عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Sep-2025

بانوراما دولة الثورة السورية*د. محمود عبابنة

 الغد

لا نملك إلا التضامن مع دمشق عاصمة بلاد الشام حتى لو كان الفاتحون الجدد بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع من المجاميع المسلحة، التي صنفت كمجاميع إرهابية ذات يوم قبل أن يتبدل المزاج الأميركي نحوها، وقد زاد من منسوب آمالنا بمستقبل أفضل في سورية عندما دخلت هذه المجاميع العاصمة دمشق دون سفك دماء يذكر، بالإضافة إلى التصريحات الصادرة من الرئيس الشرع بأن عهدا جديدا سيبدأ بعد زوال الظلم والقهر والاستبداد، وبأن هدف الثورة هو بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة، وقد زاد من ميلنا إلى إعطاء فسحة من الأمل لهذه الجماعات إعلانها أن الثورة قد انتهت وحان عصر الدولة، مما سرّع من وتيرة التأييد الدولي الذي رافق تولي ما سمي "بالثوار" مقاليد الحكم والسيطرة على مقدرات الدولة السورية، وجاءت قصة سجن صدنايا لترجح أن ما هو قادم أفضل بكثير للسوريين مما كان جاثماً على صدورهم.
 
 
لكن وهج الأفراح والليالي الملاح ووميض الألعاب النارية في سماء دمشق التي بدأت يوم الفتح واستمرت لعدة شهور، سرعان ما بدأت تخبو وحل محلها وهج الصواريخ والقنابل الإسرائيلية، ثم تلا ذلك أحداث الساحل السوري وما رافقها من مجازر ذات طابع طائفي مرورا بتفجير كنيسة للروم الأرثوذكس وانتهاء بقص شوارب رجال الدين الدروز... وقد يكون ذلك حدثا عن غير قصد من حكومة دمشق التي التزمت بنص إعلانها الدستوري الذي جاء فيه: "إن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب"، وهذا ما تتمسك به حكومة تصريف الأعمال وتتبرأ من كل حادث من هذه الأحداث وتلقي باللائمة على أفراد غير منضبطين مشيرة إلى شروعها بالتحقيق في الحادث وأن العقوبة ستطال من تورط بذلك.
 الصفحة البيضاء التي أشهرها نظام الحكم الجديد يوم الفتح المبين بدأت تتلطخ، فناهيك عن الأحداث المؤسفة في بعض المناطق والتي أخذت لونًا طائفيًا بامتياز كشفت عنه صور وفيديوهات ولجان تحقيق، فإن ما لا تستطيع حكومة دمشق المحاججة بخصوصه هو ما جاء أيضا بالإعلان الدستوري الذي جرى إعداده على عجل ودون تشاركية حقيقية   فقد أعطى رئيس الجمهورية لنفسه صلاحية "تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب بحجة التمثيل العادل والكفاءة"، فهل ذلك من سمات الحكم الرشيد؟! وعندما تم تشكيل حكومة تصريف الأعمال سيطرت حكومة إدلب سابقاً على معظم مقاعدها، مع إدعاء أن الوزارة شكلت بناء على الكفاءة وقد تساءل الناس هل الكفاءات موجودة فقط في إدلب؟، وهل تعيين خريج كلية شريعة وزيرا للعدل بدلا من تعيينه وزيرا للأوقاف صحيح؟ أما بالنسبة لقوات الجيش السوري الجديد فقد تم تعيين عدد من المجاهدين من بلاد القوقاز ضباطا وقادة كمكافأة على مسيرتهم الجهادية أيام الثورة السورية.
 سرد كل هذه النقاط الداكنة ليس من قبيل التشفي والإشارة إلى مؤشرات الفشل لا قدر الله، لكن مؤشر التفاؤل والأمل يخبو رويدا رويدا رغم كل الأخبار عن مشاريع البناء والاستثمار التي مازالت مجرد اتفاقيات، ومن جهة أخرى تسهم دولة الاحتلال دون كلل يوما بعد يوم في التقليل من هيبة الدولة الوليدة التي يديرها ذوو الذقون الطويلة، الذين لا يملكون ما يقولونه إزاء احتلال جبل الشيخ وتمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من دمشق وقصف وزارة الدفاع وقصر الرئيس، وأخيراً الإنزال الجوي بالطائرات المروحية على جبل المانع والبقاء لمدة ساعتين لانتزاع أجهزة تنصت، وما نتج عن ذلك من استشهاد عدد من مجاهدي الجيش السوري  الذي رفع الراية البيضاء في مواجهة إسرائيل منذ اليوم الأول لدخوله دمشق. 
حكومة الشام في وضع لا تحسد عليه فلا الكهرباء عادت كما يجب ولا رواتب الموظفين زادت كما ينتظر وهي بلا أسنان وليس لها إلا الارتماء في أحضان أردوغان حامي الحمى وفارس الوغى، وها قد مضت حوالي تسعة  أشهر وأكراد سورية يرفعون رايات قسد على دوائر الدولة في ثلث الجغرافيا السورية تقريباً، ودروز سورية العرب يطالبون بالحماية وبعضهم يستنجد بدوله الاحتلال، وحكومة الشرع تواصل المباحثات في أذربيجان وباريس مع إسرائيل للحصول فقط على وقف لإطلاق النار.
كنا نقول: دمشق قلب العروبة النابض، فهل سيبقى عربياً ونابضاً بظلال سيوف شباب الايغور والشيشان أصحاب الذقون الطويلة الذين لا يعرفون ولا يميزون إلا بين الكفر والإيمان، لا نملك إلا أن نقول: حفظ الله شعب سورية وباقي شعوبنا العربية التي تتعرض لأشرس هجمة صهيونية إمبريالية تهدف لشرذمة وتقسيم دول المنطقة وسورية واحدة منهم.