عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Apr-2021

رسائل إسرائيل مختلفة عن رسائل بايدن لطهران

 الغد-هآرتس

 
بقلم: عاموس هرئيل
 
9/4/2021
 
الهجوم الاخير المنسوب لإسرائيل والذي اصيبت فيه سفينة ايرانية في البحر الاحمر بانفجار لغم بحري الثلاثاء الماضي، ليس مجرد عملية عادية. هو يختلف عن سابقيه في نوعية الهدف الذي تم اختياره وفي توقيت الهجوم وسياقه.
سفينة “سافيز”، السفينة التي هوجمت هي في الاصل سفينة نقل. وهي حسب الشركات العاملة في تحليل بيانات الملاحة، تقضي في السنوات الاخيرة معظم الوقت في المكان الذي هوجمت فيه بين شواطئ اليمن وشواطئ اريتيريا. رجال مخابرات غربية قالوا إن السفينة تعود لحرس الثورة الايراني، وأنه بوجودها في المنطقة فانها تستهدف العمل كـ”سفينة أم” كنوع من قيادة بحرية، قاعدة عائمة مسؤولة عن عمليات استخباراتية وعمليات كوماندو. السفينة مزودة بقوارب سريعة ورافعات تمكن من انزالها الى المياه.
التقدير هو أن السفينة لعبت دورا في تقديم المساعدة الايرانية للمتمردين الحوثيين في اليمن في الحرب الاهلية الدائرة في الدولة، الى جانب عمليات وجهت للسعودية. “سافيز” توفر لحرس الثورة حضورا ثابتا في منطقة حساسة بالنسبة لايران، وهي محور النقل البحري المركزي الذي يربطها (ايضا دول وسط وشرق آسيا) بالبحر المتوسط واوروبا.
كما نشر في “هآرتس” في الشهر الماضي فانه في السنوات الثلاثة الاخيرة حدثت عشرات الهجمات البحرية ضد سفن ايرانية، معظمها في البحر المتوسط والقليل منها في البحر الاحمر. نصيب الاسد من الهجمات تم توجيهه لسفن عملت على تهريب النفط من ايران الى سورية، حيث تم تخصيص الاموال التي دفع مقابلها لتمويل شراء السلاح لحزب الله. مؤخرا، حسب تقارير اجنبية، تم استئناف الهجمات ضد السفن التي قامت بتهريب السلاح الى موانئ في شمال سورية.
السفينة الاخيرة التي هوجمت هي هدف من نوع آخر. مهاجمتها، مثلما يتبين من المنشورات، تبدو مثل ارسال رسالة اسرائيلية صريحة لطهران بعد أن قام الايرانيون بمهاجمة – ردا على الهجمات ضدهم – سفينتين خلال شهرين تمتلكهما جزئيا شركات اسرائيلية في بحر العرب. هذا ضرر مباشر لحرس الثورة الايراني، اضافة الى اضرار جسيمة عندما تم الكشف عن العلاقة بينهم وبين السفينة.
هنا تأتي مسألة التوقيت. لأن “سافيز” رست في المنطقة لفترة طويلة فيبدو أنه لم يكن هناك أي مهلة زمنية ضيقة للعمل على جدول الاعمال، الذي احتاج الى القيام بالعملية بالضبط في الوقت الذي حدثت فيه. مع ذلك، الهجوم حدث، حسب مصادر اميركية، في فجر الثلاثاء، بضع ساعات قبل بدء اللقاء الاول في المفاوضات بين ايران والدول العظمى الذي استهدف التمهيد لعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي مع طهران.
“التاريخ علمنا أن هذه الاتفاقيات مع انظمة متطرفة مثل هذه، تساوي قشرة ثوم”، قال أول من أمس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطابه في مراسيم الاحتفال بذكرى الكارثة. “ايضا لأفضل اصدقائنا أقول بأنه يجب ألا يكون هناك أي خطأ. فاتفاق مع ايران سيمهد لها الطريق للوصول الى السلاح النووي هو اتفاق غير ملزم بالنسبة لنا”. بالنسبة للهجوم نشر في “نيويورك تايمز” بأن اسرائيل قد ابلغت الولايات المتحدة عنه فور وقوعه. يصعب التصديق بأن الامر يتعلق بتزامن فرص. الاعلان عن الهجوم يشير الى أن اسرائيل تواصل الخط المبادر والعنيف تجاه ايران، حتى في الوقت الذي تتبع فيه واشنطن مقاربة تصالحية وتريد العودة بسرعة الى الاتفاق النووي.
لقد سبق ما نشر في الصحيفة عن الحرب البحرية تقرير آخر، أقل تفصيلا، في “وول ستريت جورنال”. اذا كان مصدر النشر الاول في بداية شهر آذار (مارس) هو ادارة بايدن. فهذا يدل على رغبة الاميركيين في تحييد ضجة خلفية اسرائيلية قبل العودة الى المفاوضات حول المشروع النووي الايراني. ولكن اذا كان هذا هو الهدف الاصلي، فقد أخطأ تماما الهدف. وقد حدث العكس بالضبط. ففي البلاد نشر المزيد من التفاصيل، الايرانيون هاجموا سفينة اخرى تمتلكها اسرائيل، هذا ما يتبين من التقارير الجديدة، واسرائيل ردت برفع مستوى ردها.
إن ما يجري بين الطرفين الآن هو معركة بحرية وليس حرب. سلاح البحرية في الدولتين غير كبير بشكل خاص، ومعظم أدواته لا توجد قرب بعضها. ولكن هذه المعركة آخذة في الاتساع ووصلت الى ساحات بعيدة وقد اصبحت تشمل عشرات الهجمات، حيث قررت ايران الرد على الهجوم الاخير. هذه الخطوات لا تنعكس بالضرورة على الساحة البحرية. يوجد لإيران احتمالات كثيرة اخرى للعمل ضد اسرائيل، بدء باستخدام طائرات بدون طيار (مثل الهجوم على مواقع النفط في السعودية، وحتى اطلاق صواريخ من مدى قصير نسبيا، من الحدود السورية.
اسرائيل الرسمية لا ترد على هذه الامور. وزير الدفاع بني غانتس تطرق أول من أمس الى التقارير فقط بصورة عامة. والآن من غير الواضح اذا كان وزير الدفاع شريك كامل في بلورة السياسة الهجومية أو أنه فقط تم ابلاغه عنها عند تسلمه لمنصبه قبل سنة تقريبا، أو اذا الكابنت الامني الذي لا يعمل تم وضعه في الصورة. وعلى أي حال، رئيس ازرق ابيض قال فقط إن “جهاز الامن مستعد في الوقت الحالي للمواجهات المحتملة التي يمكن أن تضعها ايران امامنا، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق مبعوثيها في الشرق الاوسط”. ولم يشرح.
يمكن التقدير بأن المعركة البحرية نمت من الاسفل الى الاعلى. ومثلما تسير هذه الامور بشكل عام فان سلاح البحرية بالتأكيد قد شخص تحديا (مساعدة اقتصادية ايرانية لحزب الله)، وعرض قدرة للتشويش عليه (نشاطات سرية لسرب 13). قواعد العمل تم الحفاظ عليها: بدون قتلى وبدون اضرار للبيئة ومن خلال التسبب”بضجة” بالحد الادنى، الى أن حدثت التسريبات.
استنادا الى المعطيات التي تسربت، لا يوجد شك في أنه وقع للايرانيين ضرر كبير – سواء بخسارة مداخيل، بضع مليارات من الدولارات التي لم تصل الى هدفها النهائي، حزب الله، أو أنه تم الكشف عن درجة قابليتهم للاصابة.
السؤال كالعادة هو الى أي درجة تخدم هذه العمليات المستمرة والناجحة الهدف النهائي، المس بقدرة ومكانة ايران. وما هو الخطر الكامن فيها من ناحية اسرائيل. الهجمات الايرانية المضادة كانت رمزية في اساسها وتسببت بضرر قليل واصابت سفن لها علاقة باسرائيل بصورة غير مباشرة. ولكن الامكانية الكامنة لضربة مستقبلية في البحر هي اكبر بكثير. لأنه تقريبا كل التجارة الاسرائيلية تتم عن طريق البحر وهي مقرونة بمسارات بحرية طويلة، التي يصعب جدا الدفاع عنها بشكل فعال. واستمرار سياسة الهجمات البحرية هو أمر اشكالي في الاجهزة الامنية وفي هيئة الاركان العامة نفسها. هناك ضباط كبار يعتقدون أن الفائدة التي يمكن الحصول عليها من المعركة البحرية هي فائدة محدودة، والتفاخر بها هو مبالغ فيه والمخاطرة التي تكتنفها كبيرة جدا.
بين خطابين
الحساسية الامنية، رغم الاهتمام الضئيل المكرس لذلك في وسائل الاعلام، لا تقتصر فقط على الساحة البحرية. اسرائيل تستمر في سياسة الهجمات الجوية في سورية، والتي يرافقها في الغالب احتكاك عال مع قواعد ومستشارين ايرانيين (قبل ثلاثة أيام في الليل تم قصف ارسالية سلاح قرب دمشق)؛ الاضطرابات الداخلية في لبنان تضع حزب الله في ضائقة فريدة؛ في الضفة الغربية هناك اضطرابات حول احتمالية أن تعلن السلطة الفلسطينية أخيرا عن الغاء عملية الانتخابات.
من بين كل الساحات العسكرية، فإن قطاع غزة بالتحديد يبدو في هذه اللحظة هو الاكثر هدوءا. حماس معنية جدا باستمرار عملية التسوية، التي تشمل الدفع قدما بمشاريع البنى التحتية مقابل هدوء عسكري كامل. التهديد الاساسي للهدوء في منطقة الجنوب يأتي من تفشي وباء الكورونا في القطاع، الذي يمكنه في ظروف معينة أن يحث حماس على تفعيل اشارات عسكرية (اطلاق الصواريخ) من اجل تسريع الحصول على مساعدات طبية من اسرائيل ومن المجتمع الدولي.
الآن، اكثر من أي وقت مضى، نتنياهو يوجد وظهره للحائط، على خلفية الصعوبة الكبيرة في تشكيل الائتلاف وبداية مرحلة تقديم البينات في محاكمته. الخطابات الاستثنائية التي القاها في هذا الاسبوع دللت على وضعه. في يوم الاثنين، في الرد على خطاب الافتتاح للمدعية العامة، ليئات بن آريه، القى رئيس الحكومة “خطاب الانقلاب”، الذي اتهم فيه بصورة مهووسة النيابة العامة بمحاولة انقلاب.
قبل يومين زاد على ذلك عندما اصبح خطابه السنوي في احتفال ذكرى الكارثة مزيج متطرف لا طعم له من الكارثة والكورونا ومحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. من الخطاب تولد الانطباع أنه بالنسبة لنتنياهو ليس فقط أن “الدولة هي أنا”، بل أن تاريخ الشعب اليهودي مقرون بتاريخه الخاص. وانجازه في احضار اللقاح يساوي جهود الانقاذ من الكارثة، ولو أنه فقط كان هناك من اجل قيادة هذه الجهود، فيبدو أنه كان سينقذ حياة ملايين اليهود.
في هذه الخطابات نتنياهو ظهر مثل نسخة اكثر بلاغة من صديقه، الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، نفس النرجسية المتطرفة ونفس رؤية الواقع المعطوبة ونفس مستوى الانفصال عن المواطنين. هو غارق جدا في صراعه على البقاء الى درجة أنه لا يميز ردود الفعل غير المريحة للكثيرين من مستمعيه. هذا السلوك يثير التساؤلات. أولا، كلما تقدمت المحاكمة كيف يمكن لرئيس الحكومة، سواء في وظيفة مؤقتة أو دائمة، مواصلة ادارة شؤون الدولة المعقدة. لأن كل اهتمامه ينصب على جهوده لعدم ادانته وسجنه؟. ثانيا، على المدى الآني هل لن يزيد الاغراء باستخدام ذريعة أمنية من اجل أن يلتهم من جديد الاوراق ويحسن بذلك وضعه السياسي والقانوني؟.
نتنياهو، مثلما نشر هنا مرات كثيرة، اظهر خلال السنين درجة كبيرة من المسؤولية والحذر الامني. في اتخاذ القرارات حول استخدام القوة العسكرية كان يدرك جدا احتمالية تعقيد الامور والمخاطرة بتكبد الخسائر. مرة واحدة فقط، عشية الانتخابات الثانية، انحرف عن عادته وضغط من اجل المصادقة على عملية هجومية غير متزنة في قطاع غزة. وقد اهتم الجيش الاسرائيلي والمستشار القانوني للحكومة بصده. والعملية تم تأجيلها لشهرين، حيث تم تنظيف السياق السياسي منه. في هذه الاثناء، حيث وضع نتنياهو معقد اكثر، فإن الإغراء كبير. حتى المسؤولية التي القيت على رؤساء الاجهزة الامنية للقيام بدورهم الرسمي، هي اكبر مما هي دائما. بكلمات اخرى، يجب الاستعداد لبضعة اسابيع اخرى من التأرجح في الحلبة الداخلية والحلبة الخارجية، والمقصود ليس فقط التعرج في المفاوضات الائتلافية.