ما عدت تنظر الیھ، وصرت متشوفا لتحقیق رغبات وآمال جدیدة، وصرت قلقاً تجاه خوفك بأن لا تحقق ما ترید، ولم تشعر بالأمان لما حققتھ فعلاً..
وھكذا، عندما لا نحتفل بما حققنا، ولا نحفل بما تحقق، فھذا دلیل سمیة جرعات الأمل، فالأمل الذي لا ینتھي سیصبح قلقا لا ینتھي، فالى أین ترید الوصول؟ لقد وصلت مرات، ومرات، ومرات حتى الآن في حیاتك، فھل فرحت بذلك؟ أم عاقرت كاساً من الأمل بالمزید الذي لن ینتھي ابدا.
على قنطرة الجسر، نقف ھناك كل یوم، لكننا قد لا نعود للماضي للتعلم فتصبح عودتنا ملیئة بالألم، أو لا نرغب بالمستقبل من خلال العمل والجد، فیمسي الأمل عبئاً ثقیلاً ومصدراً للإحباط وخیبة الظن، فالأصل لعملنا على قنطرة الجسر ھو الحاضر الذي نعیشھ الآن، ونعرف أن ما نملكھ فیھ ھو اللحظة، ھذه اللحظة التي مرت صارت ماضیاً، وتلك اللحظة التي لم تأت بعد ھي من المستقبل. اما قنطرة الجسر فھي اللحظة، وسر الحیاة ھو أن تعرف كیف تعیش ھذة اللحظة بحق.
د. یوسف مسلَّم
اختصاصي العلاج النفسي