السودان: ارتباك في الساحة السياسية ومشاورات لفك جمود التفاوض بين قوى الحرية والعسكريين
صلاح الدين مصطفى
الخرطوم-“القدس العربي”:تشهد الساحة السودانية هذه الأيام ارتباكا وحراكا واسعا بين مختلف التيارات السياسية للوصول لنقاط مشتركة يتم من خلالها فك جمود التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وذلك من أجل تكوين حكومة مدنية بعد إسقاط نظام البشير في الشهر الماضي.
وابتدرت قوى إعلان الحرية والتغيير، حملة مشاورات واسعة مع أطياف الشعب السوداني كافة افتتحتها بنقاش مع الثوار في ميدان الاعتصام، هدفه “تمليكهم كافة الحقائق والاستماع إلى وجهاتهم التي يبتغون أن تسير فيها ثورتهم الباسلة”.
وأضافت في بيان لها، أن النقاش سيكون مفتوحاً عن طريق المخاطبات والندوات، إضافة لطوفان قيادات وأعضاء قوى إعلان الحرية والتغيير على الخيم والمنصات والمتاريس بميدان الاعتصام أمام مقار القوات المسلحة في الخرطوم وعواصم الولايات.
وأوضحت قوى الحرية ما يدور الآن بقولها: “تبقت نقطة خلاف وحيدة هي تشكيل المجلس السيادي الذي تمسك المجلس العسكري بموقفه بضرورة أن يكون الغالبية فيه ورئاسته للعسكريين. وطرحت قوى إعلان الحرية والتغيير موقفها بغالبية مدنية ورئاسة دورية ولم يتوصل الطرفان لاتفاق عقب جولتين مطولتين تم على إثرهما تحويل التفاوض للجان فنية تبحث خيارات الاتفاق على المجلس السيادي”.
وفي ظهور جديد له قال الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، أن الوضع يتطلب إقامة مجلس سيادي في نظام برلماني بأغلبية مدنية ورئاسة عسكرية، وأضاف المهدي في منبر الصحافي الراحل سيد أحمد خليفة في الخرطوم، أن التصعيد الذي يتم حاليا على المستويين الداخلي والخارجي سوف يؤثر على التحول السلمي ويتيح الفرصة لثورة مضادة.
وفي إطار اللقاءات المشتركة بين مختلف القوى السياسية، عقد الحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر السوداني اجتماعا مشتركا في دار الحزب الشيوعي، تطرق فيه الطرفان إلى الموقف السياسي الراهن ومسار الحراك الوطني الماثل وما انتهت إليه المفاوضات الأخيرة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، وتم من خلال الاجتماع التأكيد على الالتزام بالمواثيق المشتركة التي وقع عليها الطرفان في إطار العمل المشترك، سواء أكان ذلك ضمن قوى الأجماع ونداء السودان، أو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير. وأمّن الطرفان على المكتسبات التي تحققت من خلال جلسات التفاوض السابقة بين وفد قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي حول هياكل السلطة الانتقالية واختصاصاتها المختلفة بالإضافة إلى أجل الفترة الانتقالية المحدد بثلاثة أعوام.
كما أكد الطرفان على الاتفاق الكامل على مدنية السلطة ومؤسسات الحكم الانتقالية، والتمسك بأغلبية مدنية وتمثيل عسكري في المجلس السيادي.
على صعيد متصل عبّر حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي عن تطلعهما لأن يفضي التفاوض بين المجلس الانتقالي وإعلان الحرية والتغيير لنتائج إيجابية تؤمن الاستقرار وتحقق الأهداف المنشودة في فترة الانتقال وتقود البلاد عبر ترتيبات حكيمة لنظام ديمقراطي وانتخابات حرة نزيهة يحدد فيها الشعب السوداني من يحكمه، جاء ذلك في لقاء مشترك عقده الحزبان نهاية الأسبوع الماضي.
وعبّر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عن ضرورة الوصول لحلول تتوّج نضال الشعب وقال في تعميم صحافي منفصل: “نؤكد دعمنا ووقوفنا لمساندة الثورة التي أطاحت بالنظام البائد، ونحث أطراف التفاوض للوصول إلى اتفاق يفضي إلى حكومة انتقالية تجنب البلاد الفتن والانزلاق”.
واستجابة لدعوة قوى الحرية والتغيير، نظمت عشرات المؤسسات والمصالح الحكومية والخاصة وقفات احتجاجية مطالبة بضرورة تسليم السلطة لحكومة مدنية وأعربت العديد من الجهات عن تأييدها واستعدادها للدخول في اضراب سياسي يعقبه عصيان مدني تام حال استمرار ما وصفته بالمماطلة في تكوين الحكومة المدنية.
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، عن تعهد 15 قطاعا مهنيا و4 مصارف بقطاع البنوك، و10 شركات ومصانع و6 وزارات و5 قطاعات فئوية، بتنفيذ الإضراب السياسي الشامل وصولاً إلى العصيان المدني التام، وشملت التوقيعات في قطاع المهنيين: الأطباء، الصيادلة، أطباء الأسنان، التشكيليين، الصحافيين، أطباء المختبر، المهندسين، الأطباء البيطريين، الارصاد الجوي، التمريض، أساتذة الجامعات، المحاميين، الدراميين، المصرفيين، وتضمن قطاع البنوك، الزراعي، النيل، السلام، مصرف الادخار، وفي قطاع الشركات والمصانع شركة ام تي ان، سكر سنار، هواوي، زين، كنار، اريكسون، توزيع الكهرباء بولاية الجزيرة، تاركو للطيران ومجموعة دال.
وشهد الأسبوع الماضي أحداثا ومواقف اعتبرها مراقبون عودة لأساليب نظام عم البشير القمعية، حيث تم منع تظاهرة للعاملين في الإذاعة والتلفزيون واعتقال بعضهم قبل الإفراج عنهم لاحقا، وهدد محمد حمدان حميدتي الذي يشغل نائب رئيس المجلس العسكري، بفصل كل من يدخل في اضراب، وتم فك تجميد النقابات التي يسيطر عليها أنصار البشير، وقدم الرئيس السابق لهيئة استخبارات الجيش وعضو المجلس العسكري، مصطفى محمد مصطفى، استقالته من المجلس العسكري على خلفية نقاش بينه وبين قائد الدعم السريع حسبما ذكرت العديد من المصادر، وتم سريعا تعيين الفريق أول ركن جمال الدين عمر إبراهيم عضوا بالمجلس العسكري الانتقالي ورئيسا للجنة الأمن والدفاع خلفا لمصطفى.
وتعليقا على هذا المشهد المرتبك، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، فيصل محمد صالح أن ما يحدث في السودان الآن هو عبارة عن صراع بين محاور عديدة منها القوات المسلحة وجهاز الأمن وقوات الدعم السريع، مضيفا في حديثه لـ”القدس العربي” أن نظام البشير انتهى وليست له جذور عميقة كما يشير البعض، مؤكدا أن الصراع على تركة البشير هو الذي يربك المشهد الآن.
ويقول فيصل: “جهاز الأمن تم إذلاله وإهانته في خواتيم النظام السابق وهو يريد فرصة للانتقام، أما المؤسسة العسكرية فهي جزء من النظام الماضي ولديها خوف من المحاسبة كم أنها تريد أن تحافظ على مكتسبات اقتصادية تابعة لها والعديد من رموزها شاركوا في حروب دارفور ومتهمون بانتهاكات حدثت هناك، لذلك فهي تعاني من تعقيدات داخلية كبيرة”.
ويرى صالح أن الخطورة الأكبر تكمن في قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي ويضيف: “الرجل يتصرف حاليا وكأنه الحاكم الفعلي والرجل القوي في الدولة، يعيّن ويفصل ويهدد ويتوعد ويتبرع برواتب كبيرة ومخصصات، ويصرح بطريقة غير ناضجة، وهناك أسئلة كثيرة تدور حوله وحول أمواله وتصرفات قواته في دارفور ووجوده في حرب اليمن، وهو معرض للمحاسبة في وجود أي نظام ديمقراطي”.
ويقول المصدر إن تلويح المجلس العسكري بقيام انتخابات مبكرة، مجرد تهديد، لأن الانتخابات الحرة والنزيهة لديها مستحقات وتفاصيل كثيرة لا تتم في ستة أشهر ولا حتى عام، وبخصوص تمترس قوى الحرية والتغيير وإصرارهم على مجلس سيادي بغالبية ورئاسة مدنية يقول: “هناك شكوك على صلاحيات المجلس السيادي التي تم نشرها ويؤكد ذلك وجود ورقة أخرى فيها صلاحيات أعلى مما أعلنته قوى التغيير، والجانب الآخر معنوي ونفسي ويتعلق بالجماهير المعتصمة التي لن تقبل برئاسة عسكرية بعد كل الجهد الذي قدمته في سبيل الإطاحة بعمر البشير”.