عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-May-2024

ليلة القبض على بنيامين نتنياهو|عيسى الشعيبي
 
العربي الجديد
 
عيسى الشعيبي
 
بين سلسلة طويلة من التوابع الارتدادية المتواصلة، الناجمة عن زلزال السابع من أكتوبر 2023، وقعت في الأسبوع الماضي وحده ثلاث هزات أخرى بالغة الشدة، تكافئ كل واحدة منها زلزالاً متوسط الدرجة، وفق مقياس ريختر السياسي الافتراضي، كان أولها طلب مدعي محكمة الجنايات الدولية اصدار مذكرات القاء القبض على الظنينين، بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالنت، وثانيها اعتراف ثلاث دول أوروبية وازنة بدولة فلسطين، اما ثالثها فكان قرار محكمة العدل الدولية القاضي وقف حرب الإبادة الجماعية على رفح ومحيطها.
 
وفيما تستحق كل واحدة من هذه الوقائع الزلزالية تناولاً خاصة بها، تبدو مذكرة القبض على نتنياهو أكثر هذه الوقائع أهمية، نظراً لفحواها ومغزاها ودلالاتها الرمزية، ناهيك عن شدة دويها، وفيض تداعياتها على راهن الدولة العبرية ومستقبلها، وهو ما يوجب إعطاء الأولوية الأولى لهذه السابقة غير المسبوقة  في سجل الصراع المديد، وذلك دون التقليل من وزن كل من الاعترافات الأوروبية وقرار محكمة العدل الدوية، حيث شكل الاتهام الجنائي المشخّص بالاسم واللقب، المسنود بالأدلة القاطعة، نقطة نوعية فارقة، وكوّن أرضية سياسية جديدة، وفتح في الوقت ذاته مساراً واسعاً وفعّالاً لمواصلة الاشتباك والهجوم، في فضاء قانوني سبق ان شكك البعض في جدواه وبالغ في استصغار شأنه.
 
اذ بعد طول انتظار مملّ، وترقب مشوب بالشك، وقف كريم خان مدعي محكمة الجانيات الدولية، بكامل لياقته البدنية وعدته القانونية، وقال برباطة جأش مفاجئة، وبنبرة صارمة، بدت كقنبلة متفجرة من العيار الثقيل، ان كلاً من المرجع السياسي الأول (نتنياهو) والمسؤول العسكري الأعلى في دولة الاحتلال (غالنت)، مطلوبان للقضاء الدولي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب موثّقة بالصوت والصورة، وجريمة ضد الإنسانية، الامر الذي دوّت معه صافرات الإنذار في تل ابيب، معلنة عن بدء نهاية زمن الإفلات من العقاب والدلال والمنع من المساءلة،
ليس من المبالغة القول ان تلك الليلة الهولندية الرائقة، كانت ليلة القبض على المتهم بنيامين نتنياهو، ليس لأننا نحب ان نشاهد "الملك" عارياً ومقبوضاً عليه، وان نرى الساحر وقد انقلب عليه سحره (ونحن نحب ذلك حقاً) وانما لأن ردة فعل المتغطرس الهستيرية الاولى، وانفعالاته التلقائية المبكرة، شفّت عن حس بالإهانة الشخصية، وعن شعور ساحق بالحصار والمطاردة، وهلع مثقل بهاجس الحبس والنبذ قبل بدء المحاكمة، اذ اتى رد فعل نتنياهو، حسب هيئة تحرير صحيفة هآرتس العبرية، على مذكرة الاعتقال "رد مجرم اُلقي القبض عليه، فهدد المدعي العام قائلاً: لست انا من ينبغي ان يقلق، على كريم خان ان يقلق على نفسه وعلى محكمته".
 
واحسب ان مرد هذا الهلع الذي طفح حينها على وجه نتنياهو وفاض على لسانه البذيء، قد عزز الانطباع المثير عن المكابر الكذاب رقم واحد المقبوض عليه افتراضياً بعد، المطارد قانونياً وسياسياً واخلاقياً، وهو من كان يرى نفسه نداً لونستون تشرتشل ونابليون بونابرت، كما احسب ايضاً ان غضب هذا الطاووس اتى من مصدرين منفصلين، الأول نزوله مهاناً عن منصة الشعور بحس العظمة التي استبدت به طويلاً، والثاني عقد كريم خان مقارنة مهينة له، وغير مقبولة عليه، بينه وبين من كان يراهم أناساً من عرق همجي وضيع المحتد، او قل طينة اثنية ادنى، الامر الذي اثقل عليه بشدة، وضاعف حسه بالظلم والدونية.
 
فاقم من شعور نتنياهو بوطأة الحصار والحرج وعار المطاردة، بعد طلب القبض عليه دولياً، انه بات منذ اليوم رهين المحبسين، ومطوّقاً بقيدين حديديين اثنين، الأول تشكّل من اربع تهم جنائية ثقيلة معلّقة على صدره، ناهيك عن وزر اخفاقات 7اكتوبر، والثاني لوّح به كريم خان، ومن خلفه 124دولة ملتزمة بميثاق روما الأساسي، وانذره بالجلب مخفوراً الى القفص الباذخ في لاهاي، الامر الذي جعل الظنين في وضع المقبوض عليه سلفاً، مجرم حرب متربعاً على رأس دولة مارقة معزولة منبوذة مرذوله، تنزف بلا توقف، وتفقد حصانتها وشرعيتها.
 
بكلام آخر، ليس نتنياهو وغلانت هما المتهمين الوحيدين المقبوض عليهما دولياً، غداً او بعد غد، وليسا هما المعرضين دون غيرهما للمحاكمة والقصاص والمساءلة، وانما دولة الاحتلال بقضها وقضيضها هي المطلوبة للمثول امام محكمة الجنايات ومحكمة العدل والتاريخ والرأي العام الدولي، وهي التي وضعت نفسها بنفسها في مسار مقاطعة وضغط وعقوبات ذات أثر تراكمي لا تستطيع العيش معها، فلا هي دولة عظمى مثل روسيا، او كوريا الشمالية المتدثرة بقنبلتها النووية، ولا حتى دولة طبيعية مثل إيران تتجلّد وتنجو بنفسها،