الغد-نادية سعد الدين
أثار اعتراف الاحتلال بما يسمى بـ"صوماليالاند" (أرض الصومال) كدولة مستقلة ردود فعل فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية رافضة ومنددة بالخطوة الأحادية التي تخالف مبادئ القانون الدولي، فيما اعتبرها الفلسطينيون مقدمة لتهجير سكان قطاع غزة، في ظل مساعي حكومة "بنيامين نتنياهو" المستمرة لتنفيذ المخطط وإبقاء السيطرة في القطاع، على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وجاءت خطوة "الاعتراف" على وقع جهود الوسطاء المتعثرة للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بسبب خروقات الاحتلال المتواصلة لتنفيذه منذ سريانه، كما تأتي قبيل زيارة "نتنياهو" المرتقبة غداً إلى واشنطن، والتي من المفترض أن تناقش قضايا متعلقة بالاتفاق والسبل الكفيلة لإنهاء انهياره.
وعدّ الفلسطينيون خطوة الاعتراف بالسابقة الخطيرة التي تمهد لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بينما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه لن يعترف بإقليم "أرض الصومال" الانفصالي في الوقت الحالي، ولكنه لم يغلق الباب نهائياً حينما اعتبر أن المسألة تحتاج إلى دراسة.
في حين كشفت القناة "14 العبرية" أن اعتراف "نتنياهو" رسمياً "بجمهورية أرض الصومال" جاء مقابل استيعاب سكان غزة، حيث ستضم "أرض الصومال سكان غزة مقابل هذا الاعتراف"، وفق ما ورد عنها.
وتتناول اتفاقية الاعتراف المتبادل بين حكومة الاحتلال ورئيس ما يسمى "جمهورية أرض الصومال"، عبد الرحمن محمد عبد اللهي، إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل تعيين سفراء وافتتاح سفارات، وجوانب أمنية وسياسية ومجالات ثنائية أخرى.
من جانبه، أكد الرئيس محمود عباس دعم دولة فلسطين الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، ورفضها للاعتراف المتبادل بين حكومة الاحتلال وما يسمى "بإقليم أرض الصومال".
وأدانت حركة "حماس"، "بأشدّ العبارات" ما أعلنته الإدارة الانفصالية في الصومال بشأن تبادل الاعتراف مع الاحتلال، معتبرةً الخطوة "سابقة خطيرة".
وأضافت الحركة، في تصريح لها أمس، أن حكومة الاحتلال "متورّطة في جرائم حرب وإبادة جماعية، وتواجه عزلةً دوليةً متصاعدة"، مؤكدة رفضها التام "لمخططات الاحتلال لتهجير الشعب الفلسطيني قسرًا، بما فيها استخدام أرض الصومال كوجهةٍ لأبناء غزة".
وفي بيان شديد اللهجة، رفضت الصومال القرار الذي يهدد سيادتها ووحدة أراضيها، ودعت جميع الدول والشركاء الدوليين إلى احترام القانون الدولي، والالتزام بمبادئ عدم التدخل وسلامة الأراضي، والعمل بمسؤولية لصالح السلم والاستقرار والأمن في القرن الإفريقي.
لكن اللافت في بيان الخارجية الصومالية هو التلميح للهدف الخفي من وراء قرار الكيان المحتل بالاعتراف بإقليم صوماليا لاند، حيث أكدت الصومال دعمها المبدئي والثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، ورفضها القاطع للاحتلال والتهجير القسري والهندسة الديموغرافية والتوسع الاستيطاني بجميع أشكاله.
وقال بيان الخارجية الصومالية بلهجة حاسمة: "وفي هذا الصدد، لن تقبل الصومال أبدًا بجعل الشعب الفلسطيني بلا دولة". ويعيد قرار الاحتلال حول الصومال والرفض العربي والإقليمي للأذهان مجددًا ما ذكرته تقارير إعلامية قبل أشهر حول أن حكومة الاحتلال بحثت إمكانية نقل وتوطين فلسطينيين من قطاع غزة إلى مناطق في القرن الإفريقي، من بينها أرض الصومال وبونتلاند.
وأشارت هذه التقارير إلى أن دولة الاحتلال قد تعرض الاعتراف الدولي والدعم المالي على أرض الصومال مقابل استيعاب أعداد من الفلسطينيين.
متخصصون في الشؤون الدولية أكدوا أن لدولة الاحتلال أهدافًا أخرى من هذا الاعتراف، تتجاوز ملف غزة وتوطين الفلسطينيين، لكنها قد تتجاوز ذلك ساعية إلى موطئ قدم لها في مناطق الملاحة الدولية ومضيق باب المندب.
وتقول الدكتورة نادية حلمى، أستاذة العلوم السياسية بـ"جامعة بني سويف"، إن هناك رفضًا عربيًا وإقليميًا لهذا القرار الإسرائيلي الذي "لا يهدف فقط لدعم أرض الصومال بل لوضع خطط عسكرية واستخباراتية تسعى لتهجير الفلسطينيين من سكان قطاع غزة إليها"، موضحة أن القرار سيصطدم برفض صيني واسع وكبير.
وبيّنت أن التمهيد لتوطين الفلسطينيين ليس السبب الوحيد لاعتراف الاحتلال بالدولة الوليدة في الصومال، وإنما بسبب الأهمية الجغرافية والإستراتيجية لتلك المنطقة.
وأضافت حلمي أن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال (صوماليا لاند)، يهدف لتغيير الواقع الجغرافي أو الديموغرافي، وهو ما تنظر إليه دولة كبيرة مثل الصين كسابقة خطيرة تهدد السلم والأمن الدوليين وحركة الملاحة في البحر الأحمر.
وقالت إن "التخوف الصيني القاطع من هذا الاعتراف الإسرائيلي ينبع كذلك من تركيز الاتفاق على التعاون في مجال الأمن البحري، وهو الأمر الذي يتعارض مع مصالح الصين ملاحياً وبحرياً في تلك المنطقة المحيطة بشرق إفريقيا والقرن الأفريقي، مؤكدة أن "الدوائر المعنية في بكين تتوقع أن يؤدي هذا القرار الإسرائيلي إلى تغييرات جوهرية في موازين القوى في منطقة البحر الأحمر وتهديد مصالح حلفاء الصين في تلك المنطقة".
وكشفت أستاذة العلوم السياسية أن "الرغبة الإسرائيلية لتطوير ميناء بربرة في منطقة القرن الأفريقي ستجعل التخوف أكبر حيث سيُنظر إلى ميناء بربرة كمركز بديل ومنافس في المنطقة، وسيؤدي التعاون بين الاحتلال وأرض الصومال إلى تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد التي تربط البحر الأحمر بالأسواق الإفريقية، مما قد يقلل الاعتماد على ممرات ملاحية أخرى تحت نفوذ قوى منافسة ومعارضة للكيان المحتل.
وأوضحت أن الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الجديد سيعزز كذلك من توفير تكنولوجيا متقدمة لأنظمة المراقبة والإشارة والتتبع، ما يؤثر على مسارات الطيران والملاحة الجوية في القرن الإفريقي، وهو ما يتعارض مع مصالح الدول العربية والصين وروسيا وحلفائهم بشكل خطير.
من جانبه، قال الدكتور أمجد شهاب، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي بـ"جامعة القدس": "عملية التهجير القسري لسكان قطاع غزة نحو أراضي "صوماليا لاند" غير قابلة للتنفيذ، خاصة أنه لا يوجد أي قبول فلسطيني رسمي وغير رسمي لذلك، والدول العربية رفضت رفضاً باتاً سابقاً كل المحاولات لتهجير الفلسطينيين نحو سيناء والأردن والعراق، ومحاولات مشابهة للتهجير لدول بأمريكا اللاتينية ودول أخرى فشلت.
وتابع أن "مما يعزز من فرضية الأهمية الجغرافية والإستراتيجية لقرار الاحتلال الإسرائيلي هو عقلية هذا الكيان المحتل التي تنظر إلى القرن الإفريقي نظرة إستراتيجية وأمنية.
فثلث تجارته تمر عبر القارة الآسيوية، ما يجعل مضيق باب المندب والبحر الأحمر مهماً جداً له، فضلاً عن رغبته في مواجهة الحوثيين الذين تسببوا بهجماتهم ضده في تعطيل الملاحة وارتفاع تكلفة الشحن وتعطيل ميناء إيلات".
وذكر أن دولة الاحتلال أدركت أن أمنها القومي يبدأ من الممرات البحرية البعيدة، لذلك تسعى لتواجد لوجستي قرب مضيق باب المندب"، موضحاً أن تل أبيب تنظر لصوماليلاند كموقع مثالي حيث يطل مباشرة على خليج عدن وقريب من مضيق باب المندب ومقابل دولة اليمن، وبالتالي من يسيطر على البحر الأحمر يملك ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات تخص الملاحة والمنطقة."-(وكالات)