عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Sep-2025

خطة ترامب لغزة: إعادة توطين "طوعية" للسكان

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كارين دي يونغ؛ وكيت براون* - (الواشنطن بوست) 2/9/2025
تناقش إدارة ترامب وشركاء دوليون مقترحات لبناء "ريفييرا الشرق الأوسط" على أنقاض غزة. وتقضي إحدى الخطط بفرض سيطرة أميركية على القطاع ودفع أموال للفلسطينيين لمغادرته.
 
ثمة خطة لما بعد الحرب في غزة، يجري تداولها داخل إدارة ترامب، مستوحاة من تعهد الرئيس دونالد ترامب بـ"الاستيلاء على" القطاع، التي ستضعه تحت وصاية تديرها الولايات المتحدة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، بينما يتم تحويله إلى منتجع سياحي متلألئ ومركز للتصنيع عالي التقنية وللتكنولوجيا الفائقة.
يتخيل التصور المكوّن من 38 صفحة، والذي اطلعت عليه صحيفة الـ"واشنطن بوست" إعادة توطين، مؤقتة على الأقل، لكل سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة -إما من خلال ما يسميه المخطط مغادرة "طوعية" إلى دولة أخرى؛ أو عبر سوقهم وحصرهم في مناطق مقيدة آمنة داخل القطاع أثناء إعادة الإعمار.
وفق الخطة، سوف يعرض صندوق الوصاية على مالكي الأراضي سندًا رقميًا مقابل حقوق إعادة تطوير ممتلكاتهم، والذي يمكن استخدامه لتمويل حياة جديدة في مكان آخر أو استرداده لاحقًا بالحصول على شقة في واحدة من الست إلى ثماني "مدن ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي" المزمع بناؤها في غزة. وسوف يحصل كل فلسطيني يختار المغادرة على دفعة نقدية قدرها 5.000 دولار، وإعانات لتغطية إيجار 4 سنوات في مكان آخر، بالإضافة إلى مؤونة سنة كاملة من الطعام.
وتُقدِّر الخطة أن كل مغادرة فردية من غزة ستوفّر للصندوق 23 ألف دولار، مقارنةً بتكلفة السكن المؤقت وما تسميه خدمات "دعم الحياة" في المناطق الآمنة لأولئك الذين يختارون البقاء.
كان الذي اقترح وطور الخطة المسماة "صندوق إعادة تشكيل غزة وتسريع الاقتصاد والتحوّل" Gaza Reconstitution, Economic Acceleration and Transformation Trust، بالاسم المختصر "صندوق غزة الكبير" GREAT Trust هم الإسرائيليون أنفسهم الذين أنشأوا وأطلقوا "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي توزع الغذاء حاليًا داخل القطاع. أما التخطيط المالي، فأعده فريق كان يعمل في ذلك الحين لدى "مجموعة بوسطن الاستشارية" Boston Consulting Group.
تحدث أشخاص مطلعون على مخطط "الصندوق" ومداولات الإدارة بشأن غزة بعد الحرب عن هذا الموضوع الحساس بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. وأحال البيت الأبيض الأسئلة التي وجهناها له بشأنه إلى وزارة الخارجية، التي امتنعت عن التعليق. وأكدت "مجموعة بوسطن الاستشارية" أنها لم تتم الموافقة صراحة على العمل على خطة الصندوق، وأن شريكين رفيعي المستوى قادا النمذجة المالية للمشروع جرى طردهما لاحقًا.
يوم الأربعاء، عقد ترامب اجتماعًا في البيت الأبيض لمناقشة أفكار حول كيفية إنهاء الحرب التي تقترب الآن من نهاية عامها الثاني، وما يليها. ومن بين المشاركين كان وزير الخارجية ماركو روبيو؛ والمبعوث الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف؛ ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي طلبت الإدارة رأيه حول مستقبل غزة؛ وصهر ترامب جاريد كوشنر، الذي تولى إدارة معظم مبادرات الرئيس في الشرق الأوسط خلال ولايته الأولى وله مصالح خاصة واسعة في المنطقة.
ولم يتم إصدار أي بيان حول الاجتماع أو القرارات السياسية التي توصَّل إليها، على الرغم من أن ويتكوف كان قد صرح في الليلة السابقة بأن الإدارة لديها "خطة شاملة للغاية".
ليس واضحًا بعد ما إذا كان مقترح "صندوق غزة الكبير" المفصل والشامل هو ما يدور في ذهن ترامب. لكن العناصر الرئيسية للمخطط، وفقًا لشخصَين مطلعَين على التخطيط، صُممت خصيصًا لتحقيق رؤية الرئيس لـ"ريفييرا الشرق الأوسط".
ربما يكون الشيء الأكثر جاذبية في المشروع هو زعمه أنه لا يتطلب أي تمويل حكومي أميركي، بينما يعرض أرباحًا كبيرة للمستثمرين. وعلى النقيض من "مؤسسة غزة الإنسانية" المثيرة للجدل، التي تعاني أحيانًا من نقص في السيولة وتستخدم متعاقدين أمنيين أميركيين مسلحين لتوزيع الغذاء في أربع مناطق في جنوب غزة، فإن خطة الصندوق "لا تعتمد على التبرعات"، كما تقول النشرة الدعائية له. بدلًا من ذلك، سيتم تمويله من خلال استثمارات القطاعين العام والخاص في ما تسميه الخطة "مشاريع عملاقة"، تتراوح من بناء مصانع السيارات الكهربائية ومراكز البيانات، إلى إنشاء منتجعات شاطئية مترفة وأبراج سكنية شاهقة.
وتتوقع الحسابات الواردة في الخطة عائدًا يقارب الأربعة أضعاف على استثمار قدره 100 مليار دولار بعد 10 سنوات، مع تدفقات إيرادات "تعيد توليد نفسها ذاتيًا". وكانت صحيفة "الفايننشال تايمز" قد كشفت عن بعض عناصر المقترح أولًا.
وقال شخص مطلع على المداولات الداخلية في الإدارة: "أعتقد أن [ترامب] سيتخذ قرارًا جريئًا عندما ينتهي القتال. هناك عدة سيناريوهات مختلفة يمكن أن تسلكها الحكومة الأميركية، اعتمادًا... على ما سيحدث".
خطط متنافسة لغزة
تكاثرت المقترحات الخاصة باليوم التالي لغزة بعد انتهاء الحرب عليها منذ اللحظة الأولى لاندلاعها في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عندما غزا مقاتلو "حماس" جنوب إسرائيل، وقتلوا نحو 1.200 شخص وأخذوا حوالي 250 آخرين كرهائن.
ومع رد فعل إسرائيل العسكري الذي حوّل القطاع بشكل منهجي إلى أنقاض -متسببًا في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وترك أكثر من 60 ألفا قتلى، ونحو نصف مليون يواجهون ما وصفه مرصد أزمات عالمي بأنه مجاعة كارثية- تقدّمت مراكز أبحاث، وأكاديميون، ومنظمات دولية، وحكومات، وأفراد بمقترحات لإعادة تأهيل قطاع غزة وحكمه.
في وقت مبكر من الحرب، ظهرت في إسرائيل مقترحات لإنشاء مناطق خالية من "حماس" أو "فقاعات" تحت حماية الجيش الإسرائيلي داخل غزة، حيث يمكن للفلسطينيين تلقي المساعدات الإنسانية وحكم أنفسهم تدريجيًا مع اقتراب نهاية الصراع.
وفي كانون الثاني (يناير)، قبل أقل من أسبوع من تولي ترامب منصبه، قدّم وزير الخارجية آنذاك، أنتوني بلينكن، خريطة طريق إدارة بايدن لما بعد الحرب وصولًا إلى إقامة دولة فلسطينية. وكانت الخطة تدعو إلى "إدارة مؤقتة" لغزة تشرف عليها الأمم المتحدة، مع توفير الأمن عن طريق فلسطينيين مدققين أمنيًا وشركاء دوليين غير محددين، على أن تنتقل السلطة في نهاية المطاف إلى "سلطة فلسطينية تم إصلاحها".
كما عرضت "السلطة الفلسطينية"، ومصر، والإمارات العربية المتحدة كلها خططًا. وفي قمة عُقدت في آذار (مارس)، أيّد القادة العرب المقترح المصري الذي يتضمن تشكيل حكومة من تكنوقراط غزة ومسؤولين في "السلطة الفلسطينية" بتمويل من دول الخليج. وإلى جانب احتمال نشر قوات حفظ سلام عربية على الأرض، قالت السلطات في القاهرة إن أفرادًا من الشرطة الغزية التي تم حل معظمها يجري تدريبهم في مصر لتوفير الأمن في القطاع بعد نزع سلاح "حماس".
لكن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة -وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تحدثتا علنًا عن إعادة توطين مؤقتة للفلسطينيين خارج غزة- رفضتا المقترح العربي.
كما أجرى متعاقدون أمنيون أميركيون يعملون لدى "مؤسسة غزة الإنسانية" محادثات مع إسرائيل وشركاء إنسانيين محتملين بشأن خطة يقومون خلالها بتطهير غزة من الذخائر غير المنفجرة والركام، ويؤمّنون مناطق مؤقتة يعيش فيها الفلسطينيون كجزء من خطة لإعادة الإعمار.
لم يقدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أي وقت رؤية واضحة لمستقبل غزة سوى قوله إنه يجب نزع سلاح "حماس" وإعادة جميع الرهائن. وقال إن على إسرائيل أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على القطاع، ورفض أي حكم مستقبلي هناك تتولاه "السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية، كما رفض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
وتقول إسرائيل، التي تزعم أن قواتها تسيطر الآن على 75 بالمائة من مساحة القطاع، إنها صادقت على هجوم جديد للسيطرة على البقية. ومن جانبهم، دعا أعضاء اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو الحكومي إلى احتلال إسرائيلي دائم للقطاع. وقال زير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى ضم إسرائيل لغزة وإعادة استيطانها في مؤتمر صحفي يوم الخميس: "يجب أن تسيطر إسرائيل بالكامل على القطاع بأسره، إلى الأبد. سوف نضم محيطًا أمنيًا ونفتح أبواب غزة للهجرة الطوعية".
وفي الأسابيع الأخيرة، قال نتنياهو إنه يعتزم السيطرة على غزة خالية من "حماس"، لكنه أضاف: "لكننا لا نريد الاحتفاظ بها".
استكشاف دول ثالثة مضيفة
كانت مسألة تهجير الفلسطينيين من غزة -سواء كان ذلك عبر الإقناع أو التعويض أو القوة- موضوعًا للنقاش في السياسة الإسرائيلية منذ أن قامت إسرائيل بانتزاع القطاع من السيطرة المصرية واحتلاله في حرب العام 1967. وقد احتفظت إسرائيل بمستوطنات في غزة حتى العام 2005، حين انسحبت بشكل أحادي من القطاع. وأدى ذلك إلى نشوب صراع على السلطة بين "منظمة التحرير الفلسطينية" وحركة "حماس"، التي فازت بأغلبية برلمانية في انتخابات العام 2006 -وهي آخر انتخابات أُجريت في القطاع.
ظل هذا الوضع غير المستقر قائمًا خلال جولات متكررة وقصيرة من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" حتى الهجوم الذي شنته الحركة في العام 2023، عندما اخترق آلاف المقاتلين السياج الأمني الإسرائيلي المحيط بغزة من جميع الجوانب باستثناء حدودها الضيقة مع مصر جنوبًا، واجتاحوا قواعد الجيش الإسرائيلي وقتلوا مدنيين.
والآن، يقول نتنياهو إن إسرائيل "تتحدث إلى عدة دول" بشأن استيعاب فلسطينيين مرحّلين من غزة. وقد ذُكرت ليبيا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وإندونيسيا وأرض الصومال كخيارات محتملة. وتقع هذه الدول جميعها -باستثناء إندونيسيا التي سبق أن قالت إنها ستقبل مؤقتًا بضعة آلاف من الفلسطينيين الباحثين عن عمل أو علاج طبي- في إفريقيا، وهي كلها غارقة في نزاعاتها الخاصة والحرمان الذي يعاني منه سكانها.
في ليبيا تحكُم حكومتان متنافستان كثيرًا ما تشتبكان. وتشهد إثيوبيا حربًا أهلية متقطعة وصراعًا مع جيرانها. أما جنوب السودان، فقالت إسرائيل، التي قيّدت المساعدات الإنسانية لغزة، هذا الشهر، إنها سترسل مساعدات طبية وإمدادات أخرى إلى البلد الأفريقي.
ولم تعترف أي دولة بـ"أرض الصومال"، وهي محمية بريطانية سابقة أعلنت استقلالها من طرف واحد عن الصومال الذي مزقته الحرب في العام 1991. وبعد أن عرض قادتها مكانًا لاستيعاب الغزيين المُرحَّلين مقابل الاعتراف بدولتهم، قال ترامب للصحفيين في وقت سابق: "نحن ندرس ذلك الآن".
ترامب يحدد رؤيته
خلال حملته الانتخابية في العام 2024، قال ترامب إنه سيوقف حرب غزة بسرعة. لكنه عندما عاد إلى هذا الموضوع كرئيس، كان حديثه في الغالب عن كيفية توظيف مهاراته كمطور عقارات بمجرد أن يرحل الغزيون.
وقال ترامب للصحفيين أثناء توقيعه على سلسلة من الأوامر التنفيذية في المكتب البيضاوي بعد يومين من تنصيبه: "نظرت إلى صورة لغزة، إنها أشبه بموقع هدم هائل". وأضاف: "يجب أن يُعاد بناؤها بطريقة مختلفة". وقال عن غزة إنها "موقع رائع... على البحر، بأفضل مناخ. كل شيء جيد. يمكن عمل أشياء جميلة بها".
وبعد أسبوعين، في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض مع نتنياهو، قال ترامب: "الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة". وفي وصفه لما سماه "موقف مُلكية طويلة الأمد"، أضاف أن كل مَن تحدث إليه حول هذا الأمر "يحبّ الفكرة".
وقال ترامب: "لقد درست هذا عن كثب على مدى أشهر طويلة، ورأيته من جميع الزوايا المختلفة. لا أريد أن أبدو متذاكيًا. لا أريد أن أكون متحذلقًا. ولكن ’ريفييرا في الشرق الأوسط‘، يمكن لهذا أن يكون شيئًا بالغ الروعة".
ووصف نتنياهو، الذي كان يقف مبتسمًا إلى جانب ترامب، هذه الفكرة بأنها "رؤية جريئة"، وقال إن لإسرائيل والولايات المتحدة "استراتيجية مشتركة".
وعندما سُئل ترامب في وقت لاحق من ذلك اليوم في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" عما إذا كان سكان غزة الفلسطينيون يمكن أن يعودوا إليها بعد إعادة الإعمار، قال: "لا، لن يعودوا، لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير" في أماكن أخرى.
ثم، في غضون ساعات، تراجع روبيو والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، عن تلك التصريحات. وقال روبيو إن جزءًا من "المقترح السخي" الذي يقدمه ترامب هو أن الفلسطينيين سيحتاجون إلى مكان يعيشون فيه "بشكل مؤقت" أثناء إعادة الإعمار. وأصرت ليفيت على أن "الرئيس أوضح أنهم (الفلسطينيون) في حاجة إلى إعادة توطين مؤقت خارج غزة".
ولكن، بعد أسبوع فقط، عاد ترامب إلى الموضوع في جلسة في المكتب البيضاوي مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وقال ترامب: "مع سيطرة الولايات المتحدة على تلك القطعة من الأرض،" في إشارة إلى غزة، "سوف يكون لديكم استقرار في الشرق الأوسط لأول مرة. والفلسطينيون، أو الناس الذين يعيشون الآن في غزة، سيعيشون بشكل جميل في مكان آخر".
وبعد وقت قصير من تعهده في شباط (فبراير) بالسيطرة على غزة، أعاد ترامب نشر مقطع فيديو مولَّدًا بالذكاء الاصطناعي على حسابه في منصة "تروث سوشال" يجسد رؤيته. ويبدأ المقطع بأطفال يُنقّبون بين الأنقاض وسط مسلحين يحملون البنادق، ثم ينتقل المشهد سريعًا إلى أرض عجائبية من ناطحات السحاب المتلألئة، والشواطئ النظيفة، والأموال تهطل من السماء. ويظهر ترامب ونتنياهو وهما يستحمان بالشمس على شاطئ غزة، بينما يطل تمثال ذهبي لترامب ملوِّحًا بمودة على مشهد حضري نظيف ونابض بالحياة.
وفي الخلفية، ترافق المقطع أغنية جذابة تقول: "دونالد قادم ليحرركم/ جالبًا البهجة لكل ما تراه عيناك. لا مزيد من الأنفاق، لا مزيد من الخوف/ غزة ترامب أصبحت أخيرًا هنا".
في أعقاب الغضب العربي والاتهامات الواسعة بأن أي عملية ترحيل قسري للسكان ستكون انتهاكًا للقانون الدولي، شدد كل من ترامب ونتنياهو في الآونة الأخيرة على أن أي إعادة توطين للغزيين بعد الحرب ستكون طوعية -وإذا اختار الفلسطينيون ذلك، مؤقتة. وفي الأثناء، اتخذت إسرائيل خطوات لدفع سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة وحصرهم في شريط ضيق من الواجهة البحرية في الجنوب بينما تستعد لشن هجومها في الشمال على مدينة غزة.
تُقدِّر الأمم المتحدة أن 90 في المائة من المساكن في القطاع قد دُمِّرت. وتبقى الأسئلة عمّا يجب فعله بسكان غزة أثناء جعلها صالحة للعيش ومن سيحكمها مستقبلاً أسئلة مركزية، مهما كان المخطَّط الذي يتم اعتماده.
يقول يوسف منيِّر، الزميل الرفيع في "المركز العربي" بواشنطن: "حجم الدمار هائل ولا يشبه أي شيء رأيناه من قبل، حتى في سياق غزة نفسها". وأضاف: "حالة الطوارئ شديدة إلى حد متطرف. وحجم مشروع إعادة الإعمار ضخم للغاية. والمسألة السياسية ما تزال غامضة كما كان حالها دائمًا".
إعادة تطوير "ريفييرا" جديدة
في شباط (فبراير)، وعد ترامب بامتلاك غزة وإعادة تطويرها، وهو ما قدَّم ضوءًا أخضر وخريطة طريق لمجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين، بقيادة رائدي الأعمال، الإسرائيلي الأميركي مايكل آيزنبرغ، والضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وليران تانكمان. وقد سلّم هؤلاء بالفعل مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية" إلى المنفذين وانتقلوا إلى التعامل مع مسألة ما بعد الحرب بالتشاور مع خبراء ماليين وإنسانيين دوليين، ومع مستثمرين حكوميين وخاصين محتملين، فضلًا عن بعض الفلسطينيين، بحسب أشخاص مطلعين على التخطيط.
وبحلول الربيع، كانت هناك مجموعة مقرها واشنطن من شركة "مجموعة بوسطن الاستشارية"، التي تم توظيفها بشكل منفصل للعمل مع المقاول الأميركي الرئيسي المسؤول عن برنامج توزيع الغذاء التابع لـ"صندوق غزة الكبير"، تعمل على تخطيط تفصيلي ونمذجة مالية لمشروع "صندوق غزة الكبير". 
لدى سؤالهما، رفض آيزنبرغ وتانكمان التعليق على هذا التقرير، وقال شخص مطلع على التخطيط إنه تم إنجاز النشرة التعريفية لخطة المشروع المقترح لغزة في نيسان (أبريل)، مع تغييرات طفيفة منذ ذلك الحين، ولكن ما يزال هناك مجال واسع للتعديلات. وأضاف المصدر المطلع: "هي ليست وصفة ملزمة، وإنما استكشاف لما هو ممكن. يجب تمكين شعب غزة من بناء شيء جديد، كما قال الرئيس، ومن أن يحظوا بحياة أفضل".
شبّه أولئك المطلعون على المبادرة في كلٍّ من واشنطن وإسرائيل الخطة بالوصاية الأميركية على جزر المحيط الهادئ بعد الحرب العالمية الثانية، وبالأدوار الحاكمة والاقتصادية التي قام بها الجنرال دوغلاس ماك آرثر في اليابان، ووزير الخارجية جورج سي. مارشال في ألمانيا بعد الحرب.
في حين أن الولايات المتحدة كانت تدير مناطق الوصاية في المحيط الهادئ بموافقة الأمم المتحدة، فإن أعضاء المنظمة الدولية لن يوافقوا على ترتيب مماثل مع غزة. لكن المخططين للمشروع يتمسكون بأن إسرائيل، بموجب مبدأ القانون الدولي العرفي المعروف باسم uti possidetis juris (التعبير اللاتيني المكافئ لعبارة "بينما تَملكُه بحكم القانون")، والقيود المفروضة على الحكم الذاتي الفلسطيني وفق "اتفاقيات أوسلو" 1993، تمتلك السيطرة الإدارية على الأراضي المحتلة وتمتلك صلاحية التنازل عنها.
وكما جاء في وثيقة المشروع، فإن إسرائيل ستنقل "السلطات والمسؤوليات الإدارية في غزة إلى ’صندوق غزة الكبير‘ من خلال اتفاق ثنائي أميركي-إسرائيلي"، والذي سيتطور لاحقًا إلى وصاية رسمية. وتوقّع المخطط مشاركة لاحقة لـ"دول عربية ودول أخرى" في الاستثمارات، بحيث يتحوَّل الترتيب إلى "مؤسسة متعددة الأطراف". وقد اعتبر مسؤولون في إدارة ترامب إصرار الحكومات العربية، وخصوصًا الخليجية، على أنها ستدعم فقط خطة لما بعد الحرب تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، مجرّد خطاب للرأي العام.
سوف تحتفظ إسرائيل بـ"حقوق شاملة لتلبية احتياجاتها الأمنية" خلال السنة الأولى من الخطة، بينما ستتولى جهات خارجية غير محددة من "رعايا دول ثالثة" و"شركات أمنية غربية خاصة" معظم الشؤون الأمنية الداخلية. وسيجري تقليص دور هذه الجهات تدريجيًا خلال عقد كامل مع تولي "شرطة محلية" مدرّبة هذه المهام.
سوف يدير "الصندوق" غزة لفترة متعددة السنوات تقدّرها خطته بعشر سنوات "إلى أن يصبح كيان فلسطيني تم إصلاحه ومنزوع التطرف جاهزًا للحلول محله". ولا تتطرق الوثيقة إلى مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقبلية على الإطلاق، وإنما تقول إن الكيان الفلسطيني الحاكم غير المعرَّف "سينضم إلى اتفاقات أبراهام"، التي قادت خلال ولاية ترامب الأولى إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية. وقال ترامب إنه يتوقع توسيع هذا الإنجاز قبل مغادرته منصبه.
وتتحدث الخطة عن موقع غزة "في مفترق الطرق" لما سيصبح منطقة "موالية لأميركا"، ما يمنح الولايات المتحدة وصولًا إلى موارد الطاقة والمعادن الحيوية، ويجعلها مركزًا لوجستيًا لـ"ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي" الذي تم الإعلان عنه أول مرة في عهد بايدن، لكنه تعطّل بسبب حرب إسرائيل على غزة.
وسوف تبدأ إعادة إعمار غزة بإزالة كميات هائلة من الأنقاض والذخائر غير المنفجرة، إلى جانب إعادة بناء المرافق الأساسية وشبكة الكهرباء.
وسوف يتم تمويل التكاليف الأولية باستخدام 30 في المائة من أراضي غزة كضمان، وهي النسبة التي قال المخططون إنها "ملكية عامة"، والتي ستؤول مباشرة إلى الصندوق. وكتب تانكمان في هامش إحدى وثائق تخطيط الصندوق التي اطّلعت عليها صحيفة "الواشنطن بوست" أن "هذا هو الجزء الأكبر والأسهل. لا حاجة لطلب الإذن من أحد". وردّ آيزنبرغ في ملاحظة جانبية: "أخشى أن أكتب هذا، لأنه قد يبدو وكأنه استيلاء على الأرض".
مشروعات استثمارية كبرى
تشمل "المشروعات العملاقة" المموَّلة من المستثمرين شق طريق دائري وخط ترام حول محيط غزة، أطلق عليه المخططون، من باب التملق، اسم "طريق محمد بن سلمان" (MBS Highway) على اسم ولي العهد السعودي، معتبرين أن موافقته على مثل هذه المبادرة ستكون خطوة كبيرة نحو القبول الإقليمي. وأما الطريق السريع الحديث الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب عبر مركز غزة، فقد أُطلق عليه اسم رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان. كما ستُبنى موانئ ومطارات جديدة في أقصى الجنوب، مع وصلات برية مباشرة إلى مصر والسعودية وإسرائيل.
من الجدير ملاحظة أن كلًا من السعودية والإمارات تعلنان التزامهما بالمقترح المصري الخاص بغزة وبإقامة دولة فلسطينية مستقبلًا، من دون أي إشارة إلى أنهما وافقتا على أي عنصر من عناصر خطة الصندوق.
يتخيل "صندوق غزة الكبير" أيضًا إنشاء محطة لتحلية المياه ومصفوفة للطاقة الشمسية في شبه جزيرة سيناء المصرية لتزويد غزة بالماء والكهرباء. وستتحول الحدود الشرقية لغزة مع إسرائيل إلى "منطقة صناعية ذكية"، تضم شركات أميركية لصناعة السيارات الكهربائية ومراكز للبيانات الإقليمية تخدم إسرائيل ودول الخليج. أما الواجهة البحرية الغربية لغزة فستُخصص لـ"ريفييرا ترامب غزة"، التي ستضم "منتجعات عالمية المستوى" مع إمكانية إنشاء جزر اصطناعية شبيهة بتلك التي على شكل نخلة المبنية قبالة مدينة دبي الإماراتية.
وفي وسط القطاع، بين المنتجعات البحرية والمنطقة الصناعية التي يتوقع المخطط أن توفر مليون فرصة عمل- سيتم تشييد مبانٍ سكنية بارتفاع يصل إلى 20 طابقًا في ست إلى ثماني "مدن حديثة ديناميكية وذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي". وستشمل المناطق متعددة الاستخدامات "مساكن، وأنشطة تجارية، وصناعات خفيفة، ومرافق أخرى، بما في ذلك عيادات ومستشفيات ومدارس وغير ذلك"، تتخللها "مساحات خضراء، بما في ذلك الأراضي الزراعية والحدائق وميادين الغولف".
وسوف يُعرض على العائلات الغزية التي تبقى، أو تغادر ثم تعود بعد اكتمال المناطق السكنية مبادلة صكوك/ سندات أراضيها التي حصلت عليها عند بداية المشروع بامتلاك شقق جديدة بمساحة 1.800 قدم مربعة (حوالي 167 مترا مربعا) تُقدَّر قيمتها بـ75 ألف دولار لكل واحدة.
يقول عادل حقّ، الأستاذ والخبير في قانون النزاعات المسلحة بجامعة روتغرز، إن أي خطة يُمنع فيها الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم، أو لا يتم تزويدهم فيها بالغذاء والرعاية الطبية والمأوى الكافي، ستكون غير قانونية -بغض النظر عن أي حوافز مالية تُعرض عليهم مقابل المغادرة.
وتحدث أبو محمد، البالغ من العمر 55 عامًا، عبر تطبيق "واتساب" من غزة يوم السبت من الأسبوع الماضي، وقال إنه، على الرغم من الوضع الكارثي، لن يغادر أبدًا: "أنا أعيش الآن في بيت مدمَّر جزئيًا في خان يونس، ولكن يمكننا ترميمه. أرفض أن يتم إجباري على الذهاب إلى بلد آخر، مسلمًا كان أم غير مسلم. هذا هو وطني".
 
*ساهمت هبة فاروق محفوظ في إعداد هذا التقرير.
*كارين دي يونغ Karen DeYoung: محررة مشاركة ومراسلة الأمن القومي الأول في "الواشنطن بوست". خلال أكثر من ثلاثة عقود من عملها في الصحيفة، شغلت منصب رئيسة مكتبها في أميركا اللاتينية ولندن، كما عملت مراسلة لتغطية البيت الأبيض والسياسة الخارجية الأميركية وأجهزة الاستخبارات.
*كيت براون Cate Brown: صحفية وباحثة استقصائية في قسم الشؤون الدولية في "الواشنطن بوست".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Gaza postwar plan envisions ‘voluntary’ relocation of entire population