الغد- آلاء مظهر
في مشهد تعليمي يتسارع فيه التحديث الرقمي، ويتزايد التركيز على تنمية المهارات والكفاءات، يبرز السرد القصصي، كأداة تربوية فاعلة تعيد صياغة العلاقة بين الطالب والمعرفة، إذ يتحول التعلم من عملية تلقين جامدة إلى تجربة حية نابضة بالمعنى، بحيث تروى المعلومات كقصص، وتجسد المفاهيم كمشاهد، وتقدم الدروس كمواقف، تلامس الواقع وتثير التفكير.
وبينما يعتمد هذا النموذج على توظيف الحكايات الواقعية والخيالية، لربط المفاهيم الأكاديمية بحياة الطلبة اليومية، ما يسهم بتحسين جودة التعليم عبر تنمية المهارات اللغوية للطبلة، وتوسيع مداركهم الفكرية، وتعزيز تفاعلهم في الغرف الصفية، بما يراعي الفروقات الفردية بينهم، ويحفز فضولهم المعرفي، أكد خبراء في التربية، أن التعليم باستخدام السرد القصصي، يعد أسلوبا تعليميا مبدعا، يحسن جودة التعليم، لدوره بتبسيط المفاهيم الصعبة، وجعل المواقف التعليمية أكثر جاذبية، ولقدرته على زيادة التواصل وتبادل الخبرات والمعلومات بين الطلبة.
بيئة تعليمية محفزة
وبينوا في أحاديثهم المنفصلة لـ"الغد"، أن استخدام هذا الأسلوب كأداة تعليمية فاعلة، يوفر بيئة تعليمية محفزة قائمة على التفاعل والمشاركة، يرسخ فيها المتعلم المعرفة، ويحول التعلم من عملية جامدة إلى تجربة تعليمية ملهمة، ذات معنى.
وأوضحوا أن هذا الأسلوب، يجود مخرجات التعلم على نحو ملحوظ، إذ ينتقل بالطالب من الحفظ السطحي للمعلومات إلى الفهم العميق للمفاهيم، وربطها بسياقات حياتية ومهنية، ويرفع من جودة ما يكتسبه من معرفة ومهارات. ويؤدي بذلك لتطوير قدرته على التطبيق العملي لما تعلمه، وهو ما يرفع من مستوى الكفاءة التعليمية، ويجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية.
التنويع في إستراتيجيات التعليم
الخبير التربوي د. محمد أبوغزلة، أكد أن السرد القصصي بكل تنويعاته، من الأساليب والأدوات الفعالة بتحسين جودة التعليم، بخاصة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي فرضت التنويع في إستراتيجيات وأساليب التعليم والتعلم، برغم أنه من الأساليب القديمة التي استخدمت في التعليم، ومع التطور التكنولوجي، تأثر بها.
ولفت إلى أن هذا النوع من التعليم، يجعل المتعلم قادرا على رؤية العالم الواقعي، مضافا إليه معلومات أو عناصر تفاعلية عبر الوسائل التقنية، عن طريق ما يقدم له من محتوى تعليمي، بأسلوب ممتع وشامل، يراعي الفروق بينه وبين أقرانه من الطلبة. كما يعزز مهارات التفكير النقدي والتواصل، ويزيد من جذب الانتباه وسعة الخيال، ويثير الدافعية للتعلم، ويمكن من فهم المفاهيم الصعبة وتجسيدها وربطها بسياقات حياتية ملموسة.
واعتبر أبوغزلة، أن استخدامه كأداة تعليمية فاعلة، يوفر بيئة تعليمية محفزة قائمة على التفاعل والمشاركة، يرسخ فيها المتعلم المعرفة، ويحول التعلم من عملية جامدة إلى تجربة تعليمية ملهمة، وذات معنى. مضيفا أن التعليم بهذا الأسلوب يجود التعليم، لقدرته على تبسيط المفاهيم الصعبة، وجعل المواقف التعليمية أكثر جاذبية.
كما أكد أهمية قدرته على زيادة التواصل وتبادل الخبرات والمعلومات بين الطلبة، لافتا لضرورة أن تتسم القصص ببناء جيد، يمكن تنفيذه في المواقف التعليمية داخل الصف وخارجه، وبما ينمي مهارات التفكير النقدي، والمهارات الأدبية والفنية للطلبة.
وأشار لأهمية أن يمتلك سارد القصة (المعلم)، القدرة على إيصال الأفكار أو القيم أو المعلومات عبرها بطريقة واضحة وموجزة ومشوقة وجذابة، تشجع على التفاعل، مع ضرورة توفير بيئة تعليمية تعزز الحوار والمناقشة، وتتيح طرح الأسئلة، في نطاق غني بالخيال والابتكار، للارتقاء بمستويات التفاعل والتواصل والمشاركة الإيجابية بين الطلبة والمعلمين، ما سيجعل التعليم أكثر قربا من الواقع الحياتي، ويزداد أثر ذلك عندما تتاح للطلبة الفرصة للتعبير عن أفكارهم، والمشاركة بسرد القصص المرتبطة بالمواقف التعليمية، وهذا سيعزز من قدرتهم على تحليل وتفسير الأحداث المسرودة عليهم.
وبين أبوغزلة، أن أسلوب السرد القصصي ليس مجرد سرد لقصة، بل هو أداة قوية للتواصل والإقناع، تترك أثرا إيجابيا على الطالب والمعلم والأداء التعليمي، وتوفر جوا من المتعة يسسهم بكسر الجمود، بخاصة في المواد العلمية التي يجد فيها الطلبة بعض الصعوبات، ما يفتح قنوات اتصال وتفاعل بينهم للوصول إلى الهدف التعليمي بيسر، ويزيد من خبراتهم المعرفية الأكاديمية، ويحسن من ذائقتهم الأدبية والفنية.
إدراج مواقف تعليمية في المناهج
وأضاف أن التعليم القائم على السرد القصصي، أسلوب يمكن أن يغير من كيفية تفاعل الطلبة مع المعرفة، ويحفزهم على التفكير العميق والإبداعي، شريطة التخطيط له بوعي لضمان نجاحه، وتطبيقه بطريقة منظمة ومدروسة في المراحل الدراسية وغالبية الموضوعات.
وأشار أبوغزلة لأهمية أن توسع وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المركز الوطني للمناهج، تبني هذا الأسلوب بوضع سياسات داعمة لهذا النوع من التعليم، وتضمين الأطر العامة للمناهج هذه المفاهيم، وإدراج مواقف تعليمية في الكتب المدرسية، لتوظيف هذا الأسلوب كما ينبغي التوسع بتصميم برامج تدريبية للمعلمين، لتزويدهم بالمهارات اللازمة لتوظيفه بفاعلية في المواقف التعليمية، ومتابعة تطبيقه عبر الأجهزة الفنية والإشرافية.
وعلى الإدارات المدرسية، وفقه، توفير بيئة تشجع على الاستفادة من أسلوب السرد القصصي بتدريس المواد، وإتاحة القصص الهادفة المرتبطة بالمواقف التعليمية، مع توفير الموارد والتجهيزات التقنية، كالأجهزة اللوحية والبرمجيات التعليمية التي يمكن استخدامها، لتعزيز السرد القصصي بطريقة تفاعلية وشيقة، وتخصيص الوقت الكافي للأنشطة التي توظف في هذا الأسلوب، وعلى المعلمين السعي لاكتساب مهارات سرد القصص، ليكونوا قادرين على نقل الأحداث والشخصيات والمواقف على نحو يشد انتباه الطلبة، ويحرك خيالهم، مع اختيار قصص مناسبة لمستوياتهم العمرية والمعرفية، والتي تتصل بالمحتوى التعليمي، وتوفير بيئة تعليمية تفاعلية تعزز الحوار والمناقشة، وتزيد من مشاركة الطلبة بتحليل وتفسير الأحداث التعليمية، لتعزيز قدرتهم على الفهم والتطبيق.
وبين أبوغزلة، أن على الطلبة لعب دور أساسي في السرد القصصي عبر التفاعل مع القصص المقدمة، والتي تساعدهم على فهم المفاهيم الصعبة وتحليلها وتجسيدها في سياقات قصصية تجذب انتباههم، وتحفز خيالهم، وتزيد من مشاركتهم في العملية التعليمية، ما يعزز حبهم للتعلم، لافتا لأهمية استخدام أدوات متنوعة لتقييم هذا الأسلوب كالاختبارات الكتابية، والأنشطة الجماعية، والمناقشات الصفية، والمشروعات الإبداعية، والتقييم الذاتي لتحديد مدى فاعليته بتعزيز فهم الطلبة.
توظيف القصة لإيصال المعرفة
بدورها، قالت الخبيرة التربوية د. حنان العمري، إن التعليم القائم على السرد القصصي، أسلوب تعليم يعتمد على توظيف القصة كوسيلة لإيصال المعرفة وتنمية المهارات بطريقة مشوقة ومرتبطة بحياة الطالب، موضحة أن أسلوب يقوم على صياغة المحتوى التعليمي في إطار قصصي، يجمع بين الشخصيات والأحداث والصراع والحل، ما يجعل المعلومة أكثر قربا من المتعلم وأكثر سهولة في الفهم والاستيعاب، لافتة إلى أن قوة هذا النهج تكمن في أنه لا يقتصر على الإلقاء أو السرد فقط، بل يشرك الطالب ذهنيًا وعاطفيًا بمتابعة الأحداث وربطها بالواقع، ما يخلق تجربة تعليمية ثرية وعميقة الأثر.
وأشارت العمري لإمكانية تطبيق هذا النوع من التعليم جميع المراحل التعليمية، بدءًا من رياض الأطفال إذ تُستخدم القصص المصورة البسيطة، لتوضيح المفاهيم الأساسية، مرورًا بالمرحلة الأساسية، بحيث يمكن دمج القصص العلمية أو التاريخية لتبسيط الموضوعات المعقدة، وصولًا إلى التعليم الثانوي والجامعي، إذ تُوظف دراسات الحالة والمحاكاة الواقعية كأشكال متقدمة من السرد.
ويحتاج تنفيذ هذا الأسلوب، لمعلمين متمكنين من صياغة القصص وربطها بالمناهج، وتوفير بيئة تعليمية داعمة وموارد بصرية ووسائط رقمية، تجذب انتباه المتعلم وتحفزه. مبينة أن هذا النهج يتماشى على نحو وثيق مع متطلبات التعليم في القرن الحادي والعشرين، إذ يعزز مهارات التفكير النقدي والإبداع والتواصل والعمل الجماعي، وهي المهارات التي تشكل أساس النجاح في الحياة الأكاديمية والمهنية، كما ينسجم مع الثورة التكنولوجية في التعليم، إذ يمكن دمجه مع الوسائط الرقمية الحديثة، لإنتاج قصص تفاعلية أو استخدام تقنيات الواقعين المعزز والافتراضي، لجعل المتعلم يعيش التجربة بدلًا من الاكتفاء بسماعها.
وأشارت إلى أنه يؤثر بعمق على تفكير الطلبة، فهو يحفز الدماغ على معالجة المعلومات في سياق مترابط يجعلها أكثر قابلية للفهم والتحليل، ويشجع على استنتاج العلاقات بين الأسباب والنتائج، وحل المشكلات التي تواجه أبطال القصة، ما يطور مهارات الطلبة النقدية والإبداعية، وهذا بدوره ينعكس إيجابيًا على الأداء الدراسي، بحيث يرفع من مستوى الانتباه في الصف، ويجعل المعلومات أكثر رسوخًا في الذاكرة، ما يحسن من مستوى التحصيل ويقلل من النسيان. لذا فإن تفاعل الطالب مع القصة أو مشاركته بصياغتها، يطور قدراته في التعبير الشفهي والكتابي، ويمنحه ثقة أكبر بعرض أفكاره، ما يعزز أداءه في المواد الدراسية.
وزادت العمري إنه يحسن مخرجات التعلم، وينتقل بالطالب من الحفظ السطحي للمعلومات للفهم العميق للمفاهيم، وربطها في سياقات حياتية ومهنية، ويرفع من جودة ما يكتسبه من معرفة ومهارات، ويؤدي هذا لتطوير قدرته على التطبيق العملي لما تعلمه، ما يرفع من الكفاءة التعليمية ويجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية، لافتة إلى انه عندما تتحسن مخرجات التعلم، فإن جودة التعليم ككل، تشهد تحسنًا واضحًا، إذ يصبح المنهج أكثر ارتباطًا بحاجات الطالب والمجتمع وسوق العمل، وتتحقق بيئة تعليمية محفزة على الإبداع والابتكار، قادرة على تخريج أجيال مؤهلة وواعية ومنافسة عالميًا.
وأكدت أن هذا النهج التعليمي، أداة قوية لتجوي التعليم ومخرجاته، وربط التعلم المدرسي بالحياة العملية والواقع المعاصر، في انسجام تام مع تحديات وفرص القرن 21، مبينة أنه منهج متكامل يربط المعرفة بالخيال، ويحول التعلم من عملية جافة إلى تجربة حية وملهمة، إذ إنه يفتح أمام الطالب آفاقًا أوسع للتفكير، ويعزز قدراته العقلية واللغوية والاجتماعية، ويمنحه الدافع للاستكشاف والتعلم الذاتي.
ونوهت إلى أنه مع تطور الأدوات الرقمية والتكنولوجية، تتضاعف إمكانات هذا النهج ليصبح أكثر تفاعلًا وتأثيرًا، ما يجعله ركيزة أساسية في بناء تعليم عصري، قادر على إعداد أجيال مبدعة ومؤهلة لمواجهة تحديات المستقبل والمساهمة الفاعلة بتنمية مجتمعاتها.
تنمية المهارات الأساسية
من جانبه، قال الخبير التربوي عايش النوايسة، إن جودة التعليم تعتمد على ما يقدم في الغرفة الصفية وبما ينعكس إيجابياً على أداء الطلبة. وأن التركيز على المتعلم كمحور أساسي ونشط في عمليات دعم تعلمه، اليوم، تتبلور بتوظيف جل الإستراتيجيات التي تعزز من ذلك، بما ينعكس إيجابيا على تحسين جودة التعليم عموما، ويعتمد هذا على أدوات تعلم نشط وإستراتيجيات، منها السرد القصصي، أو استخدام القصة في عمليات تعلم وتعليم، لما لها من أهمية كبيرة بتنمية المهارات الأساسية.
وأشار النوايسة، إلى أن ابرز هذه المهارات: التحدث وضبط الذات والإبداع والتخيل عبر رسم سيناريو محتمل للقصة قبل انتهاء المعلم أو الطلبة من سردها، ما يمهد لبناء قدرات خاصة تتعلق بالتفكير العميق وتنمي للطلبة حب الفضول، وتعزز لديهم الفهم العميق للمعلومات، كونها ترتبط بذاكرة المتعلم وعقله ضمن سياق واضح محدد، ما يتيح للطلبة فهما وإعادة استخدامها في سياق جديد عبر رابطها في المواقف الحياتية المختلفة.
وبين أن طريقة السرد القصصي، ثبت وعبر الدراسات قدراتها على مساعدة الطلبة في الاحتفاظ بالمعلومات والبيانات والأحداث لفترة زمنية أطول، كون الأحداث يحتفظ بها في الذاكرة طويلة المدى لفترة زمنية، نتيجة لتسلسلها بعرض الأحداث وسردها، فالسرد القصصي يرتبط بموافق وأحداث تاريخية واجتماعية إيجابية، تسهم بتعزيز الجانب القيمي للطلبة، ما ينعكس إيجابيا على جودة التعليم.
وأشار النوايسة إلى أن من أهم مزايا السرد القصصي، مراعاتها للفروق الفردية بين الطلبة كونها تقدم بطريقة تراعي أغلب أنماط التعلم، كون السرد يمكن أن يدمج الوسائط المتعددة (صور، أصوات، فيديو)، ما يلائم أنماط التعلم المختلفة (البصري، السمعي، الحركي).