التعليم التشاركي.. كيف يسهم بتنمية التفكير النقدي لدى الطلبة؟
الغد-آلاء مظهر
في ظل التحولات الرقمية والتقدم التكنولوجي المتسارع، إلى جانب التطورات المستمرة في أساليب التدريس، يبرز التعليم التشاركي كأحد الأساليب الحديثة التي تسعى إلى الارتقاء بجودة التعلم وتعزيز فاعلية العملية التعليمية، وتنمية التفكير النقدي لدى الطلبة.
وبينما يعتمد هذا النهج على إستراتيجيات تشجع الحوار وتبادل الأفكار، والتجربة العملية، والعمل الجماعي، ما يساهم في بناء بيئة تعليمية محفزة قادرة على تنمية المهارات التواصلية إلى جانب تعميق الفهم وتعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات، أكد خبراء تربويون أهمية التوسع في تبني التعليم التشاركي كأبرز أساليب التعليم الحديثة لتحسين جودة التعليم وتعلم الطالب، والتي تجعل منه شريكا في إنتاج المعرفة بدلا من متلقٍ سلبي لها.
وبينوا في أحاديثهم المنفصلة لـ"الغد" أن التعلم التشاركي يسهم في إعداد الطلبة للحياة؛ إذ يتطلب سوق العمل اليوم مهارات التواصل والتعاون ضمن فريق العمل، إلى جانب تعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات، لافتين إلى أن التعليم القائم على التعليم التشاركي يعد ركيزة أساسية لتفعيل دور الطلبة في توليد وبناء المعرفة، وتنمية مهاراتهم الحياتية والاجتماعية، وتعزيز انخراطهم داخل العملية التعليمية وتنمية مهارات الاتصال لديهم.
تمكين الأفراد
في هذا السياق، أكد الخبير التربوي الدكتور محمد أبو غزلة، أن التطورات السريعة التي يشهدها العالم في الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، وحتى في النظام التعليمي، فرضت الحاجة لتمكين الأفراد من المعارف والمهارات الحياتية التي باتت ضرورية في مختلف مجالات الحياة، مثل مهارات التفكير النقدي والإبداعي التحليلي، ومهارات حل المشكلات، والتفاوض، والاتصال والتواصل وبناء العلاقات الإنسانية.
وأضاف أبو غزلة، إن مهارات التعلم القائم على التعاون والتشارك، هي من المهارات الأهم لإحداث نقلة نوعية في مجالات الحياة الحالية والمستقبلية للطلبة، وذلك من خلال تبني نهج تعليمي يعتمد على مشاركة الطلبة الفعالة، وتعاونهم داخل مجموعات تعلمهم لتوليد وبناء المعرفة واكتساب المهارات بطريقة جماعية تفاعلية.
وقال، إن التعليم القائم على التعليم التشاركي يعد ركيزة أساسية لتفعيل دور الطلبة في توليد وبناء المعرفة، وتنمية مهاراتهم الحياتية والاجتماعية، وتعزيز انخراطهم داخل العملية التعليمية، فضلا عن تنمية مهارات الاتصال والتواصل والتعاون، وتبادل الأفكار، والعمل الجماعي، وخلق جو من الاحترام المتبادل الذي يشعرهم بأنهم شركاء أساسيون في عملية التعلم والتعليم.
وتابع: "كما يعزز من دافعيتهم وثقتهم بأنفسهم ويزيد من تركيزهم واهتمامهم بالمادة التعليمية، وستتوفر عندها فرصة لكل طالب منهم للتعبير والمشاركة والمناقشة والحوار والتوافق بينهم، ويصبح كل منهم أكثر قدرة على كيفية تحليل المعلومات التي تعطى له، وعلى التقييم الموضوعي لها، ناهيك عن تنمية مهارات حل المشكلات الإبداعية لديهم ولزملائهم عندما يواجهون تحديات حقيقية في عملية التعلم، وسيعملون معا لإيجاد الحلول المبتكرة."
وأكد أن هذا النوع من التعليم يقضي على التنافس السلبي بين الطلبة، ويزيد من استعدادهم لتحمل مسؤولية تعلمهم، ويبني روابط وعلاقات اجتماعية وتعليمية بينهم في بيئة تعليمية صحية، وتعزيز التماسك الاجتماعي داخل المدرسة، وإثراء خبراتهم وإعدادهم لمواقف الحياة الواقعية، وهذا ما تسعى له كل التوجهات التربوية الحديثة لتحسين جودة الأنظمة التعليمية؛ لأن التعاون والعمل الجماعي يعد من أساسيات النجاح في الحياة الأكاديمية والمهنية والشخصية.
ولضمان نجاح هذا النوع من التعليم التشاركي في تحسين جوة التعليم، بحسب أبو غزلة، يتطلب الأمر من المعلم تطوير مهاراته التدريسية والتعليمية، وإثراء تجربته المهنية لضمان تعزيز جودة ممارساته التدريسية والتربوية بحيث تتناسب مع الأدوار التي سيؤديها كميسر ومشرف على عملية التعلم والتعليم، وفي دوره في التخطيط لتصميم أنشطة تعليمية تفاعلية تركز على الطالب وبناء بيئة تعلم أكثر تفاعلا وإيجابية.
إضافة إلى تحديد وتوزيع المهام التعليمية على الطلبة وفق قدراتهم، لأنه المعلم سيصبح قادرا على تحديد أساليب وأنماط تعلم طلبته، وبالتالي تطوير إستراتيجيات متنوعة لتلبية احتياجاتهم، واستخدام أساليب تقييم بديلة تركز على الأداء الجماعي والتفاعل بين الطلبة، الأمر الذي يتطلب تطوير أدوات تقييم أكثر شمولا تراعي الجوانب الفردية والجماعية.
وأوضح أن هذا النوع من التعليم يتيح للمعلم فرصة المتابعة وملاحظة سلوكيات الطلبة ومهاراتهم الاجتماعية بشكل أفضل، وتقديم التغذية الراجعة لهم، وهذا يدفع المعلم أيضا للاستمرار في تطوير مهاراته المهنية بما يتناسب مع احتياجات بيئة التعلم الحديثة.
واجبات الطلبة
كما على الطلبة، بحسب أبو غزلة، تحمل مسؤولية أكبر في تعلمهم من خلال التفاعل الفعال داخل المجموعات، وتبادل المعارف، واحترام الأدوار، والمساهمة في تحقيق أهداف مشتركة، ومن المهم أن يطوروا مهارات التفكير، والاتصال، والتنظيم الذاتي لديهم لتعزيز استقلاليتهم وتنمية روح المبادرة والعمل التشاركي لديهم، ولعل هذا التكامل في الأدوار يسهم في تحسين جودة التعلم، وبناء مجتمع تعليمي قائم على التعاون والمشاركة الفعالة.
وأكد أهمية التوسع في تبني التعليم التشاركي كأبرز أساليب التعليم الحديثة لتحسين جودة التعليم وتعلم الطلبة، والتي تجعل منه شريكا في إنتاج المعرفة بدلا من متلقٍ سلبي لها، لافتا إلى أن التوسع في دمج إستراتيجيات التعليم التشاركي في السياسات التعليمية والمناهج، له أهمية قصوى ليصبح جزءا من الثقافة التعليمية، إضافة إلى أهمية توفير السياسات الداعمة لتوفير البنية التحتية الملائمة لتطبيق هذا النهج التربوي، وتضمين التعلم والتعليم التشاركي ضمن الخطط الدراسية، والعمل مع المركز الوطني للمناهج للتوسع في تضمين المناهج والكتب المدرسية والأدلة لأنشطة هذا النوع من التعلم.
وأضاف: "من المهم أيضا التوسع في توفير برامج تدريبية وتأهيلية للمعلمين تمكنهم من تطبيق الإستراتيجية بفعالية، وأيضا لتشجيعهم على الابتكار في طرق التدريس بما يلبي احتياجات المتعلمين المتنوعة، وعلى التقييم ووضع الخطط لمتابعة التطبيق في الميدان التربوي، وهذا بدوره سينعكس على بناء نظام تعليمي أكثر شمولًا ومرونة، وعلى الإدارات المدرسية توفير وتهيئة البيئة الصفية المناسبة، وتشجيع المعلمين على تبني الممارسات التشاركية، إلى جانب دعم ثقافة التعاون بين المعلمين والطلبة، وتوفير أدوات التعليم التفاعلي، وتخصيص وقت مناسب داخل الجدول الدراسي للأنشطة التشاركية، ووضع الخطط لمتابعة التنفيذ."
ورأى أبو غزلة أن هذا النوع من التعليم سيساهم في تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة، ورفع جودة المخرجات التربوية، والتي ستنعكس على إعداد جيل متعلم قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاء، كما سيعزز من كفاءة مخرجات التعليم على المستويين المحلي والعالمي، وسيحدث تحولا جذريا في منظومة التعليم لتلبية ومواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين.
أسلوب تعليمي فعال
بدوره، رأى الخبير التربوي فيصل تايه، أن التعليم التشاركي هـو أسـلوب تعليمي مبني علـى خلق بيئة فعالة تسـمح للطالب أن يتعـاون مـع جميع الطلبة ويتشارك معهم فـي بناء المحتـوى التعليمي.
وأضاف تايه إن من شأن ذلك أن يعطي هذا النوع مـن التعلم الطالب الفرصـة للمناقشـة والحوار، ويشجعه علـى البحث والاكتشاف والتجريب.
وأشار إلى الفوائد التي يقدمها التعليم التشاركي، والمتمثلة بتنمية المسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية، وروح التعاون والعمل الجماعي بين الطلبة، الأمر الذي يساعدهم في تبادل الأفكار واحترام آراء الآخرين وتقبلها.
بالإضافة إلى تدريبهم على حل المشكلة، وتنمية القدرة لديهم على اتخاذ القرار، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، إلى جانب القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار من خلال الأنشطة والزيارات الميدانية، والحوار مع المتخصصين والمناقشة بين الزملاء، ويذلل صعوبات العمل بروح الفريق.
ويكسبهم أيضاً، بحسب تايه، مهارات القيادة والاتصال والتواصل مع الآخرين؛ لأنها تبعدهم عن روتين تلقي المعلومات، بحيث يتم من خلاله التعرف إلى الواقع المحيط وملامسته والتفاعل معه.
وأشار إلى أن القيام بالنشاط على شكل مجموعات يؤدي دوراً كبيراً في توطيد العلاقات بين الطلبة من جهة، وبينهم وبين المدرسة من جهة أخرى، ومن ثم تبادل الخبرات والمعلومات عبر الحوار البناء والمناقشة.
تعليم التفكير
من جهته، أكد الخبير التربوي عايش النوايسة، أن التعليم اليوم يعنى بنمو المتعلم نموًا متكاملًا في الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية، لذا فإن المهمة الأساسية التي ينبغي أن يضطلع بها التدريس تتمثل في تعليم الطلبة كيف يفكرون لا كيف يحفظون، وهذا يستند إلى تمكينهم من عدد من المهارات التي سميت بمهارات القرن الحادي والعشرين.
وأضاف النوايسة إن ما يشهده العصر الحالي من تفجر معرفي وثورة تكنولوجية واسعة شملت مجالات الحياة المختلفة، يقتضي اهتمام التربويين بالبحث عن السبل التي تكفل تنمية التفكير لدى الطلبة، وتعليمهم كيفية اكتشاف المعرفة بأنفسهم، وتطبيق تلك المعرفة واستخدامها في التغلب على ما يواجهون من مشكلات في حياتهم اليومية.
وتابع إن هذا الأمر يُعدّ بمثابة الهدف الأساس الذي يجب أن تسعى التربية العلمية إلى تحقيقه، وهذا يتم من خلال العديد من الإستراتيجيات، ومنها التعلم التشاركي الذي يقوم على مبدأ العمل الجماعي المنظم داخل مجموعات صغيرة، حيث يتعاون الطلاب لتحقيق هدف تعليمي مشترك.
وبين أن هذا النوع من التعلم يعزز الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية، حيث يدرك كل طالب أن نجاح المجموعة يعتمد على مساهمته الشخصية، كما تتضمن مبادئ التعلم التعاوني التفاعل المعزز وجهًا لوجه، ومهارات التعامل مع الآخرين، ومعالجة أداء المجموعة.
وأشار إلى تعدد الأوجه التي يسهم فيها التعلم التشاركي لتحسين جودة التعليم وأهميته في تنمية المهارات الاجتماعية والشخصية، إذ يُعد بيئة خصبة لتطوير مهارات التواصل الفعال، والاستماع النشط، والتفاوض، وحل النزاعات، حيث يتعلم الطلاب كيفية التعبير عن أفكارهم بوضوح، واحترام آراء الآخرين، ما يؤهلهم للتعامل بفعالية في حياتهم الشخصية والمهنية.
كما يسهم هذا التعليم، بحسب النوايسة، في تعميق الفهم وتحسين التحصيل الأكاديمي، خاصة عندما يقوم الطلبة بشرح وتوضيح المفاهيم لبعضهم بعضا، بحيث يعززون فهمهم الخاص للمادة.
وبين أن النقاشات الجماعية تسهم في إثارة أسئلة مختلفة، وتوفر وجهات نظر متعددة، ما يساعد على معالجة المعلومات بعمق أكبر والاحتفاظ بها لفترة أطول، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحسين الأداء الأكاديمي العام للطلبة.
ولفت إلى أن التعلم التشاركي يسهم في إعداد الطلبة للحياة، إذ يتطلب سوق العمل اليوم مهارات التواصل والتعاون ضمن فرق العمل، إلى جانب تعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات، إذ يُشجع الطلبة على تحليل المشكلات من زوايا مختلفة، واقتراح حلول إبداعية، وتقييمها بشكل نقدي، كما يسهم في تنمية مهارات القيادة والمسؤولية من خلال إتاحة الفرصة للطلبة لتولي أدوار قيادية مختلفة، ما يساعدهم على تطوير مهارات التنظيم، والتوجيه، وتوزيع المهام.