عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jan-2020

(التبويس) الجائر وعادات أخرى* رمزي الغزوي

الدستور - قبل ثلاثين سنة وأكثر كانت بيوت العزاء لا تُعني إلا سكراً ورزاً. أي يتوجب عليك أن تحمل كيساً منهما أو من كليهما؛ لتقوم بواجب العزاء والمؤاساة. وما زلت أذكر الشاحنة الكبيرة التي وقفت في باب مأتم؛ لتلقم ما تم جمعه طيلة أيام العزا، وكانت أسبوعاً.

تلك العادة بُنيت على التضامن والتكافل، ولكنها خرجت عن هدفها النبيل؛ لتكتسب بعداً مبالغاً فيه، شكّل ثقلاً كبيراً أرهق كواهل الناس، ووضعهم في حرج التكلف والمعاناة. ولولا قادة اجتماعيون بعيدو نظر انبروا وغيروا؛ لبقينا تحت بنديرية هذه العادة.
يوم أمس ارسل لي صديق بأن ثمة دعوات من بعض العائلات أن يكتفى بواجب العزاء عند الدفن، بسبب التكاليف التي باتوا يتكبدونها. وعندها تذكرت ما كتبه صديق على صفحته في فيسبوك بأن العزاء في الأردن قد يكلف 5000 دينار، والمتوفى كان يحتاج 500 دينار كي  يتعالج.
بكل تجرد وصدق، فالمأتم في أغلب حالاته بات لا يعني إلا المناسف. بدليل أن المناصب ثلاثية الأرجل تجهز قبل الخيمة أو السُرادق. الأمر الذي جعل شاباً يكتب لي قبل فترة، بأن عزاء والده كلفهم أكثر من ثلاثة آلاف دينار، تمت استدانتها من أيادي الناس لإطعامهم. مجاراة لعوايد المجتمع.
الأصل أن نطعم المناقيص (الذين فقدوا عزيزا لهم) ، فهم في شغل، ولهم شأن يغنيهم. ونتذكر عادة كريمة غاية في التآلف والتكاتف، عندما كان يُصنع لهؤلاء طعامٌ يسمى (غدا التربة)، يتناولونه بعد عودتهم من تراب المقبرة.
اليوم تبدلت الأحوال وصار على المناقيص، رغم ما بهم من شغل وحزن، أن يغرقوا في المناسف طيلة أيام العزاء، وعليهم أن يطعموا ويطبخوا وينفخوا. مما يشكل ثقلاً مالياً ونفسياً وجسدياً عليهم.
وكما تخلصنا من عادة، أن يكون المأتم أسبوعاً، يربك الناس ويعطل أشغالهم ويذرهم للهذر والكلام الفاضي، أدعو إلى تبني وثيقة شرف يقوم بها قادة اجتماعيون وشيوخ وشخصيات مؤثرة، تقنن وتقونن الهدر العام في هذه المناسبات، وتراعي ظروف المجبورين النفسية والمالية وتواكب ظرف البلد. 
العادات الاجتماعية يمكننا أن نتخطاها، إذا كانت تصبُّ في صالح التخلف، أو تساعد بنقل مرض أو أذى. وما زالت شكوى أحدهم من مرض جلدي اعتراه جرّاء (التبويس الجائر) المحمول على التقليد، طيلة أيام العزاء، ما زالت ترن في أذني.
أنا مع إعادة (غدا التربة)، وأن يكون بحساب، وأن يحصر في أهل المتوفى، وأن تُلغى مظاهر البذخ والتباهي، فأجواء الموت يجب أن تجعلنا أكثر صدقاً، بعيداً عن كل نفاق.