عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jan-2020

الذكاء الاجتماعي.. هكذا تكوّن علاقات اجتماعية إيجابية - معاذ الشحمه

 

الجزيرة - يعرف الذكاء الاجتماعي بأنه القدرة على الانسجام والتآلف الجيد مع الآخرين وكسب تعاونهم معك، وكما يقول فيكتور هوجو: "بأن هناك شيء أقوى من كل جيوش العالم، ذلك الشيء هو فكرة جديدة حان وقتها؟". نعم إنه ذكاء من نوع مختلف، وهو يتجاوز حدود حاصل الذكاء IQ، وكما وضع "أرل ألبرخت" في كتابه الذكاء الاجتماعي أبعاداً لهذا الذكاء وجمعها بخمسة أبعاد، وهي الوعي الموقفي، وهو كأنه رادار اجتماعي، أو هو القدرة على قراءة المواقف وتفسير سلوكيات الآخرين في تلك المواقف، وفقاً لأهدافهم المحتملة، وحالتهم العاطفية، وميلهم إلى التواصل، والحضور، ويشار إليه غالباً بمصطلح التأثير، وهو مجموعة كاملة من الإشارات التي يعالجها الآخرون ليتوصلوا منها إلى انطباع تقييمي للشخص، والأصالة، والوضوح، أي القدرة على تفسير أفكارك وصياغة آرائك، والتعاطف، وهي الإحساس المشترك بين شخصين، الذي يتجاوز معنى الكلمة المنحصر في إبداء الشفقة تجاه الآخرين.
 
 
أهمية الذكاء الاجتماعي
وكما يقول مارك توين بأنه: "كان عنيفاً قاسياً في جداله، بينما كنت أرد عليه بحذر وهدوء مرؤوس لا يريد أن يلقى من حجرة قائد المركب على ارتفاع أربعين قدماً من سطح الماء". فالغباء وعدم الإحساس الموقفي يجعل المواقف أكثر سوءاً، فعلينا أن نفهم السياق الاجتماعي، وأن نفهم السياق المكاني، فمناطق التواصل تقسم للحيز العام والاجتماعي والشخصي والحميمي. وكما يقول روبرت بيرنر: "بأنها يا لها من قوة عظيمة تلك المنحة الإلهية، أن نرى أنفسنا كما يراها الآخرون، يحررنا هذا من داء التخبط والكثير من الأفكار الحمقاء".
 
وكما يقول جيمس دين بأنه: "عش سريعاً، ومت شاباً، واترك جثة حسنة المظهر، فلا شك أن المظهر يلعب دوراً جيداً في الذكاء الاجتماعي". وكما يقول باباي: "أنا هو أنا، وهذا كل ما هو أنا"، فخذ النصيحة من باباي، فللأصالة دور جوهري في الذكاء الاجتماعي، والنرجسية هي افتقاد للأصالة، في لغة الذكاء الاجتماعي ما يطلق عليه علماء النفس بالنرجسية أو حب الذات، يسمى افتقاد الأصالة.
 
 
كيف تكوّن علاقات اجتماعية إيجابية؟
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما عرفه ابن خلدون في مقدمته، ليس له غنىً عن التعامل مع الآخرين من المحيطين به، ولكن التعامل مع الآخرين ليس بالأمر الهين، كما يقول ابراهيم الفقي في كتابه كيف تكون نجماً اجتماعياً بأنه ربما تسبب هذا التعامل بمشاكل كثيرة للشخص
أولاً: دراسة أثر "الكلمة" وأبعادها
وكما يؤكد مارك توين على أهمية الوضوح فيقول: "الفارق بين الكلمة المناسبة والكلمة شبه المناسبة فارق شاسع تماماً كالفارق بين البرق وحشرة البرق، فلتكون واضحاً عليك بتحديد الوقت المناسب، وهناك ما يسمى مرض الثرثرة، فأحياناً يكون الصمت أفضل". وكما يقول أحد الفلاسفة بأن تلتزم الصمت فيشك البعض أنك أحمق أفضل من أن تتكلم فتقطع الشك باليقين. وكما يقول لورانس كوجلين أو كما جاء في أحد تعاليم البوذية بأنه: "لا تتكلم إلا بعدما تجيد فن السكوت، وعليك أن تتعلم لغة الهليكوبتر وأحاديث المصاعد، أي أن تكون كلماتك مقصودة ومصوبة للهدف مباشرة، وحتى تكون أكثر وضوحاً عليك أن يكون متوسط طول الجملة لديك 20 كلمة أو أقل، وأن تتجنب لغة المصطلحات، وأن يكون كلامك مبنياً للمعلوم قدر الإمكان".
 
حينما غادرت حجرة العشاء بعد أن جلست إلى جوار السيد جلادستون، اعتقدت أنه أذكى رجل في انكلترا، ولكن بعد أن جلست في جوار السيد دزرائيلي اعتقدت أنني أذكى سيدة في انكلترا، كما تقول إحدى السيدات عند سؤالها عن انطباعها عن رجلي الدولة الانكليز بنيامين دزرائيلي وويليام جلادستون، هناك العديد من السلوكيات التي تهدم التعاطف مثل المزاح المستفز والإهانات غير اللفظية وإفشاء الأسرار وكثرة الشكوى وتقديم نصائح غير مرغوب فيها وغيرها، ولتقوية التعاطف علينا أن نقوي الانتباه ونعزز التقدير للآخرين، والتكلم بروح إيجابية.
 
وكما تقول هيلين كيلر: "بأنني أستطيع أنا العمياء أن أقدم نصيحة للمبصرين، نصيحة صغيرة لأولئك الذين يرغبون في تحقيق أقصى استفادة من نعمة البصر، استخدموا أعينكم كما لو أنكم ستفقدون البصر غداً، والأمر نفسه ينطبق على الحواس الأخرى، استمعوا إلى أصوات الموسيقى، وغناء الطيور، وعزف الأوركسترا وكأنه آخر ما ستسمعون، المسوا كل شيء وكأنكم لن تلمسوه مرة أخرى أبداً، شموا عبير الزهور، وتذوقوا اللقمة مبتهجين وكأنكم ستفقدون حاستي الشم والتذوق للأبد.
 
ثانياً: إتقان مهارة التواصل عند تكوين العلاقات الاجتماعية
وللتواصل عدة أساليب وذلك وفقاً لارتكازها على النتائج أو على العلاقة الاجتماعية، وهي الانطوائي والدبلوماسي والقائد والمحفز، فاتجاه التواصل في العلاقة الاجتماعية إما أن تكون منخفضة أو مرتفعة، وفي التركيز على النتائج إما أن يكون التركيز على الناس أو على المهمة، وفي كلا الحالات عليك ألا تصدر أحكاماً مسبقة. والمسار الحلزوني المزدوج في العلاقات يبدأ بعدم الثقة ثم ينحدر إلى الاستفزاز ثم التصعيد ثم طريق مسدود، ويبدأ من التعاطف ثم يصعد إلى التقبل وثم التبادل ثم الاستمرارية، فلا فائدة من الجدل أبداً وخير موقف لك للفوز بالجدل هو أن تتجنبه من الأصل. وكما يقول ويليام بلاك: "بأن الشخص الذي يتم إجباره على الاقتناع لا يقتنع أبداً".
 
وكما يقول لاوتسو الحكيم الصيني بأنه: "ليس أفضل قبطان من يبحر بتهور، وليس أفضل جندي من يعميه حماسه، بل إن أعظم منتصر هو من يربح دون خوض المعركة". ولكي تجري حواراً حاسماً يقول ستيف ألبرخت عليك أن تفهم الموقف بوضوح، وأن تحدد مصالحك بوضوح، وأن تحدد استراتيجية تعامل، وأن تقوم بالتحاور بروح بناءة، وتعمل على الوصول إلى نتيجة واضحة، ولكي تحصل على موافقة حدد المصالح وحدد عناصر القيمة وصمم مجموعة من حزم الاتفاقات المقترحة (ثلاثة على الأقل)، وقم بالتعاون لتحقيق أفضل اتفاق، وقم بتحسين وتدعيم الاتفاق المختار.
 
ثالثاً: حب الآخرين والتفاعل معهم
وإن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما عرفه ابن خلدون في مقدمته، ليس له غنىً عن التعامل مع الآخرين من المحيطين به، ولكن التعامل مع الآخرين ليس بالأمر الهين، كما يقول ابراهيم الفقي في كتابه كيف تكون نجماً اجتماعياً بأنه ربما تسبب هذا التعامل بمشاكل كثيرة للشخص، لأن طباع الناس مختلفة، وأمزجتهم متباينة، وبموجز العبارة لابد للشخص أن يكون لبقاً ومرناً وذكياً في تعامله مع المحيطين به.
 
وكما قال أبو الفتح البستي: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الناس إحسان، فعندما تقول الحقيقة دائماً يثق بك الناس، وعندما تفعل ما قلت إنك ستفعله كما وعدت، يحترمك الناس، وعندما تشعر الآخرين بالتميز يحبك الناس، ولكي تكون صديقاً جيداً كما قال إبراهيم الفقي. عليك أن تستخدم الدعابة، وأن تكون مقدراً للآخرين، وتظهر الاهتمام، وتظهر الاحترام وتتوقعه، وتكون أميناً، ومعاوناً، وتطلب المساعدة. فقاعدة العلاقات الجيدة في المسيحية تقول "إن كل ما تفعله للآخرين مما يمكن للآخرين أن يفعلوه معك، يؤثر عليك كما يؤثر عليهم، لأن هذا هو القانون والكتاب".
 
وفي الإسلام عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، رواه البخاري ومسلم. فهذه هي القاعدة الذهبية في العلاقات الجيدة، أما المعاملة التي يريدها الجميع هي الاحترام والعدل والأمانة. فالذكاء الاجتماعي يعد أساساً لنجاح المنظمات والشركات، كما أنه كفيل بنجاحك وفلاحك في الدنيا والآخرة، فالذكاء الاجتماعي يمكن تعلمه ويجب تعلمه، وهو ضروري لكي تكسب القلوب، ويحبّك الناس.