عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Dec-2025

"تعاريج المنفى" لأنور الشعر.. حين يكتب الفلسطيني جراحه

 الغد-عزيزة علي

نظم منتدى البيت العربي الثقافي بالتعاون مع جمعية النقاد الأردنيين حفل توقيع كتاب الدكتور أنور الشعر "تعاريج المنفى"، الصادر عن دار الخليج للنشر والتوزيع، وهو سيرة ذاتية للمؤلف.
 
 
شارك في الحفل، الذي أقيم أول من أمس في المكتبة الوطنية، كل من: الدكتورة ليندا عبيد والدكتور علاء الدين القريوتي، وأدارته الدكتورة هناء خليل.
رأى المتحدثون في الحفل، أن كتاب "تعاريج المنفى" يمزج بين الوجع الفلسطيني وإرادة العبور نحو الضوء. حيث قدم الدكتور أنور الشعر سيرة تُجاور التاريخ وتستعيد طفولة المخيم وتحوّلات الجيل الفلسطيني، في نص تتداخل فيه مرارة التجربة مع جماليات السرد.
الدكتورة ليندا عبيد، قالت "إن تعاريج المنفى، لأنور الشعر ينتمي إلى السيرة الذاتية القائمة على سرد زمني متصل ولغة مباشرة، مع حضور لمسات شعرية عندما يغوص الكاتب في أعماقه. وتجمع السيرة بين خصائص الرواية والسيرة دون أن تتطابق مع أي منهما، فهي توثق واقعاً خشناً عاشه الكاتب أكثر مما تفتح باب الخيال".
وأضافت عبيد، أن هذه السيرة تؤرخ لمعاناة الفلسطيني بعد النكبة والنكسة، وصراع الإنسان مع المكان والمنفى والتحولات السياسية والاجتماعية التي صاغت مصير جيل كامل. يبدأ الكاتب من طفولة المخيم، حيث يغدو المخيم فضاءً مؤثراً في تشكيل شخصيته، ويستعيد تفاصيل طفولته، وصداقاته، وطقوس الحياة اليومية، مشيراً إلى نجاحات أبناء المخيم الذين حملوا اسم فلسطين أينما ارتحلوا.
يمضي السرد، بحسب عبيد، في تتبع مراحل حياة الكاتب: "تعليمه في مدارس مختلفة، انخراطه المبكر في الوعي السياسي، انضمامه لحركة فتح، ثم تجربة السجن وما تركته من أثر دائم في هويته". وبعد خروجه، يتجه إلى العلم والعمل، فيحصل على الثانوية والجامعة، ويرى في التعليم شكلاً من أشكال المقاومة.
وقالت عبيد "إن السيرة تسير في خطين متوازيين: خط السيرة الشخصية، وخط التاريخ السياسي العربي من نكسة حزيران وأيلول الأسود وحرب أكتوبر، وصولاً إلى مواجهة الفلسطيني المستمرة مع الاحتلال. ومع تصاعد الأحداث، يحضر الجانب الإنساني حين يتحدث عن قصة حبه وزوجته، التي يصفها بأنها عماد حياته وشريكته في الكفاح، حتى نالت الدكتوراه وصارت أستاذة جامعية".
وأشارت عبيد إلى تداخل الشعر مع السرد، وحضور الأغنيات والتراث الفلسطيني والفضاء العربي، ترافقها ملامح من الحياة اليومية، مما يخلق سرداً نابضاً بالحياة. ثم يتتبع الكاتب رحلته العلمية حتى حصوله على الدكتوراه بعد الستين، وتجربته الأكاديمية في الأردن والعقبة، وما رافقها من تحديات وضغوطات.
كما ويحضر البحر في السيرة رمزاً للتحرر والمجازفة، وتطل عمان بملامحها القديمة، كما تتجلى محطات تأثيرية في حياته كفترة "كورونا"، ومحطاته الإبداعية الأولى وصولاً إلى الرواية الأولى "راحابيل".
وأشارت عبيد إلى أن السيرة توثيق أيضا لمنجزه الثقافي، واحتفائه بفلسطين التي لم تفارقه، وإصداراته ومشاركاته، ورؤيته للمثقف الحر الذي يجعل من الكلمة فعلاً مقاوماً. وتبلغ ذروة الوجع في فصول تتناول طوفان الأقصى وأحداث غزة وجنين، حيث يعلن أن الكتابة قدر ومقاومة لا ترفاً.
وخلصت عبيد إلى أن "تعاريج المنفى"، في جوهره، هو سيرة ذاتية لفلسطيني عاش جراح المنفى وحمل صخرة سيزيف، لكنها أيضاً سيرة جيل كامل، تتماهى فيها الأنا الفردية مع الأنا الجمعية، وتنتهي بتأكيد الإصرار على العبور نحو الضوء رغم قسوة الطريق.
من جانبه، أشار الدكتور علاء الدين القريوتي إلى أن أنور الشعر يُظهر في سيرته حرصا على عدم إغفال أي حادثة، مهما بدت بسيطة؛ إذ يقدم شرحًا لها ولشخوصها، فيرسم صورة واضحة للأحداث والأماكن والشخصيات. وبذلك يتساوى السارد مع الشخصية الرئيسة، وهو شرط أساس في السيرة الذاتية، لما يتطلبه هذا الفن من تطابق بين الراوي والكاتب والشخصية المحورية.
ورأى القريوتي، أن الطريقة المثلى لكتابة السيرة الذاتية هي أن تُروى بضمير المتكلم، لما يتيحه هذا الأسلوب من صدق وجرأة في عرض التجارب الشخصية، خصوصًا الحسّاسة منها، وما يقدمه من فائدة للقارئ. وهذا ما نلمسه بوضوح في كتاب "تعاريج المنفى".
وأشار القريوتي إلى ما يقوله أنور الشعر: "في هذه المرحلة (ما قبل الدكتوراه)، وقد صرت أطيل التأمل في المرايا المحدّبة والمقعّرة، رأيتُ قليلًا من الناس يقدّمون لي ماء الحياة بعزة ومحبة، لأبقى على ذمة الحياة في دروب الثقافة والمقاومة. وشاهدتُ أعدادًا كبيرة تُعِدّ لي الجنازة لتشييع ما تبقى مني وأنا على قيد الأمل والحلم، ورأيتُ من شرخوا مراياهم كي لا يتحملوا تبعات رؤيتهم وشعورهم بوجودي وحنيني إلى عُشّ القُبّرة التي كنتُها يوم الصبا". 
وقال القريوتي "عند كتابة السيرة تتدفق الذكريات في ذهن السارد، مما يفرض عليه الاختيار والانتقاء، وتتبع خط ذي دلالة في حياته "نبيل راغب، دليل الناقد"، لذلك يحتاج إلى مراعاة التسلسل الزمني والتنظيم المنطقي للأحداث، وربطها بروابط داخلية وخارجية تتطلّب مهارة فنية عالية".
كما نوه القريوتي إلى ما أشار إليه الباحث يحيى عبد الدايم في (الترجمة الذاتية)، إلى أن بقاء السيرة يرتبط بقدرتها على نقل إحساس صاحبها بالصراع، بما يوقظ مشاعر القارئ ويدعوه إلى مشاركة التجربة. وهذا يظهر جليًّا في "تعاريج المنفى"؛ إذ يصوّر السارد معاناة الغربة والتهجير والفقر والعمل الشاق، إضافة إلى حرمانه من الدراسة.
يقول "كان ينتابني مزيجا من المشاعر أثناء عملي. أشعر أحيانًا بزهو بسيط، لدخولي وخروجي من المعسكر الكبير دون سؤال من الحرس، بعدما عرفوني جميعًا. أما الشعور الحاد، فكان الحسرة عندما أرى أقراني ذاهبين إلى المدرسة صباحًا، في حين أعمل من السادسة صباحًا حتى الثامنة مساء بلا توقف، بأجرة ستة دنانير في الشهر (عشرون قرشًا يوميًا)، دون إجازات حتى يوم الجمعة.
وكان ما يخفف عني أنني أساعد في إعالة أسرتي. وظلت فكرة العودة إلى الدراسة تلحّ عليّ، لكن الظروف كانت أقسى من أن تحقق رغبة بسيطة لشاب لاجئ يعيل أسرة من اثني عشر فردًا شُرّدت مرتين، واضطرت كل مرة إلى البدء من الصفر. 
وخلص القريوتي، إلى أن اللغة السردية تكشف عن روح شفافة حزينة، ونفس مرهقة تبحث عن معنى لوجودها، تقودها إرادة قوية تأبى الاستسلام لعذابات الواقع.
في نهاية الحفل، شكرا أنور الشعر المتحدثين الذين ساهمت كلماتهم في توضيح وإثراء مضمون الكتاب، وإضاءة جوانب عديدة.