عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2021

المكتبات في المنازل.. هل هي انعكاس للثقافة أم جزء من الديكور؟

 الغد-ربى الرياحي

 تستذكر الشابة آيات طفولتها حينما كبرت وهي تشاهد مدى اهتمام والديها بالمكتبة الكبيرة التي تتواجد في الركن الخاص بغرفة الجلوس. ولطالما كانت تسأل والدها عن الكتب المتوفرة على الرفوف، والتي تزداد دوما ولا تنقص، ليقول لها نبذة صغيرة عن كل كتاب، وينصحها وفق العمر المناسب لها، والذي باستطاعتها أن تقرأ فيه هذا الكتاب أو ذاك لكي تستوعبه وتستفيد منه لاحقا.
تقول آيات إن هذه التجربة في طفولتها كانت مهمة للغاية، إذ كان والداها يحرصان دائما على ترتيب المكتبة وإضافة إصدارات جديدة، واختيار الكتب وقراءة عدد من الصفحات يوميا، وكانا يجلبا لها دوما الكتب الجديدة والتي تناسب عمرها، لذا باتت هذه العادة جزءا أساسيا من حياتها، لتقرأ حينما كبرت بالعمر الكتب التي نصحها بها والدها.
تلك التجربة التي عاينتها في طفولتها، نقلتها بعد ذلك لبيتها، وأول ما حرصت عليه هو تصميم مكتبة كبيرة في بيتها، ليعتاد صغارها على نمط القراءة، كما تربت هي تماما، وهو الأمر المهم الذي كما تقول، “يزرعه الآباء في نفوس الأطفال منذ الصغر”.
اليوم ومع تطور الحياة وسرعتها والانتشار الكبير والواضح للتكنولوجيا نلاحظ ضعف الإقبال نوعا ما على القراءة، خصوصا مع التفاف الناس حول منصات التواصل الاجتماعي والانشغال بذلك العالم الافتراضي لدرجة أنه لم يعد هنالك وقت لأي شيء، لذا فمن الطبيعي أن يفقد الكتاب قيمته الحقيقية ويصبح عند بعض الأشخاص نوع من الإكسسوارات الجمالية.
ولا يخفي سيف جمال والذي يهتم بعالم القراءة، “صدمته” حينما يزور منازل أصدقائه، ويرى مكتبة كبيرة بواجهات ضخمة، وحينما يسأل أحدهم عن أنواع الكتب الموجودة، يجاوبه “يا أخي هذا بس للديكور ويتماشى مع مفروشات البيت”. يشعر سيف بالحزن من هذه الإجابات، وأن الشخص الذي يملك المكتبة يشتري الكتب ليزينها بداخلها، لكنه لا يخطر على باله أن يمسك أحد الكتب ويقوم بقراءته، إنما نوع من الديكور و”مشهد ثقافي وهمي غير حقيقي”.
ورغم الجفاء الحاصل بين الناس والقراءة، إلا أن هناك عائلات ما تزال تحرص كل الحرص على تخصيص زاوية في البيت للمكتبة باعتبارها إرثا ثقافيا مهما يهتمون بها كثيرا ويختارون مكانها بعناية شديدة كما يسعون إلى إثرائها بأشهر الكتب وأهمها.
المكتبة المنزلية من وجهة نظر تربويين، زاوية غنية بالاضطلاع على الثقافات الأخرى، وزيادة المعارف والخبرات والتجارب، وتتيح للإنسان أن يتعرف على كل ثقافات وحضارات العالم وأنماطه من مكانه. هي فسحة أيضا للأطفال يستطيعون من خلالها التنقل بين شتى العلوم تمنحهم الفرصة ليغذوا عقولهم وأرواحهم.
ذلك كله، يتطلب من الأهل آباء وأمهات أن ينتقوا المناسب لأبنائهم وأن يتخيروا أفضل أنواع الكتب حتى يسهموا في صناعة جيل يقدر القراءة قادر على تذوق ألوان مختلفة من المعرفة.
لكن، ما يدور في الأذهان مؤخرا، وربما حتى بدأ يطرح بشكل علني وبصوت عالٍ: إلى أي درجة يعكس وجود مكتبة في البيت ثقافة أصحابه؟ وهل أصبحت المكتبات المنزلية جزءا من الأثاث والمظاهر الكاذبة؟
الخمسينية عتاب محمد تقول ليس مستهجنا أبدا ما وصلت إليه القراءة في الآونة الأخيرة والعزوف عن أجواء المعرفة ورائحة الكتب. فالتكنولوجيا بكل تبعاتها غزت عقول الصغار والكبار. الكل يتسابق ويتنافس على اجتياح تلك الفضاءات الشاسعة، مبينة أن المكتبات المنزلية باتت اليوم عند عدد ليس بالقليل “جزءا من الديكور” لا أكثر وربما في أغلب الأحيان تقليد غير مفهوم يبرره زيف المظاهر وادعاء البعض للثقافة وشغفهم بالقراءة.
وتشدد على ضرورة أن تستعيد المكتبات في منازلنا قيمتها الثقافية وذلك بتعويد الأبناء على القراءة وتشجيعهم منذ الصغر على الاتساق بالكتاب وتكوين علاقة صداقة معه، حتى يستطيع الأهل حماية فلذات أكبادهم وحتى أنفسهم من سيطرة الأجهزة الإلكترونية عليهم.
الأخصائي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة يرى أن انتشار التكنولوجيا قلص بشكل كبير من دور الكتاب وجعل الجميع أسرى لتلك الأجهزة، الأمر الذي تسبب في ابتعاد الناس عن القراءة وخاصة بين الجيل الجديد. ويوضح أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الآباء والأمهات وأيضا المؤسسات التعليمية لكونهم لم يعززوا كما يجب هذه المهارة لدى أبنائهم منذ الصغر.
ويشير النوايسة إلى أن الدراسات الحديثة تكشف عن خطورة الوضع الذي آلت إليه القراءة، منوها إلى أن نسبة القرّاء باتت متدنية جدا، وخاصة بين فئتي الشباب والأطفال، وذلك لأن تعلقهم الأكبر بالهواتف الحديثة والألعاب ومواقع التواصل الاجتماعي، فليس لديهم وقت لتصفح كتاب أو التفكير حتى بحاجتهم للقراءة.
وحسب رأي نوايسة فإن توفير المواقع للمعلومة السريعة زاد الأمر تعقيدا فباتت الصورة أهم من الكلمة، وهذا ما يبرر اتخاذ البعض للمكتبات المنزلية على أنها جزء من الديكور وشكل جمالي يتواءم والمظاهر الزائفة التي يحتمي خلفها أشخاص أبعد ما يكونون عن الثقافة والمعرفة.
ويشدد نوايسة على أهمية المكتبات المنزلية ودورها في تنشئة جيل قوي مثقف يحترم الكتاب ويقدر قيمته.
وتشاركه الرأي الكاتبة المتخصصة بشؤون الطفل ديما الرجبي بقولها، “لا يخفى على أي أسرة أهمية القراءة من الكتاب الورقي، وبما أن التوجه الرقمي يقلص حجم الاهتمام بهذا الشأن، يجب أن نوازن بين القراءة الرقمية والورقية حتى لا تندثر الكتب التي هي أساس العلم بمختلف المجالات”.
وتتابع، يعاني أبناؤنا من غزو للغة العربية وتغريبها، والكتاب مهما كان نوع القصة (تسلية/ علمية/ خيال/ دين) يحتفظ بقوام اللغة الصحيحة ويتيح فرصة للأبناء للتعرف على مفردات جديدة لإثراء مخزونهم الفكري.
وتوضح الرجبي، هناك أدوار موزعة على الجميع للحفاظ على الموروث الثقافي الأصيل ومنح أبنائنا فرصة التعرف عليه، وتتوزع هذه الأدوار، بالأسرة ومن ثم تنتقل الى المؤسسة التعليمية التي تتحمل مسؤولية إبراز أهمية الكتاب للطلبة من مختلف الأعمار من خلال تخصيص مكتبة في كل مدرسة، وتفعيل أنشطتها اللامنهجية وتنظيم مسابقات لتحفيزهم على ولوج المكتبة والتعرف على أهوائهم القرائية والأهم توفير التنوع في القصص لتراعي اختلاف الأذواق بينهم.
وتنصح الرجبي، بضرورة وجود مكتبة منزلية يستخدمها الآباء، وهذا يساعد في ترسيخ أهمية هذه الزاوية الثقافية العلمية لأبنائنا.