الإعلام الوطني المسؤول.. دروس مستفادة*د.نهلا عبدالقادر المومني
الغد
إعلام الدولة أو الإعلام الوطني المسؤول مصطلح كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة؛ بالنظر إلى زخم القضايا على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، ولحجم هذه القضايا وثقلها وأثرها المباشر وغير المباشر على تحقيق مفاهيم السلم والأمن المجتمعيين والمنعة الذاتية الوطنية التي تشكل في مجموعها عاملا حاسما في تجاوز الأزمات والظروف الطارئة والاستثنائية على حدّ سواء.
في الحديث عن الإعلام الوطني المسؤول لا يمكن إلا أن نستذكر الميثاق الوطني الأردني، الذي يعد الوثيقة الوطنية التي رسخت وبأطر بعيدة الأمد النهج والثوابت الأردنية في المجالات كافة، بما في ذلك الإعلام عندما أشار إلى أن «التقدم العلمي والتكنولوجي وما أحدثته ثورة الاتصالات من آثار في هذا العالم جعل للإعلام ووسائل الاتصال الجماهيرية دورا مهما في ترسيخ النهج الديمقراطي وتعزيزه.. وهذا يتطلب ما يلي: أن تقوم رسالة الإعلام الأردني على مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية، واحترام الحقيقة.. وأن تكون وسائل الإعلام والاتصال قنوات لإيصال صورة الوطن وثقافته وحضارته إلى العالم.. وأن تسهم وسائل الإعلام في تكوين المواطن المنتمي لوطنه وامته وبما يسهم في تحقيق السلم الاجتماعي وصون الوحدة الوطنية وتجنب التأثيرات الضارة لنشاط الإعلام المعادي.. وأن تحرص وسائل الاتصال جميعها على تهيئة المناخ الحر اللازم لنمو المجتمع الأردني بالمعرفة المستنيرة والخبر الصادق..»
استذكار هذه المبادئ والأسس يأتي في سياق مجموعة من الأحداث الأخيرة التي شهدها الأردن وكان لا بد من الخروج بمجموعة من الدروس المستفادة.
فلا يخفى على أحد أن الإعلام وبشكل خاص في الأزمات يلعب دورا بارزا في تشكيل الرأي العام، وتوظيف الأدوات الحقوقية والقانونية في ظروف بعينها تبدو ضرورة لازمة لانبثاق واستناد الردود المتخذة بناء على هذه الظروف ابتداء على معطيات قانونية وحقوقية بحتة.
في الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة وما أفرزته من تداعيات على المشهد الأردني خاصة ما يتعلق باختراق المجال الجوي الأردني والجدل الذي خلفه في الشارع الأردني، برز تحد إعلامي يتمثل في عدم التركيز على المنطلقات القانونية دوليا وإقليميا ووطنيا لمنع أي اختراق، وإيصالها للأفراد بصورة مبسطة وضمن منهجية وتسلسل مدروس قادر على مخاطبة العقل الجمعي بما يضمن عدم حدوث انقسام كبير في الأراء، واكتفت بعض وسائل الإعلام بترديد عبارات عامة بهذا الشأن بعيدا عن التأصيل اللازم أو التركيز على أسباب ومبررات أخرى ليست بالأهمية ذاتها؛ بالرغم من أن المسألة سواء في التشريع الدولي أو الوطني مسألة محسومة، فأي عملية إسقاط لأي جسم يخترق سماء الدولة هو إسقاط لصالح السيادة الوطنية وليس إلا، ولا توجد هوامش تقديرية من أي نوع عندما يتعلق الأمر بسيادة الإقليم أيا كان نوعها، برا أو بحرا أو جوا. هذه المسألة التي تجد أسانيدها سواء في الاتفاقيات الدولية أو تلك الإقليمية وكذلك في التشريع الوطني.
في هذا السياق لا يعني التطرق لهذا الأمر عدم وجود ممارسات إعلامية فضلى في تناول هذا الأمر، ولكن لم يكن التناول العام للقضية وعلى مستوى وسائل التواصل الإعلامي والجماهيري بصورة عامة يصل إلى ما نأمله من تشكيل إعلام الدولة أو الإعلام الوطني المسؤول، الممنهج والمنسق والمستند إلى أدوات قانونية حقوقية قادرة على إحداث تغيير في اتجاهات الأفراد وردم الفجوة التي تسمح أحيانا بتسرب روايات تضر بالسلم المجتمعي في مثل هذه الظروف.
ما نقول، إعلام وطني مسؤول وإعلام دولة يقوم على نهج واضح الأسس هو ضرورة لازمة وليس خيارا إضافيا؛ لذا فإن بناء مفاهيم المسؤولية والتنسيق المشترك ومخاطبة الجمهور بخطاب واضح المعالم ومركز ومؤسس على أطر حقوقية قانونية علمية وعملية والالتفاف حول رواية الدولة ومساندتها هي عناصر لا بد من العمل عليها مبكرا وصولا لإعلام وطني مسؤول نجده اكثر وضوحا وبروزا في أي أحداث قد نشهدها، مع التأكيد مجددا أن هناك نماذج وتجارب كانت على قدر المسؤولية وأدت الرسالة وشكلت عاملا بارزا في توجيه الأفراد نحو ما هو أهم وأبقى، الوحدة الوطنية.